تعود هذه الذكرى الى سنة 1972 حين قادتني ظروف العمل للإقامة بهذه المدينة التاريخية الجميلة . وأول ما استهواني بها ساحة جامع الفنا ، بألعابها السحرية المتنوعة وببهرجتها وصخبها ليل نهار ، ولذالك فقد كنت دائم التردد عليها ، وأحيانا أجلس لأستريح بشرفة مقهى الساتيام القريبة . وذات يوم وأنا جالس بهذا المقهى ، جاءني رجل وطلب مني السماح له بالجلوس معي في نفس الطاولة ، اذ لم يكن هناك مكان شاغر . أذنت له بالجلوس وشرعنا نتجاذب أطراف الحديث من هنا وهناك ، وعندما سألته عن مهنته قال لي : أشتغل بالتجارة ( نعام أس..) ، آتي ببعض السلع والبضائع المهربة من ميناء الدارالبيضاء من قبيل الأقمصة وغيرها ، لأبيعها هنا في مراكش للأصدقاء وبثمن مناسب جدا . وبعد أن تحدثنا عن أنواع السلع الأخرى التي يأتي بها كما يقول ، طلبت منه أن يبيع لي قميصا مما يستورده . فأخبرني أن بعضها وهي من النوع الجيد والممتازما يزال موجودة لديه في مكان قريب ، ثم نهض مسرعا ليلبي لي الطلب ، وليأتيني بقميص ، بعد أن تراضينا على ثمنه وهو ( 60 درهم ). ولم تمض إلا لحظات حتى جاءني مبتسما وهو يقول ويردد : عندك الزهار نعم السي ، هذا القميص الوحيد اللبقى من المزيانين هههههههه . ناولني إياه وناولته الورقة من فائة المائة درهم على أن يرد الصرف ، إلا أنه إعتذر عن عدم وجوده لديه ، واستأذنني في الذهاب للبحث عنه في الدكاكين القريبة ثم يعود ، في حين بقيت أنا مسمرا في مكاني أنتظر الذي يأتي ولا يلأتي ! متأبطا "الكرطونة " التي بها القميص ؟ ولما طال الإنتظار قلت في نفسي ، لماذا لا أشاهد القميص كيف هو شكله ولونه ، فإذا لم يعجبني ٍسأطلب منه استبداله بآخر ، وفي ترقب ولهفة متناهية ، فتحت " الكرطونة " فإذا هي فارغة وخااااااااااااااااااوية !!