المندوب السامي للتخطيط السياق الدولي ستظل سنتي 2016 و2017 متسمتين بعدم قدرة القوى الاقتصادية الكبرى على إخراج الاقتصاد العالمي من تبعات الأزمة المالية الكبيرة لسنة 2008. فبعد إنقاذ النظام البنكي من الزلزال الذي أحدثته هذه الأخيرة والتي كادت أن تعصف به وعقب سياسة نشيطة ومتناسقة على الصعيد الدولي من أجل تجفيف مصادر المضاربة المالية التي كانت إحدى عواملها، فشلت الحكومات في اعتماد علاجات عمومية قادرة على امتصاص الصدمات التي مازلت تعاني منها البنيات والسلوكيات الاقتصادية. إن التحفيزات النقدية غير المسبوقة التي تم وضعها للتشجيع على الاستثمار والاستهلاك وتعبيد الطريق أمام نمو عالمي قوي ومستدام، فقد ظلت شبه عاجزة على تجاوز وقع السياسات المالية الصارمة. كذا ستظل الشكوك هي السمة الرئيسية التي تتميز بها أيضا التوقعات الاقتصادية برسم سنتي 2016 و2017. ففي الولاياتالمتحدةالأمريكية، يظل انتعاش النمو رهينا بما ستسفر عنه نتائج الانتخابات الرئاسية، في حين أن البداية التي عرفها النمو في أوروبا تظل رهينة بما ستؤول إليه الاستحقاقات الانتخابية شبه المتزامنة بالعديد من الدول الأعضاء. كما أن أزمة الهجرة وصعود الممارسات الشعبوية واستمرار التهديدات الأمنية، كلها عوامل تزيد من حدة عدم الثقة والانتظارية من قبل الفاعلين الاقتصاديين وخاصة داخل مجال شريكنا الخارجي الأول وتلقي بظلالها على آفاق إمكانية انتعاش مستدام للنمو. وإضافة إلى ذلك، فإن خروج المملكة المتحدة من الإتحاد الأوروبي سيرفع من حدة التوتر ومخاطر انتقال العدوى إلى أعضاء آخرين في منطقة اليورو، مما يثير الشكوك حول إمكانية النمو داخل القارة برمتها. وفي نهاية المطاف، قد تزيد هذه الحالة من تعميق التناقضات بين بلدانها الشمالية والجنوبية، وذلك على حساب المجال الأورومتوسطي ولفائدة مسلسل، اتضح منذ زمن بعيد، للتوجه الاستراتيجي للوزن الاقتصادي والتجاري والسياسي من المحيط الأطلسي نحو المحيط الهادي. وفي هذا السياق، تأتي البلدان الأسيوية التي انخرطت بشكل عام في مسار إعادة تقويم نموذجها الاقتصادي بشكل متحكم فيه والتي تمكنت من اقتناص الثروة الرقمية، على رأس الدول التي تتيح فرصا أكثر للاستثمار وللمساهمة في التجارة الدولية، مما يؤهلها لتصبح من أهم المستفيدين من هذا التحول. أما بخصوص الدول الصاعدة، نظرا لما تواجهه من تقلبات في سوق المواد الأولية وضعف الانتعاش الاقتصادي بالدول المتقدمة وتراجع المبادلات جنوب-جنوب، بالإضافة إلى انعكاسات السياسة النقدية الأمريكية في سياق يتسم باحتقان اجتماعي وسياسي، فإنها لن تعرف إلا نموا متواضعا. وفيما يتعلق بالدول الإفريقية، فبالرغم مما تتوفر عليه من إمكانيات فلاحية وصناعية حقيقية، مازالت تعيقها إكراهات مرتبطة بالعجز التي تعاني منه في مجال البنيات التحتية، الاقتصادية منها والاجتماعية وفي ميدان التنمية البشرية، مما يحد من المستوى الفعلي للنمو في هذه البلدان. السياق الوطني في ظل هذا المحيط الدولي، ليست بلادنا في منأى عن الاستحقاقات السياسية، حيث ستنتهي سنة 2016 بتنظيم الانتخابات التشريعية وتبدأ سنة 2017 بولاية تشريعية جديدة. هدفنا هنا ليس هو تقييم المرحلة التشريعية السابقة ولا آفاق الفترة التشريعية المقبلة، وللإشارة أنه في مناطق أخرى من العالم، مثل هولندا، يتكلف المعهد المماثل لمؤسستنا، رسميا، بتقييم البرامج الاقتصادية للأحزاب السياسية خلال كل الانتخابات التشريعية. وسنقوم، فقط، كما جرت العادة، بتقديم تقديراتنا لتطور الاقتصاد الوطني سنة 2016 وتوقعاتنا لسنة 2017. وسيعرض تقرير شامل مختلف تفاصيل هذه التقديرات والفوارق الحاصلة مقارنة بتوقعات الميزانية الاقتصادية التوقعية الصادرة خلال شهر يناير سنة 2016، وذلك بناء على المعطيات التي توفرها المحاسبة الوطنية وبحوثنا المتعلقة بالظرفية لدى المقاولات والأسر. منقول المندوبية السامية للتخطيط.