قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، :"لا يشربن أحد منكم قائماً، فمن نسي فليستقئ"، بهذا الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم نهانا الرسول الكريم عن شرب الماء واقفين، فما السبب وما هي أضرار شرب الماء واقفًا؟ لا ينكر أحد أهمية وفوائد الماء للجسم الذي يُشكل 78 % منه، فهو يعمل على طرد السموم من الجسم وتحسين المزاج والتخفيف من التعب ويزيد من نضارة البشرة، لكن لا بد من اتباع السنة النبوية عند شرب الماء، إذ ينبغي أن يكون على دفعات ولا يُشرب مرة واحدة، وأن يكون الشخص جالسًا. تمكنت الأبحاث الطبية الحديثة من الكشف عن الإعجاز العلمي من النهي الوارد في الحديث النبوي السابق بعدم شرب الماء واقفًا والذي جاء منذ أكثر من 1400 عام، حيث كشفت لشرب الماء أضرار، أهمها: عسر الهضم يؤدي الاستمرار في عملية شرب الماء أو الأكل واقفًا لعدم قدرة المعدة على هضم الطعام "عسر الهضم"، إذ أنه عندما يقوم الإنسان بشرب الماء واقفًا يندفع الماء إلى قعر المعدة بقوة مسببًا لها صدمة؛ مما يؤدي إلى استرخائها، ويكون هذا الضرر أكبر في حالة كان الماء بارد. لذا يُنصح بضرورة الحرص على شرب الماء في حالة الجلوس؛ لحماية المعدة من الهبوط والاسترخاء، ذلك أن الجسم يكون عند الشرب وتناول الطعام في وضعية الجلوس ساكنًا والمعدة مستريحة، فينزل الماء على جدرانها بهدوء ولطف دون أن يسبب الضرر لها. العصب الحائر يسبب شرب الماء واقفًا أمراضًا خطيرة مثل العصب الحائر "Vagal Inhibation"؛ كون الجسم يكون غير متزن ويحاول خلالها جهاز التوازن السيطرة على جميع عضلات الجسم لحفظ التوازن؛ مما يفقد الجسم الطمأنينة والسكون المطلوبين سواء عند تناول الشراب أو الطعام، وقد يمتد أثر ذلك إلى القلب مسببًا الإغماء أو الموت المفاجئ. تقرحات المعدة قد يُحدث الاستمرار في شرب الماء واقفًا تقرحات في المعدة، كما قد يتسبب بتشنجات عضلية في المريء الأمر الذي يؤدي إلى إعاقة مرور الطعام بسهولة. لذا ينبغي التنبه لخطورة شرب الماء واقفًا وما قد يجره على الجسم من أمراض ومخاطر صحية، تحرم الإنسان الاستفادة من فوائد الماء. {}{}{} صفحة عبد الرحمان العلوي وردت أحاديث عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالنهي عن الشرب قائماً ، منها ما رواه مسلم (2024) (2025) عَنْ أَنَسٍ وأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ زَجَرَ ( في لفظ : نَهَى) عَنْ الشُّرْبِ قَائِمًا . ووردت أحاديث أخرى أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ شرب قائماً ، منها : ما رواه البخاري (1637) مسلم (2027) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قَالَ : سَقَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ مِنْ زَمْزَمَ فَشَرِبَ وَهُوَ قَائِمٌ . وروى البخاري (5615) عن عَلِيّ عليه السلام أنه شَرِبَ قَائِمًا ثم قَالَ : إِنَّ نَاسًا يَكْرَهُ أَحَدُهُمْ أَنْ يَشْرَبَ وَهُوَ قَائِمٌ ، وَإِنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فَعَلَ كَمَا رَأَيْتُمُونِي فَعَلْتُ . وروى أحمد في مسنده (797) أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام شَرِبَ قَائِمًا ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ النَّاسُ كَأَنَّهُمْ أَنْكَرُوهُ فَقَالَ : مَا تَنْظُرُونَ ! إِنْ أَشْرَبْ قَائِمًا!! فَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يَشْرَبُ قَائِمًا ، وَإِنْ أَشْرَبْ قَاعِدًا فَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يَشْرَبُ قَاعِدًا . جديث صحيح . وروى الترمذي (1881) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قَالَ : كُنَّا نَأْكُلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وَنَحْنُ نَمْشِي ، وَنَشْرَبُ وَنَحْنُ قِيَامٌ . حديث صحح . وقد جمع العلماء بين هذه الأحاديث بأن النهي ليس للتحريم ، وإنما هو محمول على الإرشاد ، وأن الأفضل أن يشرب جالساً ، وأحاديث شرب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قائماً تدل على جواز ذلك . قال أبو زكريا يحيى بن شرف النووي رحمه الله : "لَيْسَ فِي هَذِهِ الأَحَادِيث بِحَمْدِ اللَّه تَعَالَى إِشْكَال ، وَلا فِيهَا ضَعْف ، بَلْ كُلّهَا صَحِيحَة ، وَالصَّوَاب فِيهَا أَنَّ النَّهْي فِيهَا مَحْمُول عَلَى كَرَاهَة التَّنْزِيه ؛ وَأَمَّا شُرْبه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَائِمًا فَبَيَان لِلْجَوَازِ ، فَلا إِشْكَال وَلا تَعَارُض ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ يَتَعَيَّن الْمَصِير إِلَيْهِ . فَإِنْ قِيلَ : كَيْف يَكُون الشُّرْب قَائِمًا مَكْرُوهًا وَقَدْ فَعَلَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ؟ فَالْجَوَاب : أَنَّ فِعْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ بَيَانًا لِلْجَوَازِ لا يَكُون مَكْرُوهًا ، بَلْ الْبَيَان وَاجِب عَلَيْهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ، فَكَيْف يَكُون مَكْرُوهًا وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ مَرَّة مَرَّة وَطَافَ عَلَى بَعِير مَعَ أَنَّ الإِجْمَاع عَلَى أَنَّ الْوُضُوء ثَلاثًا وَالطَّوَاف مَاشِيًا أَكْمَل ، وَنَظَائِر هَذَا غَيْر مُنْحَصِرَة ، فَكَانَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يُنَبِّه عَلَى جَوَاز الشَّيْء مَرَّة أَوْ مَرَّات ، وَيُوَاظِب عَلَى الأَفْضَل مِنْهُ ، وَهَكَذَا كَانَ أَكْثَر وُضُوئِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ثَلاث ثَلاثًا ، وَأَكْثَر طَوَافه مَاشِيًا ، وَأَكْثَر شُرْبه جَالِسًا ، وَهَذَا وَاضِح لا يَتَشَكَّك فِيهِ مَنْ لَهُ أَدْنَى نِسْبَة إِلَى عِلْم . وَاللَّهُ أَعْلَم" اه . وهذا الجمع بين الأحاديث قد قال به أبو سليمان الْخَطَّابِيّ وأبو الحسن ابْن بَطَّال البكري ومحمد بن جرير الطَّبَرِيُّ . . . وغيرهم . قال الحافظ شهاب الدين أبو الفضل ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" : وَهَذَا أَحْسَن الْمَسَالِك وَأَسْلَمهَا وَأَبْعَدهَا مِنْ الاعْتِرَاض اه . الأصل أن يشرب الإنسان قاعداً ، وهو الأفضل ، وله أن يشرب قائماً ، وقد فعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ الأمرين للدلالة على أن الأمر في ذلك واسع .