في هذه اللوحة، كما في لوحاته الأخرى، مع اختلافات لونية، يعتمد الفنان أميديو موديغلياني على الأسلوب التشكيلي التعبيري الأكثر خصوبة، إذ سيلاحظ المتأمل في اللوحة، التي أمامنا الألوان الممتزجة منتشر ة، بانسيابية، على جوانبها الملتهبة: الأخضر والرمادي، والبني، والأزرق، راسما بذلك، وفي هذا العمق اللوني المتموج، كهفا لانهائيا:ضبابي، ومطموس. إن اللون عند موديغلياني ساحر، وملغز، كمثل نجمة تلمع وتختفي، فكل لون عنده يتشاكل مع لون ثان، إلا أنه لا يسانده، وإنما ينافسه، ويمتزج معه ليشكل دائرة تشكيلية وتعبيرية فائقة عبر خطوط متموجة ومتشاكلة لا نلمحها، فالفنان موديغلياني لايكلمنا، لايثرثر، كما الآخرين، إنه يكلمنا صامتا عبر لوينات دالة على حزن دفين، لأن ما يهيمن في تلك الجوانب من اللوحة هو الرمادي المخلوط بألوان مبعثرة. ونحن نعرف، بإدراك ما، أن أكثر ما كان يركز عليه موديغلياني هو الوجه، والعنق الطويل، وكذلك الشعر – ليس الشعر، هنا، موضوعنا، ولا العنق الطويل (وهذا أمر واضح) لإمرأة اللوحة، وإن كان شعرها مرسوما بشكل ساحر، لكن مايهمنا ذلك اللون البرونزي، الذي يظهرها كأنها ملاك، والملاك يثيرنا بجماله، كمثل قمر يشع من علو. إنها ملاك منحوت، لكنه، إذا صح القول، ملاك مرعب (ثمة تفاصيل شكلانية في هذه اللوحة لايمكن الإمساك بها دفعة واحدة)، ورعب هذا الملاك يتجلى في عين المرأة المطموسة، الغائمة. الفارغة، التي لارموش لها، لأنه لاروح فيها. إنها ملاك بلاروح!