على بعد أقل من أسبوعين من انتهاء المهلة المحددة للدعوة إلى انتخابات تشريعية جديدة ( 23 شتنبر ) لا تزال حالة الانسداد التي جثمت على المشهد السياسي الإسباني منذ أكثر من أربعة أشهر تراوح مكانها جراء المواقف المتباعدة والمتباينة بين الحزب العمالي الاشتراكي ( يسار ) الفائز في انتخابات أبريل الماضي وحزب ( بوديموس ) الذي يمثل أقصى اليسار حول صيغة وآليات تشكيل الحكومة الجديدة. ورغم المفاوضات التي انطلقت بين الحزبين منذ أكثر من ثلاثة أشهر وعقدت آخر جلساتها أول أمس الثلاثاء في محاولة جديدة لتجاوز الانسداد الحاصل وتسهيل عملية تشكيل الحكومة الإسبانية المقبلة إلا أنها لم تفض إلى أية نتيجة تذكر حيث واصل الحزب العمالي الاشتراكي إصراره على تشكيل حكومة يسارية بدعم من حزب ( بوديموس ) اعتمادا على ” برنامج تقدمي اشتراكي ” بينما يشدد قادة هذا الأخير على تشكيل حكومة ائتلافية يحظى فيها ( بوديموس ) بحقائب وزارية وازنة. وفي الوقت الذي كان فيه الكل ينتظر أن تفضي جلسة المفاوضات الأخيرة التي استمرت أكثر من أربع ساعات إلى التوافق بين الحزبين حول صيغة ملائمة لكسر الجمود وحلحلة الوضع جاءت الرسائل التي بعثها الأعضاء المشاركون في هذه المفاوضات ” غير مطمئنة ولا تدعو إلى التفاؤل ” ليكتشف المتتبعون أن الغريمين السياسيين لا يزالان متشبثين بمواقفهما حيث يصر الاشتراكيون على رفضهم مقترح الحكومة الائتلافية الذي يدافع عنه بابلو إغليسياس زعيم حزب ( بوديموس ) . ولم ينتظر زعيما الحزبين العمالي الاشتراكي و( بوديموس ) على التوالي بيدرو سانشيز وبابلو إغليسياس طويلا ليعلنا عن فشل مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة حيث تبادلا أمس الأربعاء خلال جلسة مناقشة بمقر مجلس النواب الاتهامات بشأن المسؤولية عن الانسداد وحالة الجمود السياسي الذي يخيم على البلاد . وقال بيدرو سانشيز إن حزب ( بوديموس ) رفض جميع المقترحات التي قدمها له الحزب العمالي الاشتراكي من أجل تجاوز هذا المأزق السياسي وتشكيل الحكومة المقبلة اعتمادا على ” برنامج تقدمي ” مجددا التأكيد على أن الحكومة الائتلافية التي يطالب بها حزب ( بوديموس ) ” هي غير ممكنة ” . ومن بين المقترحات التي كان الحزب العمالي الاشتراكي قد قدمها خلال مفاوضاته لتشكيل الحكومة مع قياديي حزب ( بوديموس ) التعاقد على ” برنامج تقدمي اشتراكي ” وتمكينهم من شغل مناصب المسؤولية في مؤسسات وأجهزة الدولة من دون حقائب وزارية وهو الأمر الذي رفضه حزب أقصى اليسار . كما اتهم الأمين العام للحزب العمالي الاشتراكي حزب ( بوديموس ) ب ” الدفع بإسبانيا نحو إجراء انتخابات تشريعية جديدة ” مشددا على أن الاشتراكيين ” هم آخر من يهتم بالانتخابات لأن ما نرغب في تحقيقه هو تشكيل الحكومة ” . ولم يتأخر رد بابلو إغليسياس زعيم حزب ( بوديموس ) على اتهامات غريمه حين أكد أن ” الحكومة الائتلافية تظل دائما أفضل من الانتخابات الجديدة ” ليجدد بذلك تشبثه بمطلب ” الحكومة الائتلافية ” بدل حكومة ” البرنامج التقدمي ” كما ينادي بها الاشتراكيون . وبعد أن أكد أنه ” لا ينبغي من أجل الفوز بمزيد من المقاعد إجبار الإسبان على الذهاب إلى صناديق الاقتراع ” دعا إغليسياس الاشتراكيين إلى ” تحمل مسؤولياتهم والتشبث بروح التوافق من أجل الدفع بالمفاوضات إلى الأمام ” . وبرأي المتتبعين فإن تصريحات كل من سانشيز وإغليسياس خلال جلسة البرلمان أمس كشفت من جديد الهوة الكبيرة التي لا تزال تفصل بين مواقف الطرفين وتباعد خياراتهما وربما حتى أهدافهما كما أنها قربت أكثر إسبانيا من شبح انتخابات مبكرة جديدة سيتم إجراؤها في حالة عدم التوصل إلى اتفاق قبل يوم 23 شتنبر الجاري بتاريخ 10 نونبر المقبل وستكون هي الرابعة خلال أربع سنوات . وما يؤكد هذا الطرح هو ما رشح عن مصادر قريبة من الاشتراكيين تفيد أن الحزب لن يوجه الدعوة مجددا ل ( بوديموس ) للجلوس إلى طاولة المفاوضات ” إذا لم يقم هذا الأخير بمراجعة مواقفه ” وهو الأمر الذي يبدو حسب تصريحات قياديين من ( بوديموس ) مستبعدا في الوقت الحالي خاصة وأن الحزب ظل متشبثا منذ انطلاق المفاوضات مع الاشتراكيين بمطلبه في ” حكومة ائتلافية فقط ولا غير ” ورفض كل المقترحات الأخرى التي طرحها الحزب العمالي الاشتراكي . وأمام حالة الانسداد هذه التي يعرفها المشهد السياسي في إسبانيا قرر العاهل الإسباني الملك فليبي السادس اليوم الخميس استدعاء الأحزاب السياسية إلى مشاورات جديدة يومي 16 و 17 شتنبر الجاري وذلك في محاولة لكسر الجمود والتوصل إلى اتفاق بشأن تشكيل حكومة جديدة وبالتالي تجنب إجراء انتخابات مبكرة . وحسب هذا القرار الذي تم إبلاغه إلى ميرتيكسيل باتيت رئيسة مجلس النواب ( الغرفة السفلى للبرلمان ) خلال الاستقبال الذي خصصه لها العاهل الإسباني اليوم فإن الملك فليبي السادس سيقترح خلال هذه المشاورات حسب استعداد رؤساء الأحزاب السياسية مرشحا لرئاسة الحكومة يتمتع ب ” الدعم اللازم ” في مجلس النواب . وفي ظل هذه التطورات ل يبق أمام بيدرو سانشيز الأمين العام للحزب العمالي الاشتراكي سوى خياران لا ثالث لهما من أجل تشكيل الحكومة الإسبانية المقبلة فإما التوصل إلى اتفاق مع حزب ( بوديموس ) وهو ما يبدو بعيدا عن التحقق حتى الآن أو إقناع الحزب الشعبي ( يمين ) وحزب ( سيودادانوس ) الذي يمثل وسط اليمين بالامتناع عن التصويت لتسهيل تنصيبه على رأس الحكومة الجديدة وإلا فستتم الدعوة إلى إجراء انتخابات تشريعية سابقة لأوانها يوم 10 نونبر المقبل . وفاز الاشتراكيون في الانتخابات التشريعية السابقة لأوانها التي جرت يوم 28 أبريل الماضي بنسبة 7 ر 28 في المائة من الأصوات مما مكنهم من الحصول على 123 مقعدا بمجلس النواب ( الغرفة السفلى للبرلمان ) لكن دون أن يحصلوا على الأغلبية المطلقة ( 176 مقعدا ) . وينص الدستور الإسباني على أنه إذا لم يتم وفق آجال محددة انتخاب رئيس للحكومة يتم حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات تشريعية سابقة لأوانها وذلك بعد شهرين من تاريخ أول جلسة تنصيب .