تمتد على ساحل البحر الأبيض المتوسط أيضا قبيلة غمارية ثانية هي قبيلة بني بوزرة، وتملك هي الأخرى شأنها في ذلك شأن بني زيات شريطا ساحليا كبيرا. تزعم بعض الروايات أن بني بوزرة تنتسب إلى رجل من التابعين ممن دخل مع موسى بن نصير كان يدعى "أبا بزرى" وهو من كنى العرب القديمة. إن الميزة الأولى لهذه القبيلة أن لأهلها لهجة خاصة من اللهجات البربرية تعرف ب"الشلحة البوزراتية" يتكلمها جل أهل القبيلة المكونة من أربعة فرق: تندمان وبنو منسليمان والوسطيين وبنو موسى، وتعتبر فرقة "بني منسليمان" هي الوحيدة التي يتحدث سكانها الدارجة العربية، كما تنتشر هذه اللهجة في بعض مداشر قبيلة بني منصور، وقد انقرضت الآن من مداشر فرقة "إفرانعمان" من بني منصور التي يتحدث أهلها الآن الدارجة العربية، وكانوا قبل أقل من مئة سنة يتحدثون البوزراتية، بينما لا تزال باقية في أحد عشر مدشرا من فرقة "بني عروس" من القبيلة المنصورية. اختلفت تفسيرات الدارسين لهذه اللغة اختلافا كبيرا، فالعلامة المرحوم سعيد أعراب، وهو ابن قبيلة بني بوزرة هذه، ذكر أنها مطابقة تماما للهجة أهل سوس، وهو نفس ما ذهب إليه كولان عام 1929 حينما ساق أسطورة السوسيين الذين كانوا يسكنون جبال غمارة للبرهنة على أن سكان بني بوزرة من أصل سوسي أو أنهم بالأحرى بقية السوسيين الذين كانوا يعمرون تلك البلاد. بينما ذهب آخرون في المقابل إلى أن هذه اللهجة هي ببساطة بقية "اللسان الغماري" الذي تتحدث المصادر عن كون قبائل غمارة كانت تتحدث به قبل تعريبها، ورفض قسم آخر كليا هذه النظرية وشبهوا لهجة بني بوزرة بلهجة قبائل صنهاجة الريف وخصوصا لهجة قبيلتي زرقت وبني بونصار سواء من حيث مخارج الحروف أو المعجم، وكان مولييراس من جملة المتحمسين لهذا الرأي فذهب إلى أن هجرة صنهاجية حدثت في اتجاه ساحل غمارة، وأن المهاجرين نزلوا في تلك الناحية واحتفظوا بلغتهم، وظلوا معزولين وسط باقي قبائل غمارة. تعتبر قبيلة بني بوزرة واحدة من أهل المراكز القرآنية في جبال غمارة كلها، إذ تعتبر رائدة في مجال تحفيظ كتاب الله وتدريس العلوم الشرعية، كما أنها كانت تعتبر في الوعي المشترك لقبائل غمارة التسعة "القبيلة المقدسة"، والتي كثرت هجمات جيرانها عليها، خصوصا من بني زيات وبني منصور، ولكنهم كلما هاجموها عادوا منهزمين ببركة الأولياء الموجودين فيها، لدرجة أن أهلها يعدون في تراب قبيلتهم ما لا يحصى من الأضرحة والأولياء والصلحاء المدفونين، واختاروا سبعة منهم ليكونوا "سبعة رجال بني بوزرة" لمباهاة قبيلة بني عروس الجبلية التي كانت تتميز عن سائر قبائل الشمال المغربي كله بوجود ضريح ابن مشيش وأجداده السبعة المسترسلين في عمود نسبه. إن أقدم الآثار الإسلامية الموجودة بقبيلة بني بوزرة قبر الأمير أحمد بن عمر بن إدريس، وعمر هو أمير "تيكيساس" الذي عينه أخوه محمد بن إدريس، وكان الأمير أحمد قد بنى في تلك البقعة مسجدا جامعا لا زال أثره إلى حد الآن، وبجواره روضته التي دفن بها، ويعرف عند العامة الآن ب"سيدي بنعمر"، في مدشر يعرف ب"تندمان"، وعرف الجامع المذكور ب"جامع تندمان". هذا وإن والده الأمير عمر المذكور قد وقع خلاف شديد في موضع دفنه، والمعروف أنه توفي ب"فج الفرس" بين تطوان وطنجة، ثم حمل إلى فاس فصلى عليه أخوه وأمر بدفنه عام 220 ه، ولكن قبره لم يعين، ويعتقد أنه لم يدفن في فاس بل حمل إلى "تيكيساس" موضع إمارته، فدفن بروضة بجوار جامع "تكطشت" المذكور سابقا في بني زيات، وقد نقل عبد السلام القادري صاحب "الدر السني" أن محضرا أقيم في عهد السلطان إسماعيل العلوي فشهد فيه جملة من كبار علماء قبيلة بني زيات أن عمر بن إدريس قد دفن ب"تكطشت" في قبيلتهم. وتتميز القبيلة البوزراتية أيضا بوجود ثلاثة مساجد عتيقة أخرى لا ندري تاريخ بنائها بالضبط ولكنها تعود في الغالب إلى العهد الموحدي أو المريني هي مساجد "أحلاوث" و"أناري" و"أدار ميمون". وكلها إلى جانب مسجد "تندمان" قد أصبحت منذ نهاية العهد المريني معاهد كبرى لتعليم القرآن. إذا كان ذكر قبيلة بني بوزرة يغيب تماما في العصر الوسيط ومصادره المتوفرة، فإن هذه القبيلة بدأت تشتهر في نهاية العهد المريني حينما ظهرت بها الأسرة الميمونية التي يقال إنها إدريسية من ولد هلال ابن الأمير محمد بن إدريس، وإنها نزلت في غمارة أولا ثم عبروا البحر إلى الأندلس، ومنها عادوا إلى غمارة فنزلوا في قبيلة بني بوزرة أيام بني مرين، ونبغ منهم في نهايته ميمون بن أبي بكر، المعروف ب"سيدي ميمون" وهو دفين "أوركت" فوق شاطئ "جنان النيش"، وكان من كبار رجال التصوف في غمارة كلها، وخلف ولده العلامة الشهير أبا الحسن علي بن ميمون الذي نزل الشاون واتصل بأميرها علي ابن راشد ثم ظهرت له منه أمور أنكرها عليه فغادر الشاون إلى "ترغة" وركب منها البحر صوب الديار المشرقية، فحج وزار مصر والأناضول واسطنبول ولقي السلطان العثماني بايزيد الثاني ودخل إيران والعراق ثم حط الرحال بدمشق الشام حيث أسس مدرسة صوفية عظيمة كما نذكر في كتابنا قيد الطبع "المغاربة في بلاد الشام"، وتوفي بدمشق ولكنه أوصى أن يدفن خارجها في رأس أحد الجبال فدفن في قرية "مجدل معوش" من البقاع اللبناني ولا زال قبره بها شهيرا، وكانت وفاته عام 917 ه/ 1511م في السنوات الأخيرة من عمر دولة المماليك. يتبع...