تهفو قلوب المغاربة كغيرهم من المسلمين إلى حج بيت الله الحرام وإقامة فرائض الإسلام الكبرى وسننه المؤكدة. لكن في بعض الأحيان تتقاطع تلك الرغبة الجامحة في زيارة ذلك المقام وأداء شعائره مع نوازع بعض شركات النصب والاحتيال التي تنشط في أوقات الحج والعمرة. فتطلع المغاربة لأداء الحج والعمرة تكشف عنه الأرقام الرسمية بشكل جلي، فعلى مستوى شعيرة الحج، نجد أن حصة المملكة المغربية من موسم الحج لسنة 1444 تبلغ 34 ألف حاج وحاجة، حسب بيانات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية. وعلى صعيد العمرة، يتبوء المغاربة المركز الثامن ضمن الجنسيات ال10 الأكثر توجها إلى المملكة العربية السعودية لأداء العمرة، فعلى سبيل المثال، اعتمر 18146 معتمرا ومعتمرة مغربية خلال شهرين، حسب إحصائيات صادرة عن وزارة الحج والعمرة السعودية في سنة 2019. وعلى المستوى الحسابي، يصرف المغاربة الملايير لأداء الحج والعمرة، ونجد أن مبلغ مصاريف الحج لموسم 1444 ستكلف 34 ألف حاج وحاجة مغربي 2.139.586.000 درهم، بما أن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية حددت المبلغ في 62.929,00 درهما بالنسبة للتنظيم الذي تشرف عليه وهو مبلغ غير شامل لمصاريف الجيب، ودون احتساب العمرة وغيرها كذلك. لكل هذه الأهمية، يسعى هذا الاستقصاء في واقعة نصب واحتيال إلى تنبيه الحجاج بضرورة التحري والاستقصاء في المؤسسات الموثوقة كي لا يقعوا ضحية نصب من طرف من يترصدون مثل هذه المناسبة، كما يتتبع تعامل مؤسسات مع هذه الواقعة. بدأت الحادثة بتقدم أكثر من 100 شخص من برنامج حج الجزارين ومساعديهم والعمال لسنة 2022 الموافق 1443 هجرية إلى وكالة سفر معتمدة من أجل أداء المناسك، وتم استخلاص مبالغ مالية جزئية وكاملة تصل حتى 34000 درهم مغربية عن كل شخص، وبلغت التكلفة الإجمالية أزيد من 2.000.000 درهم. نصب اختفاء اختفى ممثل الوكالة بعد إقفال وكالته مختلسا بذلك مبلغا يفوق 2 مليون درهم مغربي، وعقب ذلك احتج الحجاج المتضررين وقدموا شكاوى، مطالبين باسترجاع المبالغ عن الخدمات التي لم يتم الوفاء بها أو تعويضهم عنها من قبل وكالة السفر. وعمل المتضررين على أكثر من صعيد لإسماع صوتهم، فطرقوا أبواب هيئات ومؤسسات منها البرلمان، وفي هذا الشأن رفع رئيس المجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية عبد الله بووانو، سؤالا كتابيا إلى وزير العدل بتاريخ الخميس 17 يونيو 2022، حول "الإجراءات المتخذة لإنصاف الحجاج من نصب واحتيال وكالة سفر". وكشف النائب البرلماني معطيات تتعلق بالشركة ومقرها ومسيرها ورقم بطاقة التعريف الوطنية الخاصة به وحتى المبالغ المختلسة التي تفوق 2 مليون درهم مغربي، وذلك في سؤالين بعث أحدهما إلى وزير العدل والثاني إلى وزيرة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني. وأجاب وزير العدل عبد اللطيف وهبي، بتاريخ الخميس 7 يوليوز 2022، وبشكل مختصر، بالقول إن "موضوع النصب والاحتيال الذي تعرض له مجموعة من الحجاج من قبل وكالة أسفار، يكتسي طابعا جنائيا، وفي هذا الإطار، فإنه يحق لهؤلاء الضحايا تقديم شكايتهم مباشرة لدى رئاسة النيابة العامة بصفتها صاحبة الاختصاص". سحب الترخيص وراسل بووانو هذه المرة وزيرة السياحة باعتبارها الوزارة الوصية على القطاع، بتاريخ الجمعة 17 يونيو 2022، مرفقا كل المعطيات المتعلقة بملف المتضررين من عملية النصب والاحتيال بسؤاله الكتابي للوزيرة، وطالب إياها بإجراءات لفتح تحقيق في الموضوع ومعاقبة المجرمين. وأجابت الوزيرة بتاريخ الثلاثاء 20 شتنبر 2022، موضحة أن وزارتها توصلت بشكايات من ضمنها شكاية مقدمة من طرف مجموعة من الجزارين ومساعديهم ضد وكالة الأسفال "أميت فواياج أنتيغكونتينونت" الكائن مقرها بمدينة الدارالبيضاء. وكشفت المسؤولة الحكومية عن مراسلة مدير الوكالة لتقديم التفسيرات والإجراءات المزمع اتخاذها من طرف الوكالة في هذه النازلة. تم استدعاء مدير الوكالة (م.ش) صاحب شركة "AMITIE ET VOYAGES INTER CONTINENTAUX" للمثول أمام اللجنة التقنية لوكالات الأسفار بتاريخ 13 يونيو 2022. وقد انتهى الأمر بالنسبة للوزارة باتخاذ قرار إداري يقضي بالسحب النهائي لرخصة وكالة الأسفار المعنية، بعد البت في ملف هذه الشكاية من طرف اللجنة التقنية لوكالات الأسفار. وبعيدا عن المسار القضائي المتسم أحيانا بالبطء، تبين أنه حتى على المستوى الإداري ورغم انتهاء هذه القضية، أن قاعدة البيانات المفتوحة الخاصة بوزارة السياحة على البوابة الوطنية www.data.gov.ma لازالت تحتفظ باسم الشركة ضمن لائحة وكالات السفر بالمغرب على اعتبار أن أخر تحديث للمعطيات تم بتاريخ 15 أبريل 2022 بعد إحداثها بتاريخ 14 أبريل 2022. ولازالت بعض المواقع الرسمية المعنية بالأسفار والسياحة تروج للشركة ضمن وكالات الأسفار المعتمدة في المغرب وتروج لمقر والبريد الإلكتروني وأرقام الفاكس والاتصال الخاص بها، إلا أن الأرقام الهاتفية بعضها منقطع والآخر لازال يرن دون مجيب. إجراءات المراقبة وبالعودة إلى الوزيرة المكلفة بالقطاع نجد أنها توسعت في شرح كيفية تنظيم عملية الحج، خلال جوابها على سؤال مماثل تقدم به البرلماني عن فريق الأصالة والمعاصرة محمد كاريم حول "عدم وفاء بعض وكالات الأسفار بالتزاماتها تجاه الحجاج". وجردت عدة إجراءات منها، إعداد عقد نموذجي يحدد الالتزامات والخدمات المقدمة من طرف الوكالة للحجاج، ومراقبة دقيقة من طرف لجنة تقنية بين قطاع السياحة ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، موضحة أن هذه الأخيرة تعمل على إيفاد لجنة خاصة إلى الديار المقدسة لمراقبة جودة الخدمات، وتسوية المشاكل بين الحجاج والوكالات وإنجاز محضر في عين المكان.. ورغم كل ذلك نبهت الوزيرة إلى أن عدد الشكايات التي توصل بها إعضاء اللجنة المذكورة بالديار المقدسة كان جد محدود، لكنها رأت أنها همت الحج غير المؤطر بالآليات السالفة الذكر، موضحة أن أعضاء اللجنة تمكنوا من تسويتها بالتراضي في حينها، لكنها عادت لتؤكد أن الوزارة لم تتوصل بأية شكاية، وجوبها متأخر عن إجابتها على سؤال بووانو حيث أكدت وجود شكاية. رقمنة العملية ومع وقائع النصب والاحتيال السابقة وظهور جديدة خلال هذه الاستقصاء، والمتمثلة في مراسلة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، فرع المنارة لوكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بمراكش عقب تعرض حوالي 175 من الراغبين في أداء العمرة للنصب والاحتيال، ما يعني ملايين الدراهم. فقد دفع هذا الموضوع البرلماني عن الفريق الحركي بمجلس النواب عبد النبي عيدودي إلى اقتراح رقمنة الحج والعمرة، مسائلا وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية عن وضع منصة رقمية خاصة بهذه الخدمات، داعيا إلى الأخذ بعين الاعتبار التراكمات المسجلة خلال السنوات الفارطة، والحلول التي اهتدت إليها الوزارة بخصوص بعض الإشكالات المسجلة سابقا. فجاء جواب الوزير بتاريخ الثلاثاء 20 شتنبر 2022، يقول إن "عملية تنظيم الحج أصبحت ترتكز بشكل جلي على استخدام التكنولوجيا والبيانات والتعاملات والاتصالات الرقمية في جميع مراحلها، حيث يتم معالجة المعطيات الخاصة بعملية التسجيل والقرعة ولوائح الانتظار". وأضاف "هي عملية أداء مصاريف الحج، وإصدار تأشيرات الحج والتحويلات المالية وتوثيق عقود السكن والنقل والخدمات وبيانات تاريخ وصول ومغادرة الحجاج، وأرقام الرحلات والسكن بمكة المكرمة والمدينة المنورة، بواسطة نظام معلوماتي". وبين الوزير أحمد التوفيق أن تنظيم العمرة من صلاحية وكالات الأسفار السياحية تحت وصاية وزارة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني"، ما يعني الوزارة ترمي بكرة النصب والاحتيال في ملعب وزارة السياحة فيما يتعلق بالتنظيم الخارج عن حدود تنظيمها. وبالتالي، يتوجب على المعتمرين والحجاج التحري، حتى لا تلتقي رغبتهم في بلوغ الأماكن المقدسة مع نوايا المتخصصين في النصب والاحتيال حتى في قضايا من صميم الدين الذي يحظر كل نصب واحتيال واختلاس وخيانة الأمانة.