رابطة العمل الشيوعي – جريدة: الثورة يعرف الصراع الطبقي بالمغرب في الآونة الأخيرة تصاعدا قويا. ويثير هذا الوضع، بطبيعة الحال، رعب الطبقة السائدة التي تعمل كل ما في مستطاعها لعزل معاركه عن بعضها وإطفائها الواحدة تلو الأخرى، بتكتيكات تختلف حسب الظرفية وطبيعة الحراك ومطالبه وعمقه وقوته، إلى آخره من الحيثيات. خدامها الإصلاحيون بدورهم حاضرون في صف القوات المساعدة، فعندما يعجز القمع المباشر عن تحقيق المقصود، تتحرك فيالقهم من أجل خداع الجماهير وتحريف سهامها عن رأس الأفعى. تتمثل مهمتهم في محاولة إقناع المحتجين بأن مشاكلهم مرتبطة بهذا المظهر أو ذاك من مظاهر الاضطهاد، بهذا المسؤول أو ذاك، وليس بالنظام الرأسمالي الدكتاتوري القائم نفسه والطبقة الحاكمة ودولتها في شموليتهم؛ كما تتمثل في محاولة إيهامهم بأن الحل يكمن في تحقيق هذا المطلب أو ذاك، مع التأكيد على أنه من الأفضل أن يكون المطلب آنيا وفئويا وبسيطا، “فكل صغير جميل”، كما يقول المثل. لكن الواقع هو أن مشاكل الجماهير، وإن اختلفت في مظاهرها: مشكل البطالة والبنية التحتية والغلاء والاعتداء على الكرامة الإنسانية والتهميش والاعتراف بالهوية الثقافية والحريات السياسية، الخ الخ، كلها مشاكل سببها واحد: إنه النظام الرأسمالي الدكتاتوري القائم. كما أن حلها لن يكون بأي قدر من الإصلاحات مهما كانت، بل بالتغيير الثوري العميق للمجتمع. إن سياسة التقشف والتهميش والبطالة وغيرها من المشاكل، ليست نتاجا لأخطاء هذه الحكومة أو تلك، بل هي نتاج طبيعي للنظام الرأسمالي القائم عالميا ومحليا. لا يمكن القبول بالرأسمالية ورفض نتائجها، وبالتالي فإنه للنضال الجذري من أجل القضاء النهائي على تلك المشاكل كلها لا بد من النضال الثوري من أجل القضاء على النظام الرأسمالي نفسه واستبداله بنظام اشتراكي. النظام القائم في المغرب نظام مفلس نهائيا وغير قابل مطلقا لأي إصلاح¹. إنه نظام لم يخلف بعد أزيد من ستين سنة على ما يسمونه “الاستقلال” سوى الخراب والفقر والتخلف، الخ. صحيح أن مرتزقة النظام القائم، في الإعلام ومراكز البحث والأحزاب الرسمية، يقولون العكس، فيصورون المغرب بكونه “اقتصادا صاعدا” و”واحة للاستقرار” و”نموذجا يحتذى بالنسبة لباقي بلدان إفريقيا والشرق الأوسط”… لكن الواقع هو ما تفضحه الأرقام، فلنتركها تتكلم: ارتفع عجز الميزان التجاري خلال الأشهر التسع الأولى من عام 2016 بنسبة 17,2%، بقيمة 20 مليار درهم وسجل ميزان المدفوعات عجزا في معاملات الحساب الجاري، بقيمة 26,7 مليار درهم، وقد بلغ العجز خلال يناير الماضي 12 مليار درهم ، مقارنة مع 9,3 مليار درهم في نفس الفترة عام 2016. هذا العجز البنيوي الدائم والمتصاعد دليل قاطع وجلي على الإفلاس التام لنظام الطبقة السائدة في المغرب، نظام الرأسمالية التبعية المبني على احتكار طبقة من الطفيليات، ليست سوى أقلية ضئيلة في المجتمع، لأهم القطاعات وبنائها لثرواتها على أساس تسهيل النهب الإمبريالي وتصدير ثروات المغرب في شكلها الخام، إلى جانب باقي الجرائم المصاحبة للرأسمالية بطبيعتها مثل تهريب الأموال والتهرب الضريبي، الخ. ولتغطية العجز تلجأ الحكومة إلى سياسة الاقتراض وهو ما أدى إلى ارتفاع صاروخي للمديونية. وفي هذا الصدد كان المكتب الدولي للدراسات “ماكينزي” قد صنف المغرب بكونه أكثر البلدان الإفريقية والعربية مديونية، محتلا الرتبة 29 بمعدل مديونية يصل إلى 136% من الناتج الداخلي الإجمالي. وقد بلغت ديون الخزانة 64,7% من الناتج المحلي الإجمالي سنة 2016. كما تحتاج الحكومة حاليا إلى حوالي ثلاثة ملايير دولار لسد عجز الميزانية، وهي بالفعل تحضر للجوء إلى أسواق الدين العالمية في 2017 عن طريق إصدار سندات بمليار دولار… إن المستقبل الذي تهديه الطبقة السائدة وحكوماتها المتعاقبة للشباب الكادح والعمال وعموم الفقراء، هو حلقة جهنمية من الديون وسياسة تقشف وحشية تقوم على المزيد من الاقتطاعات وتخفيض مناصب الشغل، في القطاعات الاجتماعية الحيوية، ورفع الدعم عن المواد الأساسية وضرب صندوق المقاصة، وخوصصة القطاعات العمومية وعلى رأسها التعليم، الخ. الأوضاع المعيشية للجماهير صعبة ومأساوية، وهذا ما تؤكده المندوبية السامية للتخطيط، حيث أعلنت في تقريرها الأخير أن ثلث الأسر المغربية (32,3%)، تضطر إلى الاستدانة لتلبية نفقاتها الأساسية. و44,2% من الأسر المغربية صرحت بتدهور مستوى المعيشة خلال الفصل الرابع من 2016. هذا وقد صنف تقرير أمريكي المغرب في المرتبة 27، من أصل 30 دولة التي تعرف أقل تكلفة معيشية في العالم، بتكلفة معيشة أغلى من كازاخستان وجورجيا، وأيضا تونس والجزائر ومصر، بل أغلى حتى من روسيا والمكسيك!! وبخصوص البطالة نشير إلى أنه سنة 2016 وحدها أفلست 7216 شركة، بزيادة 21,2% مقارنة مع 2015، وتم فقدان 37.000 منصب شغل. إلا أن التقارير الرسمية (المندوبية السامية للتخطيط بالمغرب) تتحدث، رغم ذلك، بابتهاج عن تراجع نسبة البطالة سنة 2016 مقارنة مع 2015. ابتهاج ليس له ما يبرره إذا علمنا أن هذا “التراجع” ليس سوى رقم هزيل هو 0,3% !! حيث انتقلت من 9,7% عام 2015 إلى 9,44% فقط، سنة 2016. وحتى ذلك التراجع الهزيل ليس مؤشرا على صحة الاقتصاد ولا على تحسن أوضاع الشباب. لكي نفهم بشكل جيد أسباب هذا “التراجع” علينا أن نأخذ بعين الاعتبار المعطيات التالية: 20,5% من العمال أي 2.178.000 عامل، لا يتقاضون أجرا عن العمل الذي يقومون به (اشتغال في حقل الأسرة أو الورشة العائلية، الخ)؛ كما أن 9% من العمال أي ما مجموعه 958.000 عامل، هم عمال موسميون أو مصادفاتيون؛ إضافة إلى أن ثلثي العاملين، أي ما مجموعه 3.093.000، هم عمال بدون عقد عمل؛ و78,4% من العمال لا يتمتعون بحق التغطية الصحية. إنه الاستغلال البشع من طرف الرأسماليين للأوضاع من أجل امتصاص دماء العمال بأجور البؤس وساعات العمل الطويلة والحرمان التام من الحقوق. أكبر المتضررين هم الشباب الكادح، والذي يرمى به إلى الهامش بدون عمل ولا أمل. قال تقرير للمندوبية إن شابا مغربيا من بين كل أربعة شباب (عمرهم ما بين 15 و24 سنة)، أي ما يساوي 1.685.000 شاب، لا يدرس ولا يعمل ولا يمارس أي تكوين. يالها من جريمة في حق هؤلاء الشباب وفي حق المستقبل! يا له من هدر رهيب للطاقات ما أحوج المجتمع إليها! يكفينا أن نتخيل كم هناك من العباقرة والمواهب بين هؤلاء الشباب وبين من سبقهم إلى التهميش ومن سيأتي بعدهم. هذا هو “مغرب الرفاه” و”الاقتصاد الصاعد” في ظل “القيادة المولوية الحكيمة”، كما تفضحه الأرقام الرسمية، بينما الواقع أبشع بكثير. هذا هو المغرب في ظل حكم الطبقة الرأسمالية بعد مرور أزيد من ستين سنة على ما يسمى بالاستقلال. وهذا هو المستقبل الوحيد الذي تقدمه لأجيال من الشباب الصاعد، المتعلم وغير المتعلم، في البادية وفي المدينة، نساء ورجالا. هذا رغم أن المغرب بلد غني جدا جدا بالثروات: الشباب يمثلون أغلبية السكان، قادرون على العمل وإبداع ويرغبون في ذلك، بل يتحرقون شوقا لمنصب شغل، ويضطرون لرمي أنفسهم في البحر بحثا عن فرصة للعمل. أما الثروات الطبيعية فقلما يتوفر لبد بحجم المغرب كل الثروات التي يتوفر عليها: نسبة الأراضي الصالحة للزراعة من مساحة المغرب هي%12، أي ما يعادل 90 ألف كيلومتر مربع (9 ملايين هكتار)، وهي مساحة تزيد عن مساحة كل من هولنداوبلجيكا مجتمعتين (حوالي 72.000 كيلومتر مربع) وتساوي ثلاثة أضعاف مساحة بلجيكا (30.528 كيلومتر مربع). الثروة السمكية هائلة بدورها، فحسب احصاءات منظمة الأغذية والزراعة، حل المغرب، سنة 2014، في المرتبة 18 عالميا والأولى عربيا بمليون طن من الأسماك. ورغم ذلك فإن23% من الأطفال المغاربة مصابون بالتقزم، و10% يعانون من نقص في الوزن، و12% مصابون بالهزال. كما يتوفر المغرب على ثروة معدنية مهمة، ممثلة أساسا في الفوسفات، إذ يحتضن أكبر احتياطي في العالم (%75 من الاحتياطي العالمي) ويحتل المرتبة الثالثة عالميا في الإنتاج بحوالي 29.5 مليون طن سنويا، وهو أول مصدر لهذه المادة بما قيمته حوالي 14,49 مليار دولار. وتقدر نسبة اليورانيوم الممكن استخراجها من الفوسفاط المغربي بستة ملايين طن أي ما يعادل ضعف المخزون العالمي المكتشف حاليا. وطبقاً لتقرير هيئة المساحة الجيولوجية الأمريكية يتصدر المغرب المرتبة الأولى عربيا في إنتاج الفضة، حيث بلغ إنتاجها، عام 2009 على سبيل المثال، 178 طن. وتصدّر المغرب كذلك المرتبة الأولى عربيا في إنتاج النحاس، حيث بلغ إنتاجها في نفس السنة 28,7 طن. ولا ننسى أنه يحتل المرتبة 61 عالميا في إنتاج الذهب. ويضم مخزونا هائلا من الحديد ومعادن أخرى من قبيا الرصاص والمنغنيز والكوبالت والزنك والأنتيمون والفليور، الخ، الخ. كما أن إنتاج البلاد من الغاز الطبيعي يغطي ما يقارب 20% من الاحتياجات. لكن كل هذه الثروات الهائلة محتكرة من طرف أقلية قليلة، على رأسها الاسرة المالكة وبضع عشرات من العائلة المرتبطة بها وجنرالات الجيش ومن والاهم. في حين تعيش الأغلبية الساحة من أبناء الشعب ظروفا قاسية. هل يبدو هذا وكأنه نظام يستحق البقاء؟ هل يبدو هذا وكأنه نظام قابل للإصلاح؟ كلا على الإطلاق. ليس هناك من إصلاح يمكنه أن يحول هذا النظام إلى قاطرة للتقدم والمساواة والعدالة. إن الحل الجذري الوحيد هو النضال من أجل التغيير الاشتراكي للمجتمع: تغيير تقوده الطبقة العاملة، على رأس الجماهير الكادحة الفقيرة في البوادي والمدن، تستولي من خلاله على السلطة والاقتصاد، وتصادر ممتلكات الرأسماليين الكبار (الأرض والمناجم والشركات والأبناك…) وتضعها تحت الرقابة الديمقراطية لمجالس العمال والفلاحين الفقراء، أي المنتجون الحقيقيون للثروة والذين يشكلون أغلبية المجتمع. يصور أعداؤنا هذا البديل الذي نقترحه عليكم، أيها العمال وأيها الشباب الثوري، وكأنه حلم طوباوي مستحيل التحقيق، لكن الشيء المستحيل حقا هو إمكانية بقاء هذا النظام لأجيال أخرى، مثلما أنه من المستحيل إصلاحه لكي يصير في خدمة الشعب بأكمله. هذا ما تؤكده الوقائع، أما البديل الاشتراكي فممكن وضروري وراهني جدا. ليس استمرار نظام التخريب والنهب والجشع والاستغلال هذا مدة أطول، سوى استمرار للتخلف والجوع وتهميش الشباب والتقزم والهزال، الخ، أي بعبارة واحدة: الهمجية. تمثل هذه السنة 2017، الذكرى المائوية لثورة أكتوبر 1917 الاشتراكية العظمى. حتى في ذلك الحين، عندما قامت الطبقة العاملة والفلاحون الفقراء لأخذ مصيرهم بأيديهم وحسم السلطة وتغيير المجتمع لصالحهم، كان العالم مشرفا على الهاوية. كان العالم آنذاك غارقا في حرب دموية أوصلت الحضارة البشرية إلى حافة الهمجية، بسبب جشع الرأسماليين وصراع الإمبرياليين على اقتسام العالم فيما بينهم، وكان الوضع في روسيا وضع التخلف والمجاعة وهزال الأطفال وتهميش الشباب، واحتكار كل الثروات الهائلة، التي تتمتع بها روسيا، من طرف أقلية من الطفيليات. كان اليأس هو الشعور “الطبيعي”، وكان التفاؤل بغد أفضل يبدو حمقا، لكن الطبقة العاملة الروسية نهضت، بقيادة الحزب البلشفي واجترحت المعجزة. واليوم ونحن مقبلون على الذكرى المائوية لثورة أكتوبر الاشتراكية، 25 أكتوبر 1917، مطالبون بدراسة تجربة تلك الثورة كيف نجحت ولماذا تعرضت لاحقا للانحطاط. وأهم درس من دروسها بالتأكيد هو الحاجة إلى بناء حزب عمالي اشتراكي ثوري، مثل ذلك الحزب الذي قاد تلك الثورة قبل قرن من الزمان، ما نحتاجه هو حمل نفس الراية التي رفعها هؤلاء العمال والفلاحون والشباب الثوري ليجترحوا ما كان يبدو مستحيلا آنذاك: راية لينين وتروتسكي. هوامش: 1: بالمناسبة على هؤلاء السادة الإصلاحيين أن يقدموا للشعب المغربي حصيلة ستين سنة من محاولات إصلاح النظام، وما هي المنجزات العظيمة التي حققوها.