الدّمية ..هذا الكائن الجميل الذي يُحاكي الإنسان ، والذي استهوى براءة الأطفال وسَرح بخيالهم عبر التاريخ ...هذا الكائن البديع أفسده الإنسان المُتسخ لما جعله صنما يُعبد ، واليوم في مرحلة حضارة الأشياء أبى هذا المُتسخ إلا أن يُحوله نحوشهواته البهائمية . الدمية ألهمت الشعراء زمنا كما ألهمت الأطفال ،قال المتنبي مُرتجلا يصف دمية كان قد أحضرها حاسدُه ابن كروس وتحدّاه أن يرتجل فيها شعرا بمجلس بدر بن عامر ، وكانت الدمية عبارة عن لعبة بشَعر طويل تدور على لولب رافعة إحدى رجليها...قال: وجاريةٍ شَعْرُها شَطْرُها مُحَكَّمَةٍ نافذٍ أَمْرُها تدورُ وَفي كَفِّها طاقةٌ تَضَمَّنَها مُكرَهاً شِبْرُها فإن أسْكَرَتْنا ففي جَهْلِها بما فَعَلَتْهُ بِنا عُذْرُها ثم أُديرت الدّمية فوقفت أمام أبي الطيّب فقال: جاريةٌ ما لجسمِها روحُ بالقلبِ مِنْ حُبِّها تَباريحُ في كفِّها طاقةٌ تُشيرُ بها لكلِّ طِيبٍ منْ طِيبها رِيحُ ثم أَدارَها، فوقفَتْ أمام بدرٍ فقال المتنبي: يا ذا المَعالي وَمعْدِنَ الأدب سيِّدَنا وابنَ سيِّدِ العَرَبِ (. . . . . .) أَهذِهِ قابلَتْكَ راقصةً أَم رَفَعَتْ رِجلَها من التَّعَبِ؟ وأضاف يمدحه، وَيَصفُ الدمية بقوله: إنَّ الأميرَ أَدامَ الله دولَتَهُ لَفَاخِرٌ كُسِيَتْ فَخْراً به مُضَرُ في الشَّرْبِ جاريةٌ مِنْ تَحْتِها خَشَبٌ ما كانَ والدَها جِنٌّ ولا بَشَرُ قامَتْ على فَرْدِ رجلٍٍ مِنْ مَهَابَتِهِ وَليسَ تعقِلُ ما تأتي وما تَذَرُ وأُديرتْ ثانيةً فََسَقَطَتْ، فقال: مَا نَقَلَتْ عِند مَشْيةٍ قَدَمَا ولا اشْتَكَتْ مِنْ دُوارِها أَلَمَا لَمْ أَرَ شخصاً مِنْ قَبْلِ رُؤيتِها يَفْعل أفعالَها وَمَا عَزَمَا فَلا تَلُمْها على تَوَاقُعِها أَطْرَبَها أنْ رَأتْكَ مُبْتسِما ويُقال إنَّ المتنبي وَصفها بشِعْرٍ كثير، وهجَاها أيضاً بمثلهِ (لم تحفظ تلك الأبيات). فما كان من ابن كروس إلاَّ أنْ خَجِلَ على عمله ذاك. وأمر بَدْر بِرَفْعِها، فَرُفِعَتْ. فارتجل المتنبي. وَذاتِ غدائِرٍلا عَيْبَ فيها سوى أَنْ ليسَ تَصْلُحُ للعِناقِ إذا هَجَرَتْ فعَنْ غير اختيارٍ وإنْ زارَت فَعَنْ غيرِ اشْتِياقِ أَمَرْتَ بأنْ تُشالَ فَفارَقتْنا وَما ألِمَتْ لحادثةِ الفِراقِ وداخل أبا الطيب الشكُّ في موقف ابن كروسٍ فسأل بَدْراً: “ما حَملك أيها الأمير على ما فَعْلْتَ؟” فأجابه بدر: “أردْتُ نَفْيَ الظَنَّةِ عن أدَبِكَ” فقال: زَعَمْتَ أنَكَ تنفي الظنّ عن أدبي وأنتَ أعظمُ أهلِ الأرضِ مِقدارا إنّي أنا الذّهبُ المعروفُ مَخْبَرُهُ يزيد في السّبكَ للدينَارِ دينارا فعاجَلَهُ بَدْرُ بقوله: “بل للدينارِ قِنْطارا”. فَرَدّ المتنبي بأبيات يمدح فيها كَرَمه ومنها: بِرَجاءِ جودِكَ يُطْرَدُ الفَقْرُ وَبأنْ تُعَادَى يَنْفَدُ العُمْرُ