ماستر المهن القانونية والقضائية بطنجة ينظم دورة تكوينية لتعزيز منهجية البحث العلمي    "سبيس إكس" تطلق 21 قمرا صناعيا إلى الفضاء    "حماس": منفذ الطعن "مغربي بطل"    الكاف : المغرب أثبت دائما قدرته على تنظيم بطولات من مستوى عالمي    دوري أبطال أوروبا.. برشلونة يقلب الطاولة على بنفيكا في مباراة مثيرة (5-4)    الحاجب : تدابير استباقية للتخفيف من آثار موجة البرد (فيديو)    ارتفاع عدد ليالي المبيت السياحي بالصويرة    "البام" يدافع عن حصيلة المنصوري ويدعو إلى تفعيل ميثاق الأغلبية    كأس أمم إفريقيا 2025 .. "الكاف" يؤكد قدرة المغرب على تنظيم بطولات من مستوى عالمي    ربط كهربائي ومعبر جديد.. المغرب وموريتانيا يرسّخان جسور الوحدة والنماء    افتتاح قاعة رياضية خاصة بأسرة الأمن الوطني    المغرب يواجه وضعية "غير عادية" لانتشار داء الحصبة "بوحمرون"    تركيا.. ارتفاع حصيلة ضحايا حريق منتجع للتزلج إلى 76 قتيلا وعشرات الجرحى    التحضير لعملية "الحريك" يُطيح ب3 أشخاص في يد أمن الحسيمة    لمواجهة آثار موجات البرد.. عامل الحسيمة يترأس اجتماعًا للجنة اليقظة    استياء بين طلبة معهد الإحصاء من تعطل معدات الوقاية من الحرائق واحتجاج على صمت الإدارة    الحكومة: سعر السردين لا ينبغي أن يتجاوز 17 درهما ويجب التصدي لفوضى المضاربات    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الانخفاض    تركيا.. يوم حداد وطني إثر حريق منتجع التزلج الذي أودى بحياة 66 شخصا    وزارة التربية الوطنية تعلن صرف الشطر الثاني من الزيادة في أجور الأساتذة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    مطالب في مجلس المستشارين بتأجيل مناقشة مشروع قانون الإضراب    اتخاذ إجراءات صارمة لكشف ملابسات جنحة قطع غير قانوني ل 36 شجرة صنوبر حلبي بإقليم الجديدة    رئيس مجلس النواب يشارك في اجتماع مكتب الجمعية البرلمانية للفرنكوفونية بفيتنام    توقيع اتفاق لإنجاز ميناء أكادير الجاف    مجلس المنافسة يكشف ربح الشركات في المغرب عن كل لتر تبيعه من الوقود    الدفاع الجديدي ينفصل عن المدرب    اليوبي يؤكد انتقال داء "بوحمرون" إلى وباء    فضيل يصدر أغنيته الجديدة "فاتي" رفقة سكينة كلامور    افتتاح ملحقة للمعهد الوطني للفنون الجميلة بمدينة أكادير    هل بسبب تصريحاته حول الجيش الملكي؟.. تأجيل حفل فرقة "هوبا هوبا سبيريت" لأجل غير مسمى    أنشيلوتي ينفي خبر مغادرته ريال مدريد في نهاية الموسم    المجلس الحكومي يتدارس مشروع قانون يتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة    ندوة بالدارالبيضاء حول الإرث العلمي والفكر الإصلاحي للعلامة المؤرخ محمد ابن الموقت المراكشي    المبادلات التجارية بين المغرب والبرازيل تبلغ 2,77 مليار دولار في 2024    الغازوال والبنزين.. انخفاض رقم المعاملات إلى 20,16 مليار درهم في الربع الثالث من 2024    مطالب برلمانية بتقييم حصيلة برنامج التخفيف من آثار الجفاف الذي كلف 20 مليار درهم    تشيكيا تستقبل رماد الكاتب الشهير الراحل "ميلان كونديرا"    انفجار في ميناء برشلونة يسفر عن وفاة وإصابة خطيرة    المؤتمر الوطني للنقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية: "خصوصية المهن الفنية أساس لهيكلة قطاعية عادلة"    العمراني : المغرب يؤكد عزمه تعزيز التعاون الإستراتيجي مع الولايات المتحدة الأمريكية بعد تنصيب ترامب    في حلقة جديدة من برنامج "مدارات" بالاذاعة الوطنية : نظرات في الإبداع الشعري للأديب الراحل الدكتور عباس الجراري    ترامب يوقع أمرا ينص على انسحاب الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية    إيلون ماسك يثير جدلا واسعا بتأدية "تحية هتلر" في حفل تنصيب ترامب    ترامب: "لست واثقا" من إمكانية صمود اتفاق وقف إطلاق النار في غزة    المغرب يدعو إلى احترام اتفاق وقف إطلاق النار في غزة    الإفراط في اللحوم الحمراء يزيد احتمال الإصابة بالخرف    وفاة الرايس الحسن بلمودن مايسترو "الرباب" الأمازيغي    دوري أبطال أوروبا.. مواجهات نارية تقترب من الحسم    ياسين بونو يتوج بجائزة أفضل تصد في الدوري السعودي    علماء يكشفون الصلة بين أمراض اللثة وأعراض الزهايمر    القارة العجوز ديموغرافيا ، هل تنتقل إلى العجز الحضاري مع رئاسة ترامب لأمريكا … ؟    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    دراسة: التمارين الهوائية قد تقلل من خطر الإصابة بالزهايمر    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    ملفات ساخنة لعام 2025    أخذنا على حين ′′غزة′′!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الموت سرنا الأبدي ملاحظات عامة
نشر في اشتوكة بريس يوم 05 - 01 - 2011


توطئة:
الموت سرنا الأبدي. في كل ثانية يموت الآلاف من الناس والحيوان والنباتات. لا يمكن لأي كان أن يوقف المنجل الحاد للموت. قد يفاجئك الموت وأنت في قطار ، في طائرة، في سيارة ،على شاطئ، في صحراء ، وحدك أو مع مجموعة. لن ينفعك غناك، جمالك، قوتك وحسبك في الإفلات منه. ولأنه قدر كل البشرية الحتمي فقد عمل الإنسان منذ الأزل على التعامل معه. المقابر والصلوات جزء من هذا التعامل. تخبرنا النصوص الدينية أن أول القتلى كان هابيل و أن أول القتلة كان قابيل.
عملية القتل الأولى كانت أسرية محضة: أخ قتل أخاه. تحكي لنا الكتب السماوية أن القتل كان بدافع الغيرة. لقد تقبل الله قربان هابيل ورفض قربان قابيل.. إن قبول الله لقربان الواحد ورفضه لقربان الآخر كان البداية الأولى نحو التمييز. لم يكن للبشرية ،حسب المنطق الديني، أن تستمر لولا هذه الحادثة. إن النزوع نحو الشر والنزوع نحو الخير مسألة نفسية ولا يمكن لأي كان أن يوقفها.
كانت حواء حسبما تقول الحكايات الدينية تلد في كل بطن ولدا وبنتا وكان آدم يزوج الولد من البطن الأولى من البنت التي ولدت من البطن الثانية وهكذا دواليك. وبحكم أن أخت قابيل كانت أجمل من أخت هابيل فقد شبت نار الغيرة في أحشاء قابيل. هكذا رفض الأخير قسمة أبيه. لقد رأى في نفسه الأحق بزواج أخته. وصل الأمر لأبيهما آدم وأمرهما أن يقدما قربانا لله. كان قابيل عامل أرض وكان هابيل راعي غنم. قابيل قدم ذبيحة سمينة لله فتقبلها منه. أما قابيل فقد قدم زرعا ضعيفا لله فلم يتقبله منه. لم يعجب الأمر قابيل فانتهز أول فرصة كان فيها أخوه نائما فقتله..
هل كان ينبغي على قابيل قتل أخيه؟ الطبيعة الشرسة كانت تستدعي وجود إخوان كثرلا التفريط في أخ وحيد. العقل السني حاول أن يخفف من ثقل الجريمة . كيف يمكن تفسير اقتتال أبناء نبي؟ سيتكرر الفعل عبر التاريخ. اقتتلت عائشة وعلي وطلحة والزبير ومعاوية.. كل هؤلاء كانوا اصحاب نبي ،مبشرين بالجنة.لم يكن قابيل حسب التفسير السني للحدث كافرا بل مسلما ارتكب معصية. لقد عصا قانون أبيه. هذا العصيان يذكرنا بعصيان إبليس لأمر الله بالسجود لآدم. والمثير أن كلا فعلي العصيان كانا السبب في توسع القاموس المعرفي للبشرية. بعصيان ابليس لله عرفت البشرية مسألة النزول والرغبات الجنسية , وبعصيان قابيل لأمر لقانون ابيه تعرفت البشرية على الموت . وقد أدى الموت بالإنسان الى التفكير فيما بعد الموت : أي العودة الى المكان الأول الذي نزل منه آدم. لو لم يقتل قابيل أخاه ما كانت البشرية ستعرف الموت ،ولو ظل الموت مجهولا ما فكر الإنسان فيما بعد الموت..
القتل يستدعي فعلا آخر:الموت. والموت بدوره يستدعي فعلَ التحلل. ستتحلل الجثة وتطلق رائحتها العطنة. سيصاب الأحياء بالغثيان حين سيرون جثثهم وقد صارت فريسة للديدان. قابيل بسط يده الى أخيه لا ليعانقه بل ليقتله. بماذا قتله؟ بالخنق؟ بالحجر؟ . اندهش قابيل لمسألة موت أخيه. وطبيعي أن يندهش ما دام أنه لم يسبق له أن خبر ذلك. كان الموت في علم الغيب. توفي هابيل ولم يدر اخاه ماذا سيفعل به. هكذا حمل الأخ جثة أخيه وساربها هائما في الأرض. هل كان ينتظر أن يستيقظ الميت من من نومه الأبدي؟
وفجأة ظهر غرابان في السماء. كانا يقتتلان. فعل الاقتتال نتج عنه قتل. سقط الغراب المقتول على الأرض ..حط القاتل قرب المقتول ونشر جناحيه وبدأ ينبش في الأرض إلى إن دفنه.
بكى قابيل حتى أفزع حيوانات البرية. ثم فعل كما فعل الغراب. وقال قولته الشهيرة: يَا وَيْلَتي أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِين؟َ (سورة المائدة ).هكذا يبدو أن قابيل تعلم عملية الدفن. من المهم ملاحظة ما يلي: إن موحي ومعلم الدفن غراب وليس طائرا آخر. الغراب أسود. ولا يمكن للمرء أن يجزم بأن لون السواد قد صار علامة على الشر انطلاقا من تلك اللحظة. الأسود، وهو لون المعلم الأول للإنسان كيفية الدفن، مغبون ومظلوم. لنتصور أن الغراب لم يظهر كيف كان سيكون مصير العالم؟
معرفتان مهمتان إذن لم يهتد إليهما الإنسان بنفسه بل بواسطة كائن آخر غير عاقل: حيوان. معرفة الرغبة ومعرفة الخداع. الكائن الأول، الذي هو الحية صاحبة اللسان المشقوق، علم الإنسان الرغبة عن طريق عصيان أمر الرب . و الكائن الثاني، الذي هو الغراب، علم الإنسان كيفية التخلص من فعل شنيع اقترفته يداه . أما الله فقد علم بني الإنسان الأسماء كلها. كان آدم في الجنة ولولا الحية التي دفعت بحواء للأكل من شجرة المعرفة ما كانا سيكتشفان رغبتيهما. الفعل الأول كان يهم الحياة والثاني كان يهم الموت. بانكشاف عورات آدم وحواء انكشفت الرغبة في الجنس . و الجنس كان السبب الأساسي في ظهور الذرية. وبموت هابيل تكشفت لنا الطبيعة الشريرة لقابيل.
الفعل الثاني كان يهم الدفن. السيد الغراب هو المعلم الثالث للإنسان بعد الله والحية. يستحق الغراب أن يكون رمزا للنور والمعرفة لا الظالم والجهل. وإذا فتح المرء الباب قليلا للتأويل أمكن له القول بأن الشر هو أبو المعرفة. وعليه يصبح لزاما علينا احترامه وتبجيله.
لا نعرف وفق أية طقوس تم الدفن. مثلا هل تم الدفن بتلاوة كلام ما؟ بأي لغة كان؟ هل طلب الأب بعد أن علم بالخبر إعادة دفن هابيل وفق طريقة وطقوس ما؟ لقد فقد الأب ولدان: واحد مات والآخر سرقه شيطان التملك والأنانية .
هل توقف علم الغراب على تخوم الدفن؟ من أطلق اسم القبر على تلك الحفرة التي وضعت فيها جثة هابيل؟ إلى أي وجهة تم توجيه رأس هابيل؟ إلى الشرق ؟ الى الغرب ؟ الى الجنوب أم إلى الشمال؟ من المهم هنا ملاحظة أن العامة في بعض القرى الشمالية بالمغرب تعتقد أن الغراب مسخ. لقد كان طائرا جميلا أعطاه الله المال ليقدمه للمسلمين لكنه نسي وأعطاه للنصارى فمسخه الله. لونه الأسود علامة مسخه. طريقة مشيه الغريبة كانت بسبب محاولته تقليد مشي الحمام . لم يتعلم مشي الحمام لكنه حين أراد العودة الى مشيه الأول نسي. هو في حكم الخنثى لذلك يُلعن. وكونه ملعونا يجعله في منأى عن الصيد. إن اللعن هنا مصدر للحرية.. لا أحد يصطاده ليعلمه الكلام او يزين به القصور والفيلات. في صوته رنة العقوق. والعاق بشكل أو بآخر متمرد.
منذ هابيل لم يتوقف الموت عن القيام بشغله تماما كأي تلميذ مجتهد. فعن طريق القتل بالخنق، بالنابالم، بالنيران الصديقة، بالغيرة والحسد، بالغرق، بفعل طول العمر، بالجراثيم المصنوعة في معامل خاصة ، بالخطأ ظل الموت حيا يرزق الأرواح. ومن المؤكد، في انتظار التطور الذي يمكن أن يحصل في القرون المقبلة، أنه سيستمر في القيام بهذا الشغل دون رادع.
علينا قراءة رواية ساراماجو الأخيرة -......- لنعرف كيف ينبغي للعلماء ترك الموت يقوم بعمله. إن الحياة من دونه لا تساوي فلسا.
القبر بيت الأموات:
المعروف أنه فيما يخص التعامل مع الموتى نجد أنه لكل شعب طريقته: هناك الحرق ومن بعد دفن الرفات أو رميها في النهر المقدس. . هناك دفن الجثث كما هي. هناك غسل الميت ودفنه. لكل شعب طقوسا خاصة بالموت. وقد يكون عزرائيل، هذا الكائن اللامرئي الذي ترتعد له فرائس أعتى الديكتاتوريين ،هو الوحيد الذي لم يطرأ تغيير كبير على قاموس عالمه: نتحدث عن مراسيم الزواج ومراسيم الجنازة. تزف العروس إلى عريسها ويزف الميت إلى ربه. لا يمكن الحديث عن الموت دون استعمال هذه المفردات: جنازة، صلاة، مقبرة، تعازي، ترحم، قبر،كفن، فقيه- رجل دين...القاموس يمكن تقسيمه إلى قسمين: شفهي ومادي. الشفهي يضم الصلاة، الترحم، العزاء فيما يضم المادي القبر والمقبرة والكفن.
يقال عن الدار: قبر الدنيا. هناك إذن قبران: قبر الآخرة وقبر الأولى. القبر الثاني ملاذنا الحتمي. لا نحتاج فيه إلى فراش أو أي شيء آخر من متاع الدنيا. فقط كفن غير مخيط ،صلاة ودعاء . تشبَه الدار الأولى بالقبر ولا يتم تشبيهها بشيء آخر. لا توجد دور في الآخرة.هناك فقط منزلان.واحد للمؤمنين والآخر للكفرة. لا نعرف إن كانت هناك غرف وبارات و مراحيض. الأولى يعمها النور و الجزاء فيما الثانية يعمها الظلام والعذاب.. وبمعنى آخر ليس هناك منزلة وسط، ليس هناك اعتدال أو مرونة.
القبر هو المحطة الأولى نحو عالم الآخرة. و من المؤكد أنه في اختلاف القبور علامات على اختلاف مراتب ودرجات ومنازل الناس. للمعدمين قبورهم وللأغنياء قبورهم. ليس الميت من سيحس بالفرق بل الأحياء. الحرص على التمايز يحيلنا إلى الصراع الأول الذي تم بين قابيل وهابيل. لا بد أن قابيل أحس بتميز أخيه عنه لذلك قتله. ما هي الميزة الفوق انسانية التي كان يتوفر عليها هابيل والتي كانت سببا في قتله؟ لا تخبرنا النصوص الدينية عن ذلك. نعرف فقط انطلاق مما تخبرنا به الأساطير التاريخية أن الله قد تقبل قربان هابيل ورفض قربان قابيل. القربان مرتبط بالعطاء والبذل. هابيل اعطى اجود واحسن ما لديه وتم قبول عطيته، اما قابيل فقد تقتر في العطاء. لا يمكن للمرء ان ينتظر جزاء جيدا اذا لم يثابر . والمهم هنا ان نجاح المرء قد يكون سببا في موته.
في القبر سيأتي منكر ونكير للمطالبة بتقديم الحساب. كل الأموات سيطالبون بذلك. هذا ما تبشر به جميع الديانات السماوية. وباعتبار أن الفقراء لم يكن لهم ما يشجعهم على اقتراف المحرمات فلن تكون فاتورتهم مرتفعة. قليل من حسد، حبات كرموس هندي بائت ومسروق، زلافة صيكوك مبلل بلبن خاثر بفعل البعبولة، النظر بعين شبقية إلى بنت الجار...الخ أما الأغنياء فمن المفترض أن تكون فاتورتهم مرتفعة اعتبارا للمسارات التي يمكن أن يؤدي إليها غناهم: إرشاء قاضي، سرقة أراضي، تزوير عقول، إرضاء مفرط للمنطقة الوسطى للجسم... الخ.
(مقابر تروال) شمال المغرب
هناك أربع مقابر بتروال. مقبرة سيدي ناصر، مقبرة العزيب، مقبرة الشراطين ومقبرة سيدي عبد الله. الأخيرة متجاورة مع الأولى. ليس بينهما حدود جغرافية. المقابر الأربع انعكاس لأربع أحياء سكنية أساسية. كل حي ملزم بحكم ثقل الماضي بدفن موتاه في مقبرته. المقبرة الأساسية هي مقبرة سيدي عبد الله. تنقسم المقبرة إلى جهات. كل جهة خاصة بعائلة. وكل عائلة ملزمة بدفن موتاها في الجهة المخصصة لها. هناك جهة خاصة بالغرباء. ليس الغرباء سوى أولائك الوافدين على القرية إما كموظفين أو كأقرباء موظفين . لا نعرف إن كانت رغبة هؤلاء أن يدفنوا في المنطقة هي الدافع وراء الدفن أم أن للأمر تفسيرا آخر. لا يتم دفن الموتى الغرباء في أي جهة خاصة بالعائلات. للغرباء جهتهم. إنهم يدفنون على جنبات الممر الرئيس الذي يخترق المقبرة. للوهلة الأولى يبدو الممر هو النقطة المحورية للمقبرة. لا يمكن لأي زائر عابر أن لا يلحظ قبور هؤلاء الذين احتضنتهم القرية أحياء وأمواتا. الطريق علامة مميزة في غياب العلامات الأخرى . لنتذكر أن القبر عند المسلمين لا ينبغي أن يعلم بشكل جيد. قبر النبي محمد قبر عادي . ليس قبرا مبنيا بالرخام . إذن الطريق علامة مساعدة لأهل الغريب الأحياء الوصول إليه بسهولة. حينما ننظر للأمر من هذه الزاوية يتبين لنا مدى التقدير الذي عومل به الغرباء. لكن إن نظرنا إلى المسألة من زاوية أخرى سيظهر لنا المنطق الإقصائي الثاوي في لاشعور من اقترح لأول مرة فكرة دفن الغرباء على هامش الممر الذي يخترق المقبرة.
بحكم أن الممر معبر الداخلين والخارجين من وإلى المقبرة فإن القبور الموجودة على جوانبه معرضة للتلف أكثر من تلك الموجودة بالجهات البعيدة. وإذا أخذنا بعين الاعتبار كون القبر لا يدخل في الاهتمامات الأولى للمغاربة فسيظهر لنا حجم التلف الذي قد يتعرض له قبر الغريب. هكذا سينسى ليترك مكانه لغريب آخر. لأشر هنا فقط أن السلفي حارب بشكل كبير زيارة المقابر أو ما يمكن تسميته بثقافة المقابر. من هنا تلك الحالة السيئة التي توجد عليها مقابرنا.
المقبرة بما هي مكان مفروض أن تنتفي فيه التمايزات تبقى هي المكان الجيد الذي تبرز فيه هذه التمايزات العائلية.إن حرص العائلة على دفن موتاها في المكان المخصص لها يعادله ذلك الحرص الذي تبديه العائلة لكي يبقى الأحياء بالقرب من بعضهم البعض.
الشائع لدى الأسرة المغربية أنه يمكن أن يستمر المرء في السكن مع العائلة حتى وهو متزوج. هكذا يمكن أن يتجاور أب وزوجته إضافة إلى ابنهما وزوجته في نفس المنزل. وللإشارة فقد حدت تعقيدات الحياة من هذا الأمر. في حالات أخرى يمكن له أن يبني غرفتين في السطح، أن يفتح بابا لغرفته على جهة أخرى أو أن يبني سكنا بالقرب من مساكن العائلة. هكذا يكون المرء مستقلا وغير مستقل. مستقلا في المصروف ومرتبطا في العلاقات والوشائج والقرارات.
ما ينطبق على مقبرة سيدي عبدا لله لا ينطبق على باقي المقابر الأخرى الموجودة بمركز تروال. يتم الدفن في المكان الفارغ في المقبرة دون مراعاة الانتماء العائلي. وفي حالة ما إذا كان الميت قد عبر قبل موته عن رغبة في أن يدفن بمكان ما فإنه يتم الاستجابة لطلبه.
ملاحظة أخرى تتعلق بالمهمشين ،الحمقى الذين لا ينتمون إلى المنطقة ولكنهم سكنوا بها لمدة طويلة. كل مهمش أو أحمق يتم التعامل معه بناء على مكان استقراره داخل القرية.بحيث أنه إذا مات أحمق كان يتردد كثيرا على حومة ما فإنه يتم دفنه في مقبرة هذه الحومة. لكن الدفن يتم في أبعد نقطة من المقبرة و غالبا ما تكون هذه النقطة معزولة. إن منطق الإقصاء اتجاه المهمشين والغرباء مستمر حتى في المقبرة.
عادات الدفن:
المسلم به أن الدفن بالنسبة للمسلمين يتم وفق الطريقة الإسلامية. يتم غسل الميت بالماء الطاهر الدافىء والصابون. فقيه الشرط هو من يقوم بهذا الفعل بالنسبة للرجال فيما تقوم امرأة، غالبا ما تكون محط تقدير لدى الساكنة ،بغسل النساء. يوضع الميت في كفن ثم في المحمل. لا يتم الدفن في المساء بل في الضحى: أي قبل صلاة الظهر. يحمل الميت إلى المقبرة حيث يوارى الثرى. القبر يتم حفره من طرف متطوعين شباب. عيب أن تحاول تأدية أجرة الذين قاموا بالحفر. الحفر يتم لوجه الله. يوضع الميت في القبر على إيقاع آيات سورة يس. يغطى باللحد . اللحدات عبارة عن حجر مختار لهذه الغاية. يسمى الحجر بالصفاح. وهو عبارة عن حجر غير سميك بشكل كبير ، منبسط وواسع. هو حجر مأخوذ من الطبيعة بالشكل الذي هو عليه. لا تتدخل في تعديله يد الإنسان. – في السنوات الأخيرة حيث قل بشكل كبير هذا النوع من الحجر تم تعويضه بقطع مصنوعة من الإسمنت – يتم وضع الميت على جانبه الأيمن ورأسه إلى القبلة وفق التقاليد الإسلامية. بعد ذلك يتم تغطية الفجوات الفاصلة بين أللحدات وفي الجوانب بالغيس. ثم يغطى القبر كله بالتراب .يوضع الشاهد في المكان الذي يوجد به الرأس علما أن شاهد المرأة أقصر من شاهد الرجل. لا يوجد فرق بين المتزوج –ة-و غير المتزوج .لا يوضع شاهد للصبايا والأطفال. سيمرون مباشرة إلى الجنة وبالتالي فالقلم مرفوع عنهم.
المرحلة الأخيرة تخص تغطية القبر. يوضع شطاب الضرو فوق القبر ثم يرش قليل من الماء.سنتساءل لماذا شطاب الضرو وليس شطاب شجر آخر؟. الملاحظة الأولى تهم مكان المقابر. كلها موجودة بأمكنة معروفة بوجود هذه الأشجار التي تمتاز بكثافتها وجودة فحمها وقدرتها على التجدد بعد القطع بسرعة. تستعمل ثمراته وأوراقه كمسكنات لأوجاع البطن . يستعمل الرماد المستخرج من أشجار الضرو في إعداد النفحة. يتم ايضا خلط هذا الرماد بالزيت البلدي والماءفي عملية تزبيب العنب. يسمى هذا الخليط بالليان . يستعما لقاح أغصان شجرة الضرو في تسكين اوجاع المعدة. هذه الفوائد تجعل من هذه الشجرة مقدسة.وعليه فهي تستحق أن تكون المرافق الطيب للموتى في رحلتهم إلى العالم الآخر.
الأماكن التي توجد بها المقابر غير صالحة للزراعة. كثرة أشجارها المتنوعة وتحيٌطها تمنعانها من أن تكون كذلك. بكل مقبرة سيد أو ولي. يطلق اسم السيد على المقبرة(بجماعة بلفاع وايت ميلك التابعتان لإقليم اشتوكة ايت باها تسمى المقابر بغير أسماء الأولياء. نجد مثل هذه الأسماء :مقبرة الرحمة, مقبرة حيمود...)
وكون المقابر تحمل أسماء الأولياء يدفعنا إلى طرح بعض الأسئلة من قبيل: هل كان للمقابر أسماء أخرى غير الأسماء التي تحملها ألان؟ هل هي محدثة أم قديمة؟ قبل مجيء الإسلام إلى المغرب أم بعده؟ هل المقابر كانت موجودة قبل ميلاد السيد أم بعد موته؟ إن كان كذلك ما ذا كانت أسماءها؟ وهل تحمل عادات الدفن الحالية في طياتها بعضا من الطقوس القديمة؟
يحتاج الأمر الى مقال آخر .
خلاصات خاصة بمقابر تروال:
• يتم تنظيم المجال المقابري بالاعتماد شبه التام على التنظيم الخاص بمجال العمران القروي.
• ليست المقابر مجالا للعدل والمساواة.
• لم يعمل الدين على محو فكرة التمايز والإقصاء لد ى معتنقيه.
• وجود رغبة ضمنية وقوية لدى الأحياء في أن يستمر التمييز حتى في الآخرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.