مرت وتمر بالعالم تحولات اقتصادية واجتماعية واسعة وتغيرات إقليمية ودولية أدت إلى نشوء النظام العالمي الجديد الذي لم يقم في الحقيقة على الحوار بل فرضته دولة أو دول بفعل قوتها وسيطرتها، لذلك يجب تسميته بالنظام الجديد للعالم الذي نادى بعولمة الاقتصاد. وبحرية التجارة الخارجية واعتماد اقتصاد السوق والذي من ميزاته الشركات المتعددة الجنسيات العابرة للقارات ذات السيطرة الكبيرة، والذي يتبنى الحد من تقديم الخدمات الاجتماعية من قبل الحكومة والحد من صلاحياتها والتخلي عن وظيفتها الاجتماعية والاكتفاء بممارستها لحق السيادة أي القيام بوظيفتها التقليدية، والذي ينفذه كل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية. كل ذلك من شأنه التراجع عن المكتسبات الاجتماعية والاقتصادية للمواطنين، ولاسيما في الدول النامية، وخلق حالة من عدم الاستقرار الاجتماعي والنفسي، مما يؤدي إلى عدم زيادة الإنتاج وعدم تطوير جودته في هذه الدول، إذا لم ترافق هذه الإجراءات إصلاحات ضمن تصور كلي وخطة اجتماعية واضحة المعالم. الصناعة في المجتمعات المتقدمة الصناعة والتصنيع ليس هدفاً مجرداً بحد ذاته، بقدر ما هو تلبية لحاجات المواطنين ومساهمة في دعم الاستقلال السياسي برفده باستقلال اقتصادي حقيقي، فهو يقوم في الدول المتقدمة على الإنتاج الكبير لسوق واسعة بكميات كبيرة وبكلفة أقل، مستخدمة التكنولوجيا الحديثة التي تعمل على تطوير الإنتاج وأساليبه وإدارته وتسويقه وخلق صناعات مستقبلية متطورة، تستند إلى اكتشافات حديثة وبحث علمي في تطور دائم ومستمر، مما يؤدي إلى خلق مجتمعات صناعية جديدة بأسسها وهيكلها وعلاقاتها، وترك الصناعات الملوثة للبيئة أو التي تحتاج إلى عمالة كبيرة. الصناعة في العالم الثالث يمكن أن يوصف العالم الثالث بأنه عالم متخلف ذو تبعية للدول الرأسمالية المتقدمة، أي ذو الاقتصاد التابع، باستيراده للآلات وقطع التبديل والمواد، والمتسّم بناتج قومي ومتوسط دخل فردي منخفضين وصناعة خفيفة ضعيفة كماً ونوعاً ومهارة فنية متدنية وتقنية بسيطة، وتراكم رأسمالي منخفض. الصناعة في الوطن العربي أما في الوطن العربي فتتصف الصناعة عامة بأنها ضعيفة متكررة، فهي متنافسة غير متكاملة تعرقل مستقبلاً خطوات التكامل الاقتصادي العربي، الأمر الذي يتطلب القيام بخطوات تنسيق تمهيدية تتبعها خطوات من أجل الوصول إلى تكامل اقتصادي فوحدة اقتصادية عربية، ومن أجل وصف واقع الصناعة في الوطن العربي لابد من الإشارة إلى أن هذه الصناعة تختلف من قطر عربي لآخر حسب ظروف كل منه وحسب تطور اقتصاده. ويمكن تقسيم الدول العربية إلى ثلاث مجموعات حسب هيكلها الصناعي ومكانة الصناعة في اقتصادها الوطني: فالمجموعة الأولى: تضم كلاً من مصر وسورية ولبنان والأردن والمغرب وتونس وهي دول ذات كثافة سكانية مرتفعة، كونت نواة صناعية استهلاكية مبكرة نسبياً متنوعة الهياكل الاقتصادية وذات إنتاج متوازن إلى حد ما بين عدد من الفروع الصناعية يعادل الزراعة والقطاع المنجمي، فالفوسفات والنفط والصناعات التحويلية كالمنسوجات والألبسة الجاهزة والأغذية والتبغ والجلديات والخشب والأثاث تشكل أساس بنيانها الصناعي. والمجموعة الثانية: تضم دولاً كالعراق والجزائر وهي كدول المجموعة الأولى، لكنها تختلف عنها باعتمادها الرئيسي على فعاليات البترول والغاز و دولاً أخرى كالإمارات وسلطنة عُمان وقطر وليبيا والكويت ذات كثافة سكانية قليلة تؤدي فيها الصناعات التحويلية دوراً مهماً ودولاً كالسعودية والبحرين اللتين أخذتا تستأثر فيهما الصناعات التحويلية بدور كبير لديها، إضافة إلى المواد النفطية والغازية والبتروكيمياويات. أما المجموعة الثالثة: فهي تضم دولاً عربية أقل نموا،ً مثل اليمن وموريتانيا والسودان والصومال وجيبوتي، وتؤدي الصناعات التحويلية فيها دوراً ثانوياً مقارنة بالزراعة وقطاع الخدمات، وهي مصدرة للعمالة التي تحول قسماً كبيراً من أجورها إلى الوطن الأم.