العمل الجمعوي يدخل العمل الجمعوي ضمن المؤسسات الاجتماعية والثقافية، ويشكل دعامة للمجتمع بخلق الأجواء الملائمة لتأطير الشباب لبناء مجتمع مسؤول يساهم في التنمية والتغيير والعمل على إدماج الشباب في عملية النمو الاجتماعي وفتح المجال للإبداع وإبراز قدرات الشباب على الخلق والابتكار لجعله أداة قوية للمشاركة ويتحمل المسؤولية مدركا لدوره في المجتمع بلورة إرادته للمشاركة في التطور والرقي وجعله مواطن محب لوطنه متشبع بقيم المواطنة. ولكون الانسان اجتماعي بطبعه فلابد من توفير حاجياته وذلك ما عبر عنه العلامة ابن خلدون في قولته (إن الاجتماع الإنساني ضروري) والتطور التاريخي للإنسانية، جعل الأسرة غير قادرة على القيام بجميع وظائفها التي كانت توفرها العائلة الشيء الذي أدى إلى ظهور عدة مؤسسات اجتماعية لتكمل عمل الأسرة. هذه المؤسسات التي تدخل الجمعيات لتشكل أحد الشروط الأساسية لبروز وتدعيم مجتمع مدني مسؤول، يشارك في نمو الوطن. مفهوم الجمعية من الناحية القانونية: الجمعية:''تعاقد بين شخصين في إطار تجمع أدبي أ وسياسي أو اقتصادي طائفة تتألف من أعضاء لعرض وفكرة مشتركة''. ويعرفها المشروع المغربي من الناحية القانونية في ظهير الحريات العامة الصادرة بتاريخ 15 نونبر 1958 حسب ما وقع تغييره وإتمامه في فصله الأول الجمعية بما يلي: ''الجمعية اتفاق لتحقيق تعاون مستمر بين شخصين أو عدة أشخاص لاستخدام معلوماتهم أو نشاطهم لغاية غير توزيع الأرباح فيما بينهم''. وهو تعريف مستند من القانون الفرنسي الصادر في فاتح يوليوز 1901 والخاص بالجمعيات، إلا أن القانون المغربي لم يشر صراحة إلى توعية الشخصين أو مجموعة الأشخاص المكونين للجمعية في هذا الفصل الأول هل هم طبيعيون أم اعتباريون، ولكنه في الفصل 14 من نفس القانون أنه يمكن الجمعيات المصرح بها أن تؤسس اتحادات وجامعات فيما بينها، وهذا يعني أن الأشخاص الذين يكونون الجمعية إما أشخاص ذاتيون أو اعتباريون. غير أننا حينما نتكلم عن الجمعية فإننا نكون بصدد الحديث عن مستوى من المستويات العمل الجمعوي وهو الجمعية كتنظيم وليس كمؤسسة. والجمعية يمكن أن تؤسس لمدة محدودة تنتهي بمجرد انتهاء المدة التي حددها المؤسسون لها، أو تؤسس لمدة غير محدودة حسب الأهداف التي تسعى إلى تحقيقها. كما أنها يمكن أن تكون جمعية محلية أي لها أقل من خمسة فروع فرع واحد أو جهوية لها فروع في الجهة االتي تنتمي إليها حسب التقسيم الإداري للجهات. أو أن تكون وطنية لها على الأقل خمسة فروع موزعة على مختلف أقاليم المملكة ويفوق عدد منخرطيها 1000 عضو. من الناحية الاجتماعية: الجمعية هي جماعة من الأفراد انبثقت عنهم رغبة للقيام بنشاط معين كان موجودا من قبل أو غير موجود لفائدتهم أو لفائدة مجتمعهم في إطار من التعاون والتطوع وممارسة الأنشطة والعلاقات التي تقوم بها الجمعية تربويا وثقافيا وفنيا واجتماعيا ورياضيا، وهذا يؤدي إلى خلق ديناميكية ونشاط بين مجموعة من الأفراد، فوجود تنظيم يعني وجود أفراد تربطهم علاقات ويقومون بأنشطة تحقق الأهداف المسطرة في القانون الأساسي للجمعية وهو الذي يضمن الاستمرار والاستقرار خلال مدة صلاحية المكتب المسير. ثم الفعالية التي تشير إلى القدرة على التنظيم والهيكلة وتحقيق الأهداف. فالعمل الجمعوي عمل هادف وأهدافه محدودة، لايمكن تغييرها إلا بمقتضى شروط معينة، وتساعد الفرد على أن يعيش مع الجماعة ويتعاطف معها ويشارك في جميع الأنشطة من أجل الحصول على المنفعة وتحقيق المصلحة العامة. من الناحية النفسية: الحاجة هي كل ما يتطلبه الإنسان لسد ما هو ضروري ولتلبية رغباته أو لتوفير ما هو مفيد لتطوره ونموه. فالإحساس النفسي بوجود فراغ أو ضرورة القيام بنشاط هو الحافز الذي يبلور التفكير في موضوع ما أو نشاط معين ومن الملاحظ أن حاجات الشباب لا تقتصر على أحوالهم الجسمية والنفسية التي يشعر بها الفرد، بل هناك دوافع للسلوك، تحفز على العمل المتواصل ولإشباع وإرضاء هذه الحاجة؛ المتمثلة في الاستقلال الاقتصادي أو ممارسة عمل لتحقيق الذات اجتماعيا أو ثقافيا. وبذلك تكون الجمعية في هذا الإطار مجموعة من الأعضاء المتجانسين والمتقاربين من حيث الميول والغايات تدفعهم الرغبة في تنمية الهوايات مثلا أو إشباع حاجات نفسية يرغب كل منهم في تحقيقها إما فردا أو جماعة فيستجيب بذلك لحاجات في نفسه مما يجعله يربط علاقات مع الآخر لخلق نشاط من أجل الحصول على منفعة خاصة أو منفعة عامة. من الناحية التاريخية: مرحلة الحماية: خلال فترة الحماية 1912/1956 أصدرت السلطات الفرنسية ظهيرا شريفا سنة 1914 ويعتبر هذا الظهير بمثابة الإذن القانوني للفصل الفرنسي الصادر بفرنسا بتاريخ فاتح يوليوز 1901. كانت الإدارة جد قاسية على كل جمعية يؤسسها المغاربة ولا تعطي أي ترخيص بجمعية ما إلا بعد القيام بالمراقبة والتأكد من هوية المؤسسين وانتمائهم الطبقي في المقابل كانت تشجع الجمعيات التي تخدم مصالحها ولا تهدد سلطة الحماية. لقد كانت الجمعيات في هذه الحقبة لها نزعة وطنية للنضال ضد المستعمر الأجنبي. مرحلة بداية الاستقلال : * صدور ظهير 15 نونبر 1958 الذي يضبط حق تأسيس الجمعيات. * دستور 1962و1972 وقد نصت جميع دساتير المملكة في الفصل التاسع على ضمان حرية التجول وحرية الاستقرار وحرية تأسيس الجمعيات وحرية الانخراط في أية منظمة نقابية أو سياسية حسب الاختيار، ولا يمكن أن يوضع حد لممارسة هذه الحريات إلا بمقتضى القانون. وإذا كان العمل الجمعوي قد عرف انتشارا واسعا داخل المجتمع المغربي، فقد صاحب هذا الانتشار تعدد الجمعيات من حيث توجهاتها، وأدوارها على جميع المستويات من بين أنواعها: جمعيات تربوية، ثقافية، اجتماعية، رياضية، مهنية، سياسية…، وأصبحت تواجه تحديا من نوع آخر كالغزو الثقافي وتفشي الأمية والتوعية بالواجب الوطني للمساهمة في التنمية وتوسيع العمل في الحقل الثقافي ليشمل المسرح، الندوات الفكرية، السينما، قراءات شعرية، المنتديات إلى غير ذلك من التقاليد والمكتسبات التي أصبحت راسخة في الساحة الجمعوية، مرتكزا على الحوار المفتوح والتنافس الشريف بين الشباب من الإبداع والابتكار واحترام وجهات النظر المتباينة؛ إلى طرح نوعية الممارسات والأنشطة الثقافية والتربوية التي من شأنها أن ترقى بالعمل الجمعوي إلى مستوى الفعل الاجتماعي والتاريخي. أهداف الجمعيات: أهداف جمعيات الشباب لا يمكنها أن تخالف الآداب العامة والأخلاق الحميدة فهي أهداف تسعى دائما إلى نشر الوعي الفردي والجماعي عن طريق فتح المجال أمام الشباب للتعبير عن رغباتهم والتعرف على العالم الخارجي، وصقل المواهب وتطوير المعارف أو المساهمة في التنشئة الاجتماعية وخلق روابط الصداقة بين الشباب المغربي. كما تساهم في التوعية بالمشاكل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للبلاد. وتختلف أهداف الجمعيات حسب نوعيتها أو تخصصها فجمعيات الأوراش تختلف أهدافها عن الجمعيات الثقافية أو الرياضية… وهكذا فكل جمعية تحاول الوصول إلى أهدافها عن طريق ممارسة نوع من التخصص الشيء الذي يميزها عن باقي الجمعيات الأخرى وهذا شيء طبيعي يدفع بالجمعيات إلى المنافسة البريئة والاجتهاد والعمل المتواصل. كما أن للجمعيات دور أساسي في تلقين الشباب روابط أخلاقية واجتماعية من خلال إفادتهم بأهدافهم الذاتية وهذا ما تسعى كل جمعية إلى تحقيقه خاصة الجمعيات الثقافية والفنية، فهي ايضا تساعد الفرد في نموه الفكري والعقلي حينما تنظم محاضرات وندوات ومناظرات ثقافية، فتلبي بذلك حاجات الشباب المتعطش للعلم والمعرفة. وكذلك بتحقيق أهدافهم الاجتماعية، فنظام الجمعية وعاداتها تشابه إلى حد ما نظام المجتمع مما يجعل الأفراد قادرين على الاندماج في المجتمع ونظامه بسهولة ليصبحون أعضاء نافعين يشاركون في التنمية. فإذا كانت الحاجة ملحة إلى إنشاء مؤسسات تنشيئية مكملة وموازية لمؤسستي الأسرة والمدرسة، ومزاحمة لتأثير الشارع على تربية الناشئ فإنه بات من الضروري ابتداع نوع مغاير من التعامل على ما هو الحال داخل الأسرة أو داخل المدرسة إنه نموذج العمل الجمعوي الذي يعتبر نوعا متقدما من أنواع التنشئة الاجتماعية. فالأدوار التي تنهض بها الجمعيات التربوية والثقافية والترفيهية والرياضية والاجتماعية…، ترتكز بالأساس على عملية تأطير الأطفال واليافعين والشباب تأطيرا يساعد على تنشئتهم تنشئة ملائمة لما يحتاجون إليه في حياتهم الاجتماعية عموما وفي حياتهم الخاصة المرتبطة بعلاقاتهم مع وسطهم الأسري والمدرسي أو العملي، ومع باقي نسيج علاقاتهم الاجتماعية الأخرى، وفيما يلي بعض المجالات التي تحاول الجمعيات التأطير من خلالها: * المجال التربوي: تسعى من خلاله إلى تربية الطفل والشاب تربية سليمة وفق قيم ومبادئ المجتمع، ويختلف مفهوم التربية حسب اختلاف تصورات القائمين على الجمعيات؛ * المجال الترفيهي: أكثر المجالات استقطابا للشباب والأطفال، نظرا لكونه يساعد على تخفيف التوتر الناشئ طيلة الأسبوع؛ * المجال الثقافي: أحد أهم ركائز العمل الجمعوي، من خلاله تبلور الأهداف والرسالة التربوية؛ * المجال الفني: نعني به الإطار الذي يجمع عدة فنون كالمسرح والموسيقى والغناء أو الإنشاد؛ *المجال الرياضي: من الأنشطة الناجحة خصوصا بعض الرياضات مثل كرة القدم وكرة الطاولة؛ والجمعية كيف ما كانت نوعية أنشطتها وكيف ماكانت أيضا قوة تأثيرها فهي لا يمكنها بأي حال من الأحوال أن تقوم مقام الأسرة التي هي البيئة الأساسية الأولى في تكوين وتنشئة الفرد، كما أنها أي الجمعية لا يمكنها أن تعوض دور المؤسسة التعليمية مهما كان تقارب أدوارهما. فمكانتها تبرز من خلال دورها التكميلي في تنشئة الفرد/العضو انطلاقا من الإمكانيات المادية والبشرية التي تتوفر عليها أو التي يمكن لها أن توفرها، إضافة إلى الأجواء المتاحة داخلها التي لها أبعاد نفسية ووجدانية واجتماعية المساعدة على تفاعل الطفل واليافع والشاب اجتماعيا، وعلى إبراز المواهب وصقل الطاقات التي تأخذ أشكالا متعددة في صورة أنشطة مختلفة ومتنوعة، كما يستطيع الناشئ التمرس على كثير من المسلكيات الإجابية التي تعمل على إرتقائه الاجتماعي من خلال تحمله المسؤوليات، ومساهماته في وضع البرامج ومشاريع الأنشطة، وإبداء رايه فيما يمارس داخل جمعيته، وذلك انطلاقا من تدربه على مبادئ الحوار وعلى تقديم النقذ الذاتي، وعلى شجاعة المواجهة كل ذلك يكسبه ثقة في نفسه تجعله أكثر إيجابية وأكثر مساهمة في الممارسة الجماعية. أولا: فالعمل الجمعوي يشتغل في الأوقات الحرة للأفراد، أي الأوقات الخارجة عن الأوقات الإجبارية/الإلزامية (الأسرية والمدرسية والعملية/الوظيفية). مع العلم أن هذا التوزيع لا يمكن تعميمه بسبب ظهور الوقت الحر الدائم. بالنسبة للشباب المعطل. ثانيا: كونه يعتمد على التطوعية في الانضمام، وكذلك على التطوعية في المشاركة، وللفرد الحق في الانسحاب من النشاط أو من الجماعة في أي وقت شاء إن كان مثلا ذلك لا يلبي حاجياته دون أن يكون لذلك انعكاسات سلبية على قسار حياته داخل الأسرة أو في المدرسة أو في العمل. ثالثا: كونه يعتمد على الأسلوب الديمقراطي في التسيير وفي التنظيم وفي التعامل ما بين الأعضاء كيفما كانت مواقعهم داخل المجتمع. ومن هذه الأسس الثلاثة يمكننا استخراج ثلاثة مبادئ تؤطر الممارسة الجمعوية وتميزها عن باقي المارسات التربوية الأخرى وهي: أ- مبدأ الاختيار. ب- مبدأ التطوع. ج- مبدأ المشاركة. أ- مبدأ الاختيار: لا وجود لعمل جمعوي دون وجود حرية في الاختيار، وهي فعل ذاتي يمارسه الفرد من أول لحظة يلج فضاء الجمعية سواء أتاها عن محض إرادته أو بإيعاز من الأولياء أو الأصدقاء أو من الدعاية ووسائل الاتصال أو من باب الفضول. ففي كل الحالات يكون حرا في أن يستمر إن هو وجد ما يرغب فيه أو ما يلبي له حاجاته، وإما ينسحب أو ينقطع عن التردد على الجمعية وعلى أنشطتها ومسألة الحرية في الاختيار لا تتعلق فقط بلحظة الإنضمام إلى الجمعية، بل هي سارية المفعول في كل أنواع وأشكال الممارسة الجمعوية، لأنها تتطور في حالتها الفردية عند الإنضمام لتصير مبدءا عاما يهم علاقة الفرد/العضو مع باقي الأفراد/الأعضاء المكونين للجمعية ومع باقي منتوجها السلوكي العلائقي الداخلي والخارجي ومع منتوجها الأدبي والتنشيطي، وهو أمر ذو أهمية في ارتباط العضو بجمعيته، إذن إن الحرية هنا ليست شعارا جافا بل هي ممارسة وتربية وسلوك وحتى في مجالات اختلاف الرؤى ما بين الأعضاء حول قضية من القضايا فإن هذا المبدأ يحفظ لكل حقه في الاختلاف وفي الاعتراض وبما أن العمل هو جماعي فإن تعريف الاختلافات و التناقضات ليس بحجبها أو كتمانها بل بوضعها في إطارها الحقيقي والتعامل معها على أساس أنها ظاهرة صحية لأي عمل جماعي فلكل جماعة طريقتها الخاصة في تدبير اختلافاتها وتناقضاتها تبعا لطبيعة قوانينها الأساسية والداخلية والتي يكون حولها اتفاق جماعي بعد أن يطلع عليها كل وافد على الجمعية، وفي حالة الاعتراض عليها إن هي كانت غير متماشية وطبيعة الجمعية فيتم تعديلها وتنقيحها حينما تنعقد الأجهزة المقررة للجمعية سواء في دوراتها العادية أو في دورات استثنائية كما هو معمول به في قانون الحريات العامة الخاص بالجمعيات. وأهمية التمرس على الحرية ليس غاية لذاته بل هو أيضا تعود على تحمل مسؤولية الاختيارات التي يأخذها الفرد/العضو بشكل فردي أو بشكل جماعي. وهو عملية رئيسية في تنشئة الفرد/العضو وجعله أكثر إيجابية في قراراته واختياراته مما يساعده على النضج الاجتماعي المطلوب. ب- مبدأ التطوع: إنه المبدأ الذي يميز العمل الجمعوي عن باقي الأصناف التربوية الأخرى إنطلاقا من مبدأ الحرية في الإختيار تأتي عملية التطوع الموسوم بها العمل الجمعوي بشكل يجعل الفرد/العضو ينخرط في الممارسة الجمعوية بكل تلقائية. والتطوع سلوك ينبع من ذات الفرد ومن ثقافته وحضارته ويترجم في الممارسة الجمعوية من خلال أنشطتها العادية أو الإشاعية والخدماتية وكذلك من خلال طبيعة تسيير وتدبير شؤونها. فالكل متطوع داخل الجمعية، فالمقابل المنتظر هو أن يرى كل متطوع جمعيته تحقق أهدافها ومشاريعها ويكون لها وجود متميز داخل المجتمع، الشيء الذي يقوي حس وحب الانتماء إليها. وسلوك التطوع لا يقتصر عند الفرد/العضو فقط على ممارسته الجمعوية بل يشمل كل سلوكاته المجتمعية كبيرها وصغيرها وأينما وجد، لأنه سلوك مدني متميز يجعل الإنسان أكثر اندماجا وأكثر مبادرة من غير لأنه يضع الصالح العام دائما نصب عينيه. ج- مبدأ المشاركة: فإذا كان مبدأ التطوع يتم بطريقة عضوية وتلقائية فإن مبدأ المشاركة ينطلق من ضرورة وجود وعي بما سينهض به الفرد العضو من مهام ومسؤوليات محددة ومدققة في الزمان والمكان ، وفي أهدافها وفي وسائل إنجازها، وهي ليست مشاركة كمية جماهيرية عرضية بل هي مشاركة كيفية ونوعية تفترض وجود التزام بنوعية العمل المطلوب. ولرفع كل لبس فالإلتزام هنا لا يعني أي تضارب مع مبدأ الحرية الذي انطلقتا منه بل هو مؤطر لكل ممارسة جمعوية تكوينية لأنه مبني على وجود وعي مسبق بطبيعة المهام المطلوب إنجازها، وهذا الوعي نابع من طبيعة ثقافية الجمعية ومن طبيعة ثقافة الجمعية ومن طبيعة فلسفة تعاملها الداخلي والخارجي، فليست هي أوامر فوقية تنزل للقاعدة للقيام بها وإنجازها دون حوار أو مناقشة، لأن القصة في العمل الجمعوي ما هي إلا مجموعة أفراد القاعدة تنتخب دوريا لتسيير شؤون الجمعية وهي مرتبطة بمجموعة من الأجهزة التي تسير وتراقب سير الجمعية بمعنى أن الإنفراد في الرأي أو فرض نوع من المعاملات أو الأنشطة لا يمكن أن يحصل إلا إذا كانت الجمعية لا تشتغل طبقا للسلوك الديمقراطي الجمعوي. ففعل المشاركة يأخذ أبعادا كثيرة ومتنوعة يتعدى الفعل الآتي لممارسة الأنشطة لأنه يتصل بتحريك ذات الفرد/العضو وإخراجها من فردانيتها ومن سلبيتها إلى مساهمتها في الفعل الجماعي انطلاقا من الممارسة الجمعوية العادية أو الاستثنائية والإشعاعية والخدماتية إلى المشاركة الفعلية في الحركية المجتمعية المساهمة في الفعل المدني العام وخاصة بالنسبة للشباب حيث يتمرسون على المشاركة المدنية التي تجعلهم أكثر إيجابية وتضعهم على سكة تحمل المسؤولية وعلى إثبات نضجهم الاجتماعي. لأن عزوف الشباب عن المشاركة الفعالة في الحركية الاجتماعية إنما يترك المجال فارغا أمام من لهم مصلحة في تغييب أهم شريحة في المجتمع والتي من المفروض أن تكون لها كلمتها في رسم مستقبلها. فالتزام الفرد/العضو حينما يقبل على المشاركة في أي فعل أو نشاط، يعني أنه أصبح منتجا وليس مستهلكا لما يقدم له. فحينما يناقش ويبدي رأيه. ويسجل ملاحظاته وتحفظاته أو يعلن اعتراضه يكون يمارس استقلاليته في الرأي وحينما يلتزم بعد ذلك بالقيام بما يطلب منه أو بما هو مسؤول عنه فإنما يظهر على نضجه وإيجابيات على أن هذه التربية الجمعوية بأسسها وبمبادئها إنما هي تربية على الديمقراطية تربية على التعامل مع الآخر وقبوله وتربية على النقد وعلى الحوار وعلى الاعتراف بالخطأ وبتقديم النقد الذاتي وعلى الإيمان بجدية وأهمية العمل الجماعي والتعاون والتنسيق مع الأطراف الأخرى المساهمة في الفعل الاجتماعي باختلاف مشاريعها وتخصصاتها. ونشير إلى أن الهدف من العمل الجمعوي عند رواده وممارسيه مرتبطة بنشر القيم الأخلاقية وتكوين الشباب وتأهيله للمساهمة في تنمية الوطن وجعله عنصرا فاعلا في مجتمعه متشبعا بروح الوطنية، واعيا بدوره مدركا لمسؤولياته حتى يكون مواطنا صالحا لنفسه ولوطنه. وبخصوص عزوف الشباب عن الانخراط في الجمعيات له أسبابه والمتمثلة في العديد من الإكراهات ندرج البعض منها: التخوف من العمل الجمعوي بسبب ما توصل به من انطباعات سيئة من خلال زملائه؛ الجهل بحقيقة العمل الجمعوي غياب برامج تستجيب لحاجيات الشباب في التأطير والتكوين والتأهيل ضعف التأطير وغياب الحوار واحترام رأي الآخر الافتقار للتجهيزات والإمكانيات الضرورية للإشتغال ضعف الموارد المالية؛ الحضور المتذبذب للأطر المسؤولة عن تطبيق البرامج أو التسيير انعدام الإبداع والمبادرات عدم تقدير المسؤوليات مستقبل الجمعيات: إن العمل الجمعوي كمكون من مكونات المجتمع المدني لازال يفتقر إلى العديد من الدراسات والأبحاث السوسيولوجية التي يجب أن تجتهد قدر الإمكان في توجيه جانب من اهتماماتها في خدمة هذا القطاع. ونجاح عملية التطور رهين بمدى وعي الجمعويين بمسألة تقييم المشاريع والتجارب السابقة وإعادة النظر فيها، كما أنها مرتبطة بمدى نجاحهم في تحسين صورة العمل الجمعوي أمام المجتمع لتليين موقفه تجاه الجمعيات، إضافة إلى محاولة تلبية جميع طلبات الطفل والشاب، الشيء الذي يستحيل تحقيقه إلا إذا نجح الطرفان (الجمعيات والقطاع الوصي) في إيجاد صيغة للاتفاق والعمل على أرضية موحدة هدفها الأول خدمة الطفولة والشباب؛ حتى لا يبقى العمل الجمعوي عملا يؤطر الوقت الثالث ويسعى إلى خلق فضاء متواضع يجد فيه الشاب والطفل متعته فحسب، وإنما ليصبح عملا يدخل في إطار ثورات المدن، وهو المنظور الجديد الذي يجب أن تتأقلم معه الجمعيات (لأنه دورها الحقيقي في المجتمع المدني)، ليس بدعوى الحداثة والشعارات الرنانة المرفوعة ولكن بما توجبه لنا من ثقافة تؤهلنا لمستقبل متعدد وديمقراطي. بوابة المغرب المدني .