خبير اقتصادي وباحث في السياسات العمومية تحاول بعض الأقلام استباق الزمن الحكومي وتضبيب المشهد السياسي وتشويه الحصيلة الحكومية واستحضار أحداث الماضي وبعض الوقائع وليّها قصرا لتبرير أحكامها الجاهزة والتدليل على خلاصاتها المُسبقة في غياب واضح لأبجديات العمل الصحفي ولأخلاقيات الكتّاب والمحللين وأساسيات تقييم وتتبع السياسات العمومية. المثير للانتباه والاستغراب هو حديث بعض هؤلاء "الصحفيين-المحللين" باسم الدولة واستشرافهم لمستقبل المغرب واحتمالات ما يمكن أن يقع بمنطق فرض واقع جديد ونتائج جديدة في الاستحقاقات المقبلة اعتمادا على قراءتهم للإشارات أو ما استرقوه من سمع في الكواليس والدواليب أو ربما بما طلب منهم قوله والحديث عنه، بمعنى أنهم يؤدّون مهمة للتأثير على الرأي العام الوطني ولتأليبه ضد الحكومة خصوصا بعد ارتفاع ثقة المغاربة فيها، حيث وصلت النسبة ولأول مرة في تاريخ السياسة المغربية لأزيد من 74 في المائة من المواطنين الذين يؤكدوا على أن أداء حكومة الدكتور سعد الدين العثماني جيد أو جيد جدا في علاقةٍ مع الوباء وذلك حسب استطلاع من شبكة "الباروميتر العربي" البحثية في نهاية سنة 2020. إن هؤلاء الصحفيين يؤدون دور الكومبارس (أو مُمَثل مُحتَشد في اللغة العربية، وسُمي بالمُحتَشد لأن طبيعة عمله هو الاحتشاد في جموع محدودة في مشهد مكتوب، ويؤدي هتاف أو أقوال تمثل النزر اليسير من الجمل أو الكلمات). وكما هو معلوم، فإن الكومبارس هو ممثل عادي غير متخصص "يتعاون بأجر" ليلعب دوراً تكميليا في عرض فني "كَتبه من وظفه لهذا الدور الثانوي"، وتظهر أهمية "الصحفي- الكومبارس" في محاولته إيجاد منظر عام تلقائي للسيناريو، وسعيه الحثيث لإضفاء الواقعية على المشهد وخلق مناخ طبيعي لتنفيذ التصورات والسيناريوهات وتسلسل أحداث القصة. وقس على ذلك مقالات وتحليلات بعض "الصحفيين-المحللين". وهؤلاء يصدق عليه المثل المغربي القائل "لا تسرج حتى تلجم واعقد عقدة صحيحة, ولا تكلم حتى تخمم لا تعود عليك فضيحة"، وتتحول هذه الفضيحة إلى "حَصلة" بعدما وثّقها هو نفسه بمقاله المهزوز وكلماته الرعناء وأسلوبه المسعور والذي انتقل فيه –من حيث يعلم أو لا يعلم- من معارضة حزب العدالة والتنمية ومعارضة الحكومة إلى الإساءة للمغرب ولتاريخ المغرب ولملوك المملكة وللمغاربة جميعا، فبَدَل الدفاع عن ما تُحققه بلادنا من إصلاحات والرد على استفزازات خصومها في هذه اللحظات الحاسمة والتوجه نحو توطيد مكتسباتها وترويج إنجازاتها وحصيلتها، تَحَوَّل إلى معول للهدم وعرَّاب التضليل الإعلامي وأداة لنسف المؤسسات وتشويه سمعة المغرب وتحقير ما يقوم به رجالات هذا البلد واتهام الدولة بضعف أفقها الاستراتيجي. أعتقد أن أقل ما يمكن أن يوصف به مثل هذا السلوك أنه سقوط أخلاقي ومهني يستوجب الاعتذار للمغاربة ملكا وحكومة وشعبا. الحكم على حصيلة حكومة أي بلد يتطلب –بداية- المصداقية الفكرية والأهلية العلمية والموضوعية التحليلية والقدرة التركيبية لتقييم تنزيل برنامجها الحكومي ولتقدير أثر المشاريع الإستراتيجية، ويأخذ بعين الاعتبار ما تحقق من إنجازات تنموية مقارنة بالقدرات الذاتية لبلادنا وبالإمكانات المتاحة وبالرهانات المرفوعة وبالمتغيرات الطارئة وبالتحديات الحاصلة وبالإكراهات العالمية وعلى رأسها جائحة كورونا والاستفزازات الإقليمية التي كانت تواجه المغرب، ورغم كل هذا وذاك، خرج المغرب منتصرا موحدا قويا وراء جلالة الملك، وأصبح إدارة الحكومة لأزمة كورونا محل إعجاب داخلي وخارجي ومضرب الأمثال في الصحافة الدولية وفي تقارير المنظمات والهيئات العالمية وكما أشارت إليه وكالة الأنباء العالمية "رويترز"، فإن المغرب يُشكل "استثناء حقيقيا" في إفريقيا وبلدان العالم الثالث ويبشر بريادته الناعمة لإفريقيا عن جدارة واستحقاق. لقد حرصت حكومة الدكتور سعد الدين العثماني على عرض حصيلة تنفيذ برنامج عملها سواء بعد 120 يوم الأولى من الاشتغال، وبعد سنة من العمل الحكومي، وفي نصف ولايتها، وفي السنة الثالثة، كما تم تقديم عدد من الوزارات لحصيلتها القطاعية بتفصيل يتتجاوز في كثير من الأحيان ما اتفق عليه في البرنامج الحكومي، وحرصت الحكومة كذلك على تعميم التقرير التركيبي لحصيلتها وقامت بعرضه في الوسائط التواصلية (يتكون من 191 صفحة توضح الانجازات والإصلاحات والأوراش الكبرى التي قامت بها الحكومة من أبريل 2019 إلى مارس 2020 فقط)، إضافة إلى إنجاز تقرير مستقل عن المرحلة الطارئة التي عرفتها بلادنا بسبب جائحة كوفيد- 19،والتي انطلقت من أواسط شهر مارس، بغية تقديم الجهود التي اتُخِذَت في مواجهة الجائحة والتقليل من تداعياتها.. كل هذا الحرص يدل بشكل قوي على وثيرة الانجاز المتسارعة للاوراش والإصلاحات الحكومية وعلى نجاح هذه الأخيرة في تنزيل برنامج عملها؛ وهو كذلك مبادرة مسبقة منها لتوفير المعلومات الصحيحة والمحينة للمواطنات والمواطنين وفي نفس الوقت هو وسيلة تضمن الحق في الوصول إلى هذه المعلومات بشكل مباشر، وكذلك لحماية الرأي العام الوطني من تحليلاتك المسمومة وخلاصاتك المدفوعة. إن الحقد والغرور يعميان عن رؤية الواقع الحقيقي، ويحولان دون رؤية المجهودات التي قامت بها الحكومة المغربية من أجل تصحيح الاختلالات الاجتماعية ورد الاعتبار للمواطن المغربي وتكريس العدالة المجالية وتنفيذ البرامج الاجتماعية، وفي هذا الصدد –وبشكل مختصر- تمت مواكبة واستفادة أزيد من 16,4 مليون مغربي من برنامج نظام المساعدة الطبية؛ ويستفيد أكثر من 2 مليون تلميذ وتلميذة من منحة برنامج تيسير؛ كما يحصل أزيد 385 ألف طالب وطالبة من المنح الجامعية والتي عرفت زيادة في المبلغ والعدد؛ ويستفيد أزيد من مليون و700 ألف تلميذ وتلميذة من خدمات المطاعم المدرسية والسكن في الداخليات، ووصل عدد التلاميذ المستفيدين من المبادرة الوطنية مليون محفظة، 4 مليون و300 ألف؛ وقد وصل عدد النساء الأرامل اللاتي تستفدن من برنامج الدعم المباشر إلى أكثر من 106 آلاف أرملة وما يقارب 180 ألف يتيم؛ كما ارتفع عدد النساء المطلقات اللاتي تستفدن من صندوق التكافل العائلي إلى أزيد من 36 ألف مطلقة. بالإضافة إلى تخصيص الموارد المالية الكفيلة بمساعدة 100 الآلاف من المغاربة في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية؛ ومواصلة تنفيذ برنامج تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية بالوسط القروي؛ علاوة على ذلك تم تخصيص 11,38 مليار درهم لتنزيل التزامات اتفاق الحوار الاجتماعي والزيادة لجميع الموظفين العموميين قدرها 500 درهم للسلالم ما دون العاشر، و400 درهم ابتداء من السلم العاشر؛ بالإضافة للرفع للحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص ب 10 % مع الرفع من التعويضات العائلية ب100 درهم عن كل طفل؛ ولولا حرص جلالة الملك وإرادته القوية لما تم إقرار مجموعة من المشاريع المهيكلة والتي كان البعض يخاف أن يخلدها التاريخ المغربي في رصيد الحزب نظرا لموقعه في التدبير الحكومي. إن الانجازات رفقته هي إشارة على السريع لجزء صغير من حصيلة الحكومة في محور من أصل 5 محاور، وهناك ما يقارب 581 إجراء فرعي في البرنامج الحكومي (في المقبل من الأيام سأتطرق للحصيلة الحكومية في بعض القطاعات وفي الأوراش المهيكلة)، وما عليك إلا العودة للتقرير التركيبي لمجموع التقارير القطاعية لكي ترى الواقع بالأرقام والمؤشرات والدلالات وتحسب عدد المستفيدين والمبالغ المالية المرصدة والنتائج المحققة، وسوف تستنج بالواضح أن معظم إجراءات البرنامج الحكومي أنجزت أو هي في مرحلة متقدمة، وشئت أم أبيت فإن هذه الحصيلة محسوبة على رئيس الحكومة بإيجابياتها ونواقصها. فعن أي "حصلة" تتحدث وعن أي فشل تُحلل وعن أي واقع تتحدث وعن أي مستقبل تستشرف وأنت لم تتطلع على ما تقوم به حكومتك وبلادك؟؟ الفشل الذي تتحدث عنه ما هو إلا انعكاس لما في داخلك ولمحاولاتك المتكررة للانقلاب على كل ما هو ديمقراطي، آخرها دفاع المستميت عن "شوهة" القاسم الانتخابي على أساس المسجلين. إنه لم يعد يخفى على المغاربة خلفيات وبواعث الحملة المُمَنهجة ضد المؤسسات المنتخبة وضد الأحزاب السياسية بشكل عام، وحزب العدالة والتنمية بشكل خاص، ولن تستطيع مقالاتك وتدويناتك الفايسبوكية جر الحكومة والحزب الذي يترأسها إلى مواجهات استنزافية "خاوية" يتم خلالها إفراغ قوته وتشتيت تركيزه وإلهائه عن دوره ودور قيادته المركزي في مواصلة الإصلاحات وحماية المكتسبات الوطنية؛ وما تقوم به –من حيث لا تدري- يزيد من تلاحم أعضاء حزب العدالة والتنمية ومن تجميع وتقوية صفه الداخلي، ويُوسع التعاطف المجتمعي معه ويُبشر بتصدره للمشهد السياسي في الأعوام المقبلة.