صرح عبد اللطيف الجواهري والي البنك المركزي, على هامش اجتماع مجلس محافظي البنوك المركزية العرب في أبو ظبي , أن المغرب سينتهج هذه السنة 2017 سياسة صرف مرنة. و لو أن البنك المركزي يعلن عن هذا منذ سنوات فان الضغوط التي يمارسها عليه صندوق النقد الدولي فيما يخص هذا الموضوع قد تجعل مرور بنك المغرب الى تحرير سعر الصرف ضمن أولوياته على المدى القصير. البنك المركزي يسعى بهذه الخطوة الى تهيئ الشروط لوضع سياسة نقدية مبنية على نظام “استهداف التضخم”. هذا النظام, الذي يعتبر أحد الانظمة المباشرة لتثبيت الاسعار, يأخذ من نسبة التضخم التي يتم اختيارها مسبقا و اعلانها للرأي العام هدفا أساسيا. نظام”استهداف التضخم” الذي تم اعتماده لأول مرة من طرف البنك المركزي النيوزلندي, أصبح من الانظمة التي تعتمدها البنوك المركزية في البلدان النامية. غير أن ترسيخ هذا النظام لابد له من شروط مسبقة و أهمها استقلالية البنك المركزي, سياسة نقدية شفافة و مسؤولة, غياب سيطرة سياسة الموازنة على السياسة النقدية و سعر صرف محرر بالإضافة الى بعض الشروط التقنية المتعلقة بأليات السياسة النقدية. ضرورة تحرير سعر الصرف لاعتماد نظام “استهداف نسبة التضخم” ترجع الى استحالة استهداف البنك المركزي لنسبتين واحدة للصرف وواحدة للتضخم. لان هذا يفقد السياسة النقدية مصداقيتها و يؤدي, و هذا الاهم, الى تضارب في أهداف السياسة النقدية. في المغرب, يمكن أن نعتبر أن الشروط الاقتصادية و التقنية لاتباع نظام “استهداف التضخم” متوفرة ماعدا الشرط المتعلق بسياسة الصرف, و انه بتحرير هذا الاخير تصبح جميع الشروط مواتية للمرور الى النظام السالف الذكر.المدافعون عن تحرير سعر الصرف, يدعمون موقفهم بكون سياسة سعر الصرف الثابت تحول دون فتح ” حساب رأس المال ” ودون استفادة المغرب من رؤوس الاموال الخارجية وهو ما يسمى في الادبيات الاقتصادية ب “لاتوافقيةمانديل” التي تنص على عدم امكانية أي بلد التوفيق بين سياسة نقدية مستقلة وسعر صرف ثابت واستقلالية في تدبير السيولة ( فتح حساب رأسالمال). ولكن ما يجب التنبيه اليه هو أن تحرير نظام الصرف لا يرتبط فقط بالسياسة النقدية بل بمجموع قطاعات الاقتصاد الوطني. و لعل أهم هذه القطاعات التي تتأثر بالسياسة المتبعة في الصرف هو قطاع التجارة الخارجية. فخضوع سعر الصرف لقانون العرض و الطلب سيجعل التجارة الخارجية رهينة باي صدمة تتلقاها العملة في السوق. ارتفاع قيمة العملة المغربية أكثر من المفروض سيؤدي الى انخفاض الطلب على الصادرات, في حين انخفاض قيمة العملة سيرفع من كلفة الواردات و سيؤثر سلبا على نسبة احتياطي العملات. هذا الاحتياطي الذي يشكل دعامة أساسية من دعائم استمرارية الدولة. و لا بد من الاشارة الى كون مستوى احتياطي جيد من العملات, من الشروط الاساسية للمرور الى تحرير نظام الصرف. الازمة الاقتصادية العالمية كانت قد اثرت على مستوى احتياطي العملات في المغرب, بعد انخفاض الطلب الخارجي و ارتفاع أسعار المواد الأولية في الاسواق العالمية. و للتذكير فان سعر الصرف الثابت ساهم في تقويض تداعيات الازمة الاقتصادية في المغرب. يبقى السؤال اذا كان الهدف من تحرير سعر الصرف هو تبني نظام “استهداف نسبة التضخم”, هل العمل بهذا النظام يعتبر أولوية اليوم في ظل مناخ عالمي متسم بتراجع نسب التضخم عالميا و بتراجع نسب النمو و ببداية الحديث عن شبح الانخفاض العام للأسعار. ألسنا مطالبين بإعادة هيكلة اقتصادنا الوطني, بتدعيم قطاع التجارة الخارجية الذي يركد منذ عقود و تمكينه من الاستفادة من سعر صرف تابت حتى يصبح قطاعا فعالا و قويا و مساهما حيويا في الاقتصاد الوطني و في خلق الثروة. للإشارة فالدول النامية التي استطاعت أن تحقق اقلاعا اقتصاديا اعتمدت على سياسات صرف مدعمة للاقتصاد و للتجارة الخارجية. الصين اعتمدت في الاربع عقود التي شيدت فيها صرحها الاقتصادي على مراقبة سعر الصرف و توجيهه لخدمة نموذجها التنموي المبني على الصادرات. دون ان تعير الدعوات الامريكية و الاوروبية للرفع من قيمة عملتها أدنى اعتبار. عند اندلاع الازمة العالمية في سنة 2007كانت الصين تتوفر على أكبر احتياطي عملات في العالم و في الشطر الثاني من السنة المنصرمة خفضت الصين من قيمة عملتها كإجابة مباشرة على تراجع مستوى صادراتها. استنادا الى ما سبق يمكن ان نقول أن الاقتصادالمغربي ليس مؤهلا لخطوة من هذا القبيل, و أن الأولوية الان ليست لإرساء نظام “استهداف نسبة التضخم” أولا لأن البنك المركزي يستطيع تثبيت الاسعار بالسياسة النقدية المتبعة حاليا و ثانيا لأنه كما أسلفنا المناخ العالمي و الوطني ليس مهددا بشبح الارتفاع العام للأسعار و ثالثا لان الاولوية تتجلى في أرساء نموذج تنموي مغربي قادر على تحقيق نسب نمو محترمة و على تبويء المغرب مكانة مهمة بين مصاف الدول النامية. هذا النموذج الذي من المفروض أن تلعب فيه الصادرات دورا استراتيجيا. تحرير سعر الصرف من شأنه ان يضر بهذا الهدف. استاذة الاقتصاد – جامعة ابن طفيل