بعد مؤتمر حركة الطفولة الشعبية (تأسست سنة 1956) تنعقد تباعا المؤتمرات الوطنية لكل من الجمعية المغربية لتربية الشبيبة 1956 وجمعية المواهب للتربية الاجتماعية 1965 وجمعية الشعلة للتربية والثقافة 1973 وتشكل هاته الجمعيات إحدى أكبر و أعرق المؤسسات الوطنية التي اهتمت بالعمل التربوي التطوعي بالمغرب وأنجبت العديد من الأطر المغربية في كافة المجالات وتمرس بداخلها أفواج متتالية من الشباب اكتووا بحب البلاد و أخلصوا بتفان في بناء صرح المستقبل في جو تسوده قيم عز نظيرها اليوم. إن ما قدمته الجمعيات التربوية الوطن. إذا كانت الدراسات التي تحاول الغوص في سياقات التشكل والتأسيس هي دراسات ذات بعد انتروبولوجي أو تاريخي في الغالب ، فإننا من خلال هذا الفصل سنحاول حصر الإطار التاريخي لتشكل الحركة الجمعوية في مرحلة ما بعد سنة 1956 أي بعد مرحلة ما سمي «بالاستقلال»،- وهي الفترة التي شهدت تأسيس إطارات جمعوية وطنية ذات أهداف ومبادئ كبرى وتملك خطط عمل سايرت طبيعة العقليات والأفكار والمهام السائدة وقتئذ كما أن هذه الإطارات الجمعوية هي نفسها التي سوف تعرف خلال منتصف الستينات وبداية السبعينات وتحت وقع ما أفرزه المجتمع السياسي من تمايز تحولا في خطابها وآليات عملها. تستأر علاقة الحركة الجمعوية بمجموع الجماهير وعموم المواطنين باهتمام متزايد خاصة بعد تزايد أشكال التدخل واتساع مجالات العمل والاهتمام، والأكيد أن من المهام الرئيسية للعمل الجمعوي مهمة تأطير الأجيال المتلاحقة من طفولة وشبيبة البلاد، وكذلك التدخل للتصدي لبعض المشكلات المعيقة المستدامةن والخانقة للتطور. لقد وعت الحركة الجمعوية في بداية تشكلها بثقل المشاكل الموروثة عن السنوات السابقة ومنه تجندت للعب أدوار هامة لبلورة الأهداف النضالية والمشاريع الثقافية للقوى الحية بالبلاد، إذ شكلت الجمعيات التربوية والثقافية والتطوعية مرتعا خصبا لالتحاق العديد من الأطر الجمعوية بالنضال في الواجهة المجتمعية من اجل ترسيخ قيم المواطن والديمقراطية. لقد شكلت الجمعيات والمنظمات قنوات لتمرير الكثير من الخطابات الجديدة والنظريات الحديثة التي مكنت الشباب المغربي من العمل بمبادئ التطوع والاختيار والديمقراطية والمسؤولة واحترام الرأي الآخر والمواطنة، الشيء الذي عمل على تنشيط وتفعيل شبكة المجتمع المدني. إنما ونحن في الوقت الحاضر لا يجب «القدرة بحجة المواضيع والأسئلة الجديدة (البيئة، الاستقلال المعلوماتي، الألفية الثالثة، العولمة والتنافسية، التنمية المستديمة) إن تتغافل عن الدور الذي لعبته الجمعيات الوطنية الأقدم تواجدا وتأسيسا، والتي يجب استمرار عملها في الميادين التي سطرتها لنفسها ولنفس الأهداف بلا فرق بيم هؤلاء وأولئك إلا بالإيمان بهذه القيم والعمل الجاد لمصلحة هذا البلد. فكما هو الشأن في مساعدة المقاولات من أجل تسحين أوضاعها المحاسباتية والجبائية وإعفائها مما عليها من ضرائب وإشراكها في بلورة البرامج الاقتصادية و يجب مساعدة الجمعيات لوطنية القديمة التواجد والتأسيس على الانتقال من مرحلة الجمعية التقليدية إلى مرحلة الجمعية المؤسسية، وذلك بتوفير الظروف المادية والقانونية وتحقيق المنفعة العامة وتسهيل عملية تفرغ العنصر البشري وتحقيق عمليات بناء وإنجاز مشاريع المراكز والمقرات والبرامج التنموية والاجتماعية. إن قياس مدى أهمية فعل ما لا يتحقق موضوعيا إلا بتأطير الفعل في سياقه الزماني والمكاني، وحجم ما هو متوفر من آليات، إذ أن الأدوار التي يعتبرها البعض صغيرة في فترة زمنية تتوفر فيها فقط الإرادة يمكن اعتبارها من منظور حالي في أدوارا طلائعية واستراتيجية. إن المهتمون بتاريخ الحركة الجمعوية ببلادنا يوفرون الدور الذي لعبته الجمعيات الوطنية في التعريف ببعض الأفكار الجديدة داخل الوطن، ونذكر هنا العمل القيم والهام الذي قامت به حركة الطفلة الشعبية، من خلال ترجمته وتعميم إعلان حقوق الطفل سنة 1959 الصادر عن الجمعية العامة لهيأة الأممالمتحدة، ونشره في أعمدة الصحافة الوطنية المكتوبة آنذاك، والذي اعتبرته مرشدا للعمل التربوي الذي تقوم به، ووسيلة في ذات الوقت للوصول إلى الحقوق التي يتضمنها ويؤمن بها. وكانت الجمعيات تحت القناة التي تم تمرير الكثير من الخطابات الجديدة، والعديد من التنظيمات الحديثة، وتمكن الشباب عبرها من اكتساب المبادئ الأولية للمجتمعات المتقدمة والعصرية، وهي مبادئ الديمقراطية وحرية التعبير، كما تمكن الشباب من تعلم تقنيات المنافسة الحرة والتعبير وديناميكية الجماعة واحترام الرأي الآخر. إن العمل المشترك للمنظمات التي تم تأسيسها مباشرة مع استقلال المغرب هو العمل على تكوين الفرد لكي يصبح مواطنا صالحا واعيا بمشاكل بلده وقادرا على تحمل المسؤولية، داخل المجتمع الذي يعيش فيه ومن أجله، فأغلب الأهداف التي سطرتها هاته المنظمات تصب في هذا المعنى، أي تربية وتكوين المواطن. وانطلاقا من هذه الأهداف عملت هذه المنظمات كل في مجال اختصاصه على تقوية الأطفال والشباب على تحمل المسؤولية داخل الإطارات التي يتواجدون بها، سواء كانت مسؤوليات محدودة مرتبطة بتنظيم القاعة المستقبلة للأنشطة أو تسيير اجتماع معين، أو نقاش داخل ناد سينمائي وكل هاتة الوضعيات وكل هذه الفضاءات كانت مجالا خصبا للتمرين على السلوك الديمقراطي وممارسته وتحمل المسؤولية بكل وعي وتحضر. إن من طبيعة العمل الجمعوي كونه لا يمكن أن يكون إلا هادفا، فجميع فئات أو فئات معينة من الجماهير ليس هدفا في حد ذاته ولا يمكن أن يكون كذلك، فأبسط عمل أو أبسط مبادرة تشكل في اللحظة كان يعرفها المغرب، خصوصا توازي وجهات النظر بين الحاكم والمحكومين، فرصة لتمرير ما يكفي من المعلومات والخطابات والإشارات وتلقين المبادئ وتحسين شرط الإدارات وتعميق التكوين والإيمان بالمبادئ والمثل العليا. إن الحركة الجمعوية التي تحدث عنها هي التي أنتجت خطابا جديدا حول مسرح الهواة وقضاياه رغم تراجع دوره اليوم، كما أن هذه الحركة هي التي ساهمت وبشكل كبير في النشر بثقافة التغيير وتجميع الديمقراطية وتطوير العقليات والممارسات باستنادها على الملفات والعمل الجماعي المنظم والاقتناع بالعمل التطوعي عن اختبار، إن العديد من الأسماء لكتاب ومبدعين وأدباء وزعماء سياسيين ونقابيين، وأطر بالدولة هم من نتاج الحركة الجمعوية التي ظلت ولاتزال معطاء للمجتمع المغربي. إن من بين الأهداف التي تعمل بها الحركة الجمعوية مبدأ التطوع كقيمة إنسانية كبرى، وهو يعني التطوع المبني على الاختيار والوعي والمرتبط بالمبادرة الفردية وله علاقة مباشرة وجدلية بمفهوم متطور هو مفهوم المواطنة. إذ أن المتطوع لا يسهم فقط في تقديم الخدمة، ولا يحسب عمله فقط من منظور القيمة المادية البديلة للتطوع، باعتباره يسهم في عملية التنمية البشرية ولكن المتطوع هو أيضا مصدر لمعلومات، ويوسع من نطاق تأثير المنظمة وسمعتها وصورها إذ يحيط به عشرات من الأقارب والأصدقاء والجيران والزملاء وبالتالي فمصداقية الفاعل الجمعوي داخل الوسط الذي يشغل فيه تعتبر منحلا نحو التأسيس لقيم مغايرة ومتجددة. لم تكن الظروف السياسية التي تلت انتفاضة مارس 1965 و أجواء الاحتقان والقمع و الترهيب كافية لتلين همم رجال عزموا على مواجهة الانكفاء و الفراغ القاتل بخلق إطار جمعوي انطلق بحي سيدي عثمان بالبيضاء ليصبح متنفسا و مجالا لإبداعات أجيال و أجيال من الشباب المغربي و أصبح فضاء للتفكير و الاقتراح و التشعب بروح المواطنة. إن جمعية المواهب للتربية الاجتماعية التي تأسست بتاريخ 15 دجنبر 1965 للمساهمة في تكوين الطفل و اليافع وإعدادهم لتحمل المسؤولية و كذا المساهمة في التنشئة الاجتماعية و بث روح التطوع سرعان ما ستعرف مع تشكيل فروع جديدة و ضخ دماء أخرى ، تحولا نوعيا في التعاطي مع قضايا الطفولة و الشباب، و ارتقاء النقاش ليواكب المتغيرات الجارية بالبلاد .لقد كانت فترة السبعينات و الثمانينات فترة العهد الذهبي للجمعيات الوطنية و شكلت أحد الروافد الحقيقية لليسار المغربي وأحد أهم مشاتل إنتاج الأفكار و المقترحات و الحلول. كما يمكن اعتبار فضاء دار الشباب - كمجال تشتغل به الجمعيات أحد أهم الفضاءات التي احتظنت نقاشات مغرب السبعينات بعد حملة إغلاق المقرات الحزبية والنقابية. لقد كانت مؤتمرات الجمعية مجالا حقيقيا للتكوين و التربية على الديمقراطية و كذلك فضاء لمطارحة الأفكار والدفاع عن مفاهيم جديدة للتربية والثقافة نقيض لما كانت تطبل له أجهزة الدولة. وساهمت المواهب ومعها الجمعيات الوطنية الأخرى عبر المخيمات الصيفية وملتقيات الأطر والشباب في تخريج العديد من الفاعلين اليوم في ميادين عديدة حزبية،نقابية،إعلامية، أدبية، فنية الخ. وساهم أعضاء الجمعية في ترسيخ قيم التطوع داخل مدن وقرى المغرب العميق، وجاهد أطرها بالرغم من انعدام الإمكانيات و غياب فضاءات الاشتغال في غرس بذور جميلة في قلوب الأطفال و اليافعين. و قاوموا كل أساليب المنع و التضييق لكي يظل صوت الشباب حاضرا تعبيرا عن القضايا الوطنية أو القومية ومنها القضية الفلسطينية التي أسهمت الجمعيات الوطنية عن جد في الدفاع عنها. و حافضت الجمعية على ثوابتها الأصلية و الأصيلة بالرغم من موجات هدر القيم التي عرفها العمل الجمعوي مع نهاية التسعينات و بداية ألفية جديدة، حيث انطلقت بالمغرب نقاشات مميعة تتغيأ خلق تحقيب جديد للعمل الجمعوي، و تروم من وراء ذلك مجاراة مفاهيم مستجدة تحت شعار التنمية وإننا و نحن اليوم،على بعد أيام قليلة من مؤتمر الجمعية وبعض الجمعيات الوطنية وإذ كنا نعترف للجمعيات الوطنية بكونها مؤسسة للأرضية الصلبة للعمل الجمعوي التطوعي بالمغرب فإننا كذلك و في استقراء للتطورات الحاصلة في العمل الجمعوي . نعترف بكون دينامية الحركة بهده الجمعيات تصيبها محموعة أعطاب تحول و تطور هذه الجمعيات لتصبح قوة اقتراحية حقيقية وتعيد بناء أمجاد الماضي بآليات متجددة ومن بين هذه الأعطاب نتوقف على سبيل الذكر لا الحصر على : 1 - الشكل التنظيمي : حيث أن الجمعيات الوطنية اليوم مطالبة بتجاوز الترتيب الهرمي التنظيمي الذي كان يحاكي مرحلة سياسية و فكرية معينة و يبدع أشكال تنظيمية جديدة تزاوج بين التشبيك الذي يترك للفروع حرية أكبر و التنظيم الوطني ذو المرجعية و القانون و الهدف الموحد 2 - الشكل المؤسساتي: و نعني بهي شكل التدبير العادي داخل الجمعيات أي إدارة الجمعية و التحول من التسيير الهاوي المبني على التطوع فقط إلى التسيير المؤسساتي المبني على الحكامة و النظام المحاسباتي و التواصل الفعال بين أجهزة الجمعية أفقيا و عموديا. 3 - تسويق المنتوج التربوي : أصبحت عملية التسويق تعنى بأهمية كبرى داخل كافة المجالات بعدما تجاوزت صيغتها الاقتصادية و دخلت عوالم أخرى (سياسية اجتماعية فكرية .....) وأصبح البحث عن تسويق المنتوج جزأ لا يتجزأ من أي عملية ناجحة. و أمام هذا التطور أصبح لزاما على الجمعيات الوطنية اليوم البحث عن تسويق المجهود التربوي الكبير الذي تقوم به على مدار السنة و مع الآلاف من الأطفال و عشرات الأطر و الشباب .هذا فقط جزء يسير من بعض نقط التي نعتبر أن العمل بها مستقبلا يمكن الجمعيات الوطنية من تجاوز حالة العطب و التواجد الفعال و القوي داخل المجتمع المدني و عدم الاكتفاء فقط بالحنين للماضي و الارتهان لتاريخ مضى. كما لا ننسى أنه على هذه الجمعيات تقوية الإطارات الوحدوية ( اتحاد المنظمات التربوبة المغربية ) و جعلها إطارات فاعلة و ليس منتديات للقاء و النقاش فقط. (*) عضو جمعية المواهب للتربية الاجتماعية