واشنطن ترفض توقيف نتانياهو وغالانت    وفاة ضابطين اثر تحطم طائرة تابعة للقوات الجوية الملكية اثناء مهمة تدريب    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره    اعتقال موظفين ومسيري شركات للاشتباه في تورطهم بشبكة إجرامية لتزوير وثائق تسجيل سيارات مهربة    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    بورصة البيضاء تنهي التداولات ب "انخفاض"    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    توقيف الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال في مطار الجزائر بعد انتقاده لنظام الكابرانات    رسميا.. اعتماد بطاقة الملاعب كبطاقة وحيدة لولوج الصحفيين والمصورين المهنيين للملاعب    الحكومة تُعزز حماية تراث المغرب وتَزيد استيراد الأبقار لتموين سوق اللحوم    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    خلوة مجلس حقوق الإنسان بالرباط: اجتماع للتفكير وتبادل الآراء بشأن وضعية المجلس ومستقبله    يخص حماية التراث.. مجلس الحكومة يصادق على مشروع قانون جديد    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    القوات المسلحة الملكية تفتح تحقيقًا في تحطم طائرة ببنسليمان    الجديدة.. الدرك يحبط في أقل من 24 ساعة ثاني عملية للاتجار بالبشر    إتحاد طنجة يستقبل المغرب التطواني بالملعب البلدي بالقنيطرة    برقية تهنئة إلى الملك محمد السادس من رئيسة مقدونيا الشمالية بمناسبة عيد الاستقلال    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    "الدستورية" تصرح بشغور مقاعد برلمانية    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا        وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    من الحمى إلى الالتهابات .. أعراض الحصبة عند الأطفال    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مؤامرة خطيرة دبرت ضد غمارة باعتبارها معقلا للعلم و الجهاد و التصوف و الحضارة
نشر في شورى بريس يوم 25 - 10 - 2016

إن التعريف بالتراث الضخم لغمارة الكبرى يشكل جسرا لحوار حقيقي بين الثقافات وتعايشا عادلا بين الحضارات ، بل و فرصة لنفض غبار المكائد الذي وجهت للمنطقة من طرف المركز ، الذي لم يقبل قط بوجود قبيلة على شاطئ البحر تقابل الضفة الأخرى ، و توازيها و أكثر في ضروب الحياة المختلفة ، من علم و تصوف و صنائع و فلاحة و صيد بحري و جهاد ، و غير ذلك مما اشتهرت به غمارة عالميا من خصوصيات و مؤهلات طبيعية و بشرية ، الشيئ الذي ألب ضدها الإخوة الأعداء ، و بذروا فيها عوامل الدمار و الشتات و الضعف .
ولتأكيد أهمية المنطقة من النواحي المختلفة فقد عثرنا على الكثير من المعلومات و الحقائق مخطوطة و مطبوعة و شفهية ، منها ما أفرد لها المؤرخون والكتاب من حيز هام وعلى رأسهم ابن خلدون، وذلك لما لها من شأن عظيم في ميادين الجهاد والعلم والتصوف خاصة، ويعزز هذه الحقيقة القولة المثيرة: « إن تربة أرض غمارة ممزوجة برميم الأولياء»، وعلامة ذلك تظهر على ألسنة أهالي المنطقة في لغتهم ولهجتهم التي تشبه «قاموسا صوفيا»، ففي ربوع غمارة يتناجى الغماريون ويتنادون في كل حين صائحين: «أولايلاه» أي يا أولياء الله.. وفي كل مشكل أو نزاع ينشب بين اثنين أو أكثر يدعى إلى استحضار والاستغاثة ب«الولي الفلاني» أو «الشيخ الفلاني» حيا كان أو ميتا.. وكذلك القسم والحلف. وقد كانت الممارسة الصوفية هي الشكل السائد للتدين في المنطقة كلها، ومما يضفي على المنطقة طابعها التاريخي في مجال التصوف. كثرة الأضرحة التي تأوي أرواح سالكين وعارفين بالله ذاع صيتهم، منهم الشيخ الإمام سيدي محمد بن أحمد البوزيدي السلماني الغماري، الشريف الحسني، وضريحه مشهور ببني زيات التيجساسية، حيث يوجد على مرتفع بين قريتي اسطيحات وتزمورت، في موقع جميل وجذاب مطل علىالبحر وعلى أراضي سقوية شاسعة تظل مخضرة طيلة السنة وتحتوي (الأراضي) على غدران وعيون مائية عذبة.
وشيخنا هذا (سيدي البوزيدي) تفرغ أولا لحفظ القرآن الكريم وتجويده، ثم تجرد للسياحة والعبادة سنين. فلقي بعض الصالحين فقال له: حاجتك بفاس عند مولاي العربي الدرقاوي، فقصده وأحذ عنه، وبقي في خدمته وتحت تربيته نحو ستة عشر سنة، ثم أطلقه من الحجر وأمره بتربية غيره، وشهد له بالخلافة. وقال الشيخ في حق مريده (سيدي البوزيدي): «هو خليفتي حيا وميتا»، وكتب رسالة في شأنه ينوه بقدره، ويحض على تعظيمه ومعرفة قدره، ونصها حسب ما أورده الشيخ أحمد بن عجيبة في «شرح تائية البوزيدي في الخمرة الأزلية»: «إلى كافة إخواننا أهل التجريد الظاهر أهل فاس وغيرهم، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد: فإياكم ثم إياكم من قلب الحقائق، والله ما هي خدمة محمد بن أحمد البوزيدي الغماري لنا إلا لله، والله ما هو عمله إلا لله، ولو كان لغير الله حتى يحيى منها، والله ما خدمنا الله عشر العشر من خدمته، والله ما هو إلا سيدنا كلنا، صغيرنا وكبيرنا أحبننا أم كرهنا، والله لا يتكلم فيه بالسوء إلا فاسق أو منافق، أو مخدوع أو حاسد، أو راض عن نفسه، أو من فيه دعوة نافذة، اللهم ازرقنا ما أعطيته من النية والمحبة والصدق، وبارك في عمره يارب، وارزقنا وإياه الأدب على الأدب حتى نلقاك، يارب، يارب، يارب، يارب، يارب، يارب، يارب (سبع مرات)». ووقع الشيخ رسالته قائلا «وقد كتبه أفقر الورى إلى رحمة مولاه محمد العربي الدرقاوي تاب الله عليه».
وكتب أيضا رسالة أخرى في شأن مريده البوزيدي الغماري المتميز الساطع نجمه، وردت في نفس المصدر، ونصها:
«إلى كافة من بفاس من إخواننا المتعلقين بنا، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد: فقد أجزنا محمد بن أحمد البوزيدي الشريف، فاحترموه وعظموه، ووقروه، وزوروه، واسمعو له إذ هو خليفتنا في حياتنا وبعد مماتنا، رغم أنفسنا، والله ما علمت أحدا من فقراء الوقت يعرف طريق القوم مثله، وأنتم وأنا في أثره لأن شمس سعادته وصلت إلى وسط السماء، وشمسنا وراءه، وقد أحبننا لا بأنفسنا بل بربنا أن يقدم إلى بلده (بني سلمان من غمارة) يذكر عباد الله كسيدي الشاذلي، والله يبارك فيه وفيكم إلى يوم القيامة، وعليكم بالتخلق بالرحمة على الدوام، رزقنا الله ذلك بجاه النبي عليه السلام».
و وقع الشيخ رسالته بقوله: وكتب عبد ربه العربي الشريف الدرقاوي لطف الله به.
وأرسل له رسالة أخرى (انظر نفس المرجع ص 15)، قال في أولها: «بعد الحمد لله والتصلية، اعلم يا أخي البوزيدي أن الله قد أعطاك عطاء كبيرا، حيث فقهك في طريق أوليائه، وجعلك من ورثة أنبيائه، صلوات الله عليهم أجمعين، فاشكره». إلى أن قال في آخرها: «وقد أحببنا بحب الله سيدي محمد البوزيدي أن يتهيأ لزيارة والدته وأهله وبلده، وأن يكون على بصيرة في القدوم على أهله، ليقيم بها يذكر عباد الله، والله يا سيدي محمد بن أحمد البوزيدي ما علمت بقيت لك عندي ولا عند غيري ولنا عندك حوائج، بارك الله فيك وفي حوائجك إلى يوم القيامة».
وقال في وسطها: «اعلم يا سيدي (البوزيدي) أن الله علمك علما لدينا إلى يوم القيامة، وعلم أولادك وأحبابك وأهل وقتك على يدك وعلى يد أولادك، وأولادهم وأولاد أولادهم إلى يوم القيامة..».
ولقد شهد مولاي العربي الدرقاوي لمريده «الشيخ» البوزيدي بالفردانية، ققال: «مقام سيدي محمد البوزيدي مقام الأفراد» ص 16 من نفس المرجع. والفرد كما هو معلوم عند أهل الباطن أكمل من القطب في العلم بالله.
بعد نيله شهادات الاستحقاق وأوسمة الامتياز، وهب سيدي البوزيدي نفسه لدعوة الخلق الغافلين إلى طريق الرحمان وسلك أهل العرفان، وكتب في هذا السياق لمريده أحمد بن عجيبة (دفين الزميج بخميس أنجرة)، قائلا: «إن أردت مفاتيح العلم ومخازن الفهوم، فعليك بالقدوم». يقصد القدوم لديه إلى بني سلمان من تراب غمارة.
ومن أولياء الله المشاهير بأرض غمارة، الشيخ سيدي أحمد الفيلالي، القادم حسب عدة روايات من تافيلالت جنوب المغرب، وحكى لي الأستاذ أحمد الأزرق (رجل تعليم ورئيس أسبق لجماعة اسطيحات) أن قدوم سيدي الفيلالي إلى غمارة كان بإشارة غيبية من النبي صلى الله عليه وآله وسلم. فقصد سيدي الفيلالي فجا عميقا يسمى «اللجوج» بإحدى قمم بني بوزرة.
أخذ الشيخ أحمد الفيلالي طريق السلوك إلى الله عن شيخه أبي محمد سيدي عبدالله الغزواني دفين مراكش، ويروى أن هذا الشيخ (الغزواني) عندما قدم إليه أحمد الفيلالي ليلقنه الورد وأصول الطريقة، قال: «لا إلاه إلا الله سيدي أحمد الفيلالي، نحن أكبر منه سنا وهو أكبر منا فضلا» (انظر الروض المنيف).
وضريح سيدي أحمد الفيلالي مشهور ببني بوزرة الغمارية، حيث وفى سكان القبيلة بوصيته التي أكد لهم فيها على دفنه على رأس قبة جبل مرتفع ليرى ضريحه برا وبحرا.
وقد حضر لجنازته عدد كبير جدا من المشيعين، وصلى عليه الولي الصالح سيدي محمد بن سيدي عبدالله الهبطي ورابط على قبره أسبوعا كاملا، يتلو القرآن ويذكر الله ويصلي على النبي، وقبل مغادرته قبر أحمد الفيلالي خطب في الناس قائلا: «أسعدكم الله يا غمارة بهذا الولي الكريم»، ونظرا لمكانة سيدي الفيلالي في قلوب أهل غمارة، فقد ذبحت في جنازته مائة من الثيران والعجول، ومن المعز والغنم ما يزيد على الألف. انظر مخطوط (الروض المنيف. ص 287). وقد وفر الأهالي لهذه الذبائح ما يلزم من مواد غذائية ونحو ذلك مما يحتاجه الناس.
كانت جنازته رضي الله عنه ك«لمة» أو «موسم» اجتمع فيهما القوم لذكر الله وتلاوة القرآن والصلاة على النبي والتخشع والمديح.
ومن الصوفيات البارز بقبيلة غمارة الكبرى، بنت القطب الأشهر مولاي التهامي (مول السوق الحامي) المتوفاة سنة إحدى وخمسين ومائة وألف 1151، ودفنت بالروضة المنيفة الشريفة الخاصة بأبناء أخيها مولاي علي الكبير مؤسس زاوية دار الضمانة بغمارة.
قضت للا الهاشمية حياتها عابدة زاهدة إلى أن قبض الله روحها وهي عازبة لأنها لم ترغب في الزواج مخافة أن يلفتها عن سلوك مسلك أهل اليقين، رغم تهافت أبناء علية القوم والأعيان على خطبتها، ودفن إلى جانبها ابن أخيها سيدي العربي.
ومن المشهور عنها تشبثها في مذهب التصوف السني والسلوك إلى الله بمنهج أبيها ومنهج العارفة بالله رابعة العدوية، وبفضل ذلك نور الله حياتها بكرامات وخوارق لازال السكان الأمناء الثقاة يروون بعضها.
وكان سبب قدوم للا الهاشمية إلى غمارة وبالضبط إلى بواحمد التيجيساسية واجب صلة الرحم، ثم أقبل عليها الناس من كل حدب وصوب، يرجون بركتها ويلتمسون دعاءها، فشاءت الأقدار أن تدفن بين أحضان محبيها بتلك الأرض الطاهرة، ليصبح بعد ذلك ضريحها مزارة شهيرة يقصدها الخاص من محبي العترة النبوية، والعام من المتوسلين، لحد الآن.
ويوجد بمدشر «أشتى» قريبا من «بني بحلو» ببني سلمان ضريح الولي الصالح حفيد مولاي علي الكبير، «سيدي التهامي»، وله في قلوب الغماريين السلمانيين والمطراسيين وغيرهم مكانة خاصة. وأسس بنو عمومة مولاي علي الكبير «ببني بارون» فرعا لزاويتهم الطيبية على يد صاحب «الروض المنيف» سيدي عبدالله بن الطيب، وبعد ذلك انتقل نسبهم إلى «بني خالد» في شخص سيدي التهامي أب سيدي المكي، وانتقل نسبهم أيضا إلى «قاع أسراس» الشاطئية في شخص سيدي محمد زين العابدين، وأسس بها النواة الأولى للزاوية الطيبية، وخلفه من بعده ابنه الشريف سيدي الطيب المزداد سنة 1915م ب«بني بارون» والمتوفى سنة 1993 بقاع أسراس، وبها دفن، وقبره معروف لدى أهل غمارة.
وعرفت قبيلة غمارة الكبرى في شخص النسب الأحمدوني (آل أحمدون) بالطب النادر، حيث تميزت هذه الأسرة بمهارة وحكمة قل نظيرها في هذا المجال، كمعالجة الفك والكسور والحروق والرضوض وأمراض أخرى مختلفة، وكانت الشهرة في هذا العلم لهذا النسب دون سواه.
تأسست الزاوية «الأحمدونية» أواخر القرن العاشر الهجري (16م)، ومن أشهر أطبائها محمد أحمدون وهو الذي حول مركزها من مدشر «أتليغا» إلى قرية «ترزات»، وكان خليفته في مهنة الطب ابنه الحسن أحمدون، ثم تواتر سرهم في المهنة من أب إلى ابن إلى حفيد حتى وصلت إلى الحاج الصديق، وكان لهذه الأسرة شهرة واسعة، ليس فقط على مستوى قبيلة غمارة فحسب، بل على مستوى منطقة الريف ومناطق أخرى متباعدة.
هاجر آل أحمدون إلى مدينة تطاون حاملين إليها مهنتهم الشريفة النادرة سنة 1897 - 1315. وعلى رأسهم محمد بن المكي أحمدون والزبير بن المكي والمختار بن عبدالخالق أحمدون.
وكان لنفس الأسرة مكانة لدى العامة والخاصة في ميدان مكافحة المستعمر وأعوانه، وفي هذا ضرب السيد لحسن أحمدون المثل والقدوة، حيث كان أحد مستشاري محمد بن عبدالكريم الخطابي في منطقة غمارة، فاعتقله إثر ذلك أحد الزعماء الموالين للمستعمر، المناوئ لثورة «أمير الريف وغمارة»، وظل سبع سنوات في زنزانة منفردة، برنامجه اليومي كثرة الذكر والدعاء، فرفع الحارس أمره الغريب إلى الزعيم المذكور ناصحا إياه بالتخلص منه فورا، فملئ قلب الزعيم رعبا وأطلق سراحه مكرها مع إبقائه تحت مراقبة وترصد المخبرين والوشاة.
فلجأ المعتقل المفرج عنه مباشرة إلى دار الضمانة ببواحمد وآواه أهل زاويتها وأكرموه ووفروا له المأوى والمؤونة والأمان. ومكث مكرما معززا بالزاوية بصفته لاجئا سياسيا إلى أن وافته المنية بنفس القرية، ودفن بمقبرة سيدي «اكحل العيون»، وقبره معروف بها يقصد للزيارة والتبرك.
ومن العلامات التاريخية البارزة، الدالة على وجاهة ومكانة سكان غمارة ذوي الأصول المختلفة ودورهم الفاعل في الدفاع عن الدين والوطن، تعدد المقابر والروضات المسماة «المجاهدين»، في تربتها دفنت جثامين المجاهدين الطاهرة بعد سقوطهم شهداء برصاص ومدافع المستعمر البرتغالي والإسباني.
هذه المقابر في حاجة ماسة إلى التدخل العاجل قصد ترميمها والاعتناء بها، وبناء نصب تذكارية تعرف بقيمة المبادئ التي ضحى من أجلها أبناء المنطقة، وتؤرخ لفترات غابرة من تاريخنا العظيم. وتتألف تلك الكتائب والمجموعات الجهادية في معظمها من السكان الغماريين، ومنهم أيضا إخوانهم الأندلسيون الذين هجروا من إسبانيا بعد أن نقضت الملكة إيسابيل والملك فيرناندو العهد والقسم الذين قطعاه على نفسيهما تجاه المسلمين فأصدر ت Isabel La Catolica يوم 6 شعبان 907، الموافق ل 14 فبراير 1502 مرسوما مشؤوما يقضي بطرد جميع أبناء المسلمين بنية استئصالهم. فاستقروا في شواطئ شمال المغرب، وأقاموا بها قواعد ورباطات للاستعداد لمجابهة المد العنصري الإسباني. ولازال أحفادهم مقيمين بغمارة، مميزين عن غيرهم بألقابهم وأخلاقهم، وعلى رأس النقط الشاطئية التي استقر الأندلسيون بها، شواطئ غمارة الكبرى: كالجبهة وتاغصة وتيكساس وترغة وقاع أسراس.. ومن أهم آثارهم بتيجيساس المسجد الجامع بقرية «كلدت» من بني زيات.
وحازت غمارة الكبرى على نصيبها من حكمة وحكم شرفاء الدولة الإدريسية بعدما فتحوا المغرب الأقصى فكانوا كما يقول عبدالباري الطيار في كتابه «ثوار وأنبياء من غمارة» «يبعثون الفقهاء إلى القبائل ليلقنوهم تعاليم الدين الأساسية ويحفظونهم القرآن الكريم، وسيحقق الإسلام انتصاره الحاسم والنهائي في غمارة على يد عمر بن ادريس الثاني عاملا على تيجيساس وبنيه، حيث سيتعلق الناس بهم وسيخضعون لهم خضوعا مطلقا. ونتيجة لذلك، خاض عمر بن مولاي إدريس الثاني حروبا كثيرة انتصروا فيها انتصارا ساحقا. ومنذ ذلك الحين، أي منذ العقود الأولى من القرن الثالث الهجري، تبنى الغماريون قضية الأدارسة وأصبحوا جنودهم وخدامهم، وعبروا لهم عبر التاريخ كله عن ولاء ومحبة لا حدود لهما وهذا يؤكد الكاتب باعتراف جميع المؤرخين. ولا شك أنهم فعلوا ذلك لعدالة الأمراء الأدارسة مقارنة مع غيرهم ولأنهم ينتسبون إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم»(ص 16).
وسيدي عمر بن مولاي إدريس الثاني، حاكم تيجيساس، هو مؤسس الجامع العتيق (الإحسان) بتندمان، الذي درس فيه سابقا المرحوم الفقيه الصوفي المقتدر العياشي أعراب حفيد المجاهد سيدي يحيى أعراب، ويدرس فيه حاليا الفقيه المحترم عبدالله الميموني. وعلى مرتفعة قريبة من هذا الجامع الإدريسي العتيق دفن سيدي أحمد بن عمر بن مولاي إديس الثاني، وضريحه مزارة مشهورة عند أهل غمارة وتيجيساس وغيرهم.
إن خلاصة ما كتبناه وهو جزء يسير من التاريخ الموثق والشفهي، عبارة عن استقراءات شخصية منتقاة، ناشئة عن تأمل الأحوال الثقافية والتاريخية الخاصة بمنطقة «مظلومة» لم تكتشف بعد، التي نسجت ذهنيات وتراث أهلها ثقافات مختلفة وحضارات متعاقبة، نهلت جلها من الفتح الإسلامي وتأثرت بحملات صليبية واستعمارية متتالية.
في فترة تتكاثر فيها «الأيادي السوداء» الملطخة بغبار التدمير الذي تمارسه على مآثر ومعالم وأرشيف غمارة الكبرى بغية تعريض أهلها لعملية محو وتشويه ما «بذاكرتهم الجماعية»،يتعين على كل المثقفين والمؤرخين ومن لهم بصيص غيرة على وطنهم، تحمل كامل المسؤولية فيما ترتب أو سيترتب عن السياسة الممنهجة التي تمارسها الأيادي السيئة الذكر، على الأجيال الصاعدة والمستقبلية من جهل ونكران للحقائق التاريخية، ذلك بالتعريف بها وبتراثها وبمآثرها وبأعلامها، وتخصيص قراءات فيما كتب عن المنطقة، ونشره على أوسع نطاق وبكل الوسائل الحديثة المتاحة لتقريبه من التلميذ والطالب (والأمي). وجعل كل ذلك التراث الضخم لغمارة الكبرى جسرا لحوار حقيقي بين الثقافات، وتعايشا عادلا بين الحضارات
بقلم عبد الإله الوزاني التهامي .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.