الاستثناء سمة ستميز الدخول المدرسي لهذا الموسم. هذا ما قرره صناع القرار التربوي بالمغرب. وهو قرار جاء بعد سلسة من المحاولات الفاشلة التي ميزت مواسم وإصلاحات سابقة عرفتها الساحة التعليمية منذ عقود. نعم هو الاستثناء الذي سيجعل- حسب المسؤولين على القطاع- الموسم الدراسي الجديد فاتحة التنزيل للإصلاح الذي وُضِعت رؤيته الاستراتيجية، واشْتُغِل على بعض تدابيره ذات الأسبقية، ثم مشاريعه المندمجة التي لخصت تدابيره، في محاولات تجريبية عرفتها المدرسة المغربية خلال السنتين السابقتين، قبل أن يتوقف صناع القرار التربوي، مع الإدارة الجديدة للوزارة، عند ضرورة تقديم مقدمات شكلية/ ضرورية على عتبة هذا الإصلاح البيداغوجي، تبدأ بتأهيل المؤسسة التربوية كفضاء حاضن للإصلاحات الجديدة، وفي سياق الاستجابة الملحة للانتقادات التي ما فتىء الرأي العام الوطني، عبر مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، يوجهها إلى المدرسة العمومية أثناء أي مقارنة مع المدرسة المُؤدَّى عنها (المدرسة الخصوصية). فكانت البداية مع تأهيل المؤسسة التربوية؛ صباغة، وترميما، وتغييرا للأثاث، وتَخَلُّصا من المتلاشي،.. لإضفاء جاذبية خاصة على ملامحها المهترئة، وصورتها الكزة الجاحدة التي لا تساعد على التحصيل، ولا تبعث على الاحترام. ثم الدعوة للالتزام بهندام خاص يميز أطر وموظفي القطاع. بالإضافة إلى إجراءات وقرارات تنظيمية مصاحبة يتعلق أغلبها بتأمين زمن التعلم، واستثماره في التحصيل. نذكر منها، الانتهاء من جميع إجراءات التسجيل وإعادة التسجيل، والحركات الانتقالية، وإعداد الخرائط المدرسية والبنيات التربوية، واستعمالات الزمن، وتوزيع التلاميذ على الأقسام، .. قبل توقيع محاضر الخروج مع متم شهر يوليوز. ولكن، هل هذا التعديل الشكلي كافٍ أن يجعل الدخول المدرسي الجديد استثنائيا يميزه عن سائر الدخولات المدرسية السابقة والتي تميَّز أغلبها بالارتجال والعبث، وتضييع زمن التعلم، ومن تم تبقى هذه محاولات لازمة لإثارة الانتباه، وتحريك راكد الروتين الذي ظل يعطي الانطباع، كل بداية موسم دراسي جديد، ألاَّ جديد، وأن الحال هي الحال. فيبدأ الموسم الدراسي عبوسا، مُمِلا، لا يبعث على الجد، ولا يشجع على الانطلاق؟. أم هي عبارة عن شكليات لا تسمن ولا تغني من جوع، وأن الإصلاح الحقيقي ليس صباغة تُطلى بها جدران مدرسة، أو لباسا يميز رجل التعليم عن سواه، ولكن الإصلاح هو إصلاح العقول، وإصلاح المناهج، و تغيير العقليات الفاسدة التي تسببت في هذا الحضيض الذي وصلت إليه المدرسة المغربية؟ كيفما كانت وجهات النظر التي عبرت عنها مختلف التعبيرات المتتبعة للشأن التربوي بعد مجيء الوزير الجديد إلى القطاع، فإن الإصلاح الشمولي، في نظرنا، لا يَعْدِم كل هذه المحاولات المذكورة، من إصلاحات شكلية تؤهل المدرسة المغربية وتجعلها حاضنة تليق بشرف هذه المهنة، وقداسة هذه المهمة. وهي دعوة عمومية قديمة كانت تتقدم كل الانتقادات التي تعرض لها المسؤولون على تدبير القطاع على مستوى المؤسسة التربوية، (ولا يفوتنا– هاهنا- أن نسجل أن هذه المهمة لم تكن بالسهولة التي يظنها البعض،.فقد استنفذ فيها السادة المديرون جهدا استثنائيا غير مسبوق، بسبب ضعف التمويل، ورفض الشركاء الانخراط، وضيق الوقت،… وهو موضوع يحتاج لتقييم خاص ليس هذا مجاله)، إلى جانب تنزيل الإصلاح البيداغوجي ممثلا في مقتضيات الرؤية الاستراتيجية، والمشاريع المندمجة المنبثقة، والتي لا يمثل الإصلاح "الشكلي" الآنف إلا أحد توصياتها الأساس (المشروع المندمج رقم:5)، بالإضافة إلى الإصلاح المرتبط بتنزيل مقتضيات الخطاب الملكي حول الإدارة المغربية (تغيير العقليات، ربط المسؤولية بالمحاسبة، الحكامة المالية والإدارية،…). فقد نسجل أن البدايات "الشكلية" للوزارة على عتبة الإصلاح التربوي الذي بدأت تتشكل ملامح وآليات تنزيله من خلال بعض القرارات الإدارية الصارمة التي يظهر أن الوزارة الوصية قد اهتدت إليها كآخر دواء لمواجهة التسيب، واللامبالاة، والفرملة التي عرفها الإصلاح وإصلاح الإصلاح في سلسلة دوامة الإصلاح التربوي الذي عرفه القطاع خلال العقود السالفة؛ لا يمكن أن تكون نهاية المطاف لتسجيل بصمة التغيير على قطاع يحتاج، بالفعل والقوة، إلى تغييرات جذرية، يتحمل فيها الجميع مسؤوليته التاريخية. فهذه قد نحسبها مجرد بداية في درب "استثناء" يفصل بين ماضٍ فاقدٍ لِما يُعطي، وحاضرٍ يجعل من آلية الصرامة التي لا تحابي وزيرا ولا غفيرا، من المحاسبة، أداة مشجعة لِلِانخراط المُواطِن في تنزيل مقتضيات الإصلاح الجديد. إذ إن نجاح أي إصلاح كيفما كان نوعه، وكيفما كانت ضمانات نجاحه ؛ لا يمكن أن يتحقق إلا إذا التزم الجميع بالقانون، وخضع الجميع للمحاسبة، وتقدم الجميع بالحساب؛ من الوزير إلى أبسط موظف في القطاع. فنجاح الإصلاح في المنظومة متوقف على شعور الموظف الصغير أنه والوزير أمام القانون سواء، لا فضل لهذا على هذا إلا بمقدار الجد والمِراس والعطاء، وكل في مجال تَخَصُّصِه. وهذا عامل نفسي خطير قلَّما ينتبه إليه المهتمون بقضايا الإصلاح. فالموظف الذي يحس بأجواء المساواة والكرامة تظله من كل الجوانب. و" الرقابة" التي تحل عليه رقابة كُفأة ونزيهة؛ تصاحبه، ولا تتكبر عليه، وتعينه ولا تخذله، وتشجعه إذا أحسن، وتنبهه- بأدب- إذا أخطأ، وتحاسبه –وفق القانون- ولا تجامله.. فهذا الموظف هو الذي سيُنجِح الإصلاح، وسينهض بالمنظومة إلى المَصَافِّ الأُوَّل، وسيغرم بعمله ويخلص فيه. لأنه يعلم أنه إذا قام بواجبه، وأخلص في عمله، نال حقه الذي يكفله له القانون كاملا مكمولا، وإذا أضاف فأبدع واجتهد، كوفئ وشُجِّع. كما يعلم أن هذا "القانون" لن يحابي المفسدين من المتهاونين، و"اشلاهبية"، والأشباح، والنقابيين الانتهازيين، والمغتنين من ملايير مشاريع الإصلاح، وصفقاته،…وأن إعمال القانون في حقهم مما لا هوادة فيه ولا تساهل، وأن الكل أمام القانون سواء، وأن مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص، سيكون أصلا أصيلا في تدبير المنظومة… أما إذا كان هذا الموظف يمسي ويصبح على اللغة الخشبية ل"صناع القرار" في البلد، ويلتفت ، فلا يرى إلا الفساد، والكذب، والضحك على "الذقون" ومحاسبة الصغار وغض الطرف عن الكبار، و إعمال قاعدة: "عفا الله عما سلف" (!)؛ فلا ننتظر منه إلا انسحابا وتهاونا. فهل سينجح هذا الدخول المدرسي، ومعه هذا الموسم الدراسي، أن يكون استثنائيا؟. هذا ما ستكشف عنه فعاليات الدخول، كما صيرورة تنزيل الإصلاح الجديد… دمتم على وطن.. !!