الأستاذ : عمر أمزاوري لقد مرت عشرون سنة اليوم على دخولنا لهذا القرن الواحد والعشرين، ولازلنا في غرفة الانتظار الوطني في التنمية، الثقافة والتربية، وتحقيق الشعور العام بالعدالة.. في هذه السنة المميزة برقمها لحد الآن، نجد أنه لازال بيننا من يعيش في القرون الوسطى، ومن لازال أسير القرن السابع الميلادي وينتظر الخلافة وخروج الدابة.. ويتوعدنا يوميا ويهدد نمط حياة الإنسان المغربي في هذا العصر المؤسس على الحرية واحترام المجال الخاص في مقابل المجال العام. إن التطور الذي عرفه المغرب في مجال الحريات العامة والخاصة لا يمكن إنكاره سواء على المستوى المتعلق بعموم المواطنين وسكان هذه المملكة، أو من طرف كل فرد مغربي يحمل الحد الأدنى من المعرفة المطلوبة لأجل العمل على التنمية.. وهذا صمام أمان ضروري لوقف انتشار نزعات التطرف الإيديولوجي التي تجتاح البعض في غياب التبصر بالوضع البشري بشكل عام، فالإنسان عندنا لا يمكن أن يميز بين الدولة الجهاز وبين أملاك الدولة من جهة، وبين المقاولة وبين القطاع الخاص من جهة أخرى.. إن لم يكن يفهم الحد بين الحياة الخاصة والحياة العامة؛ بين ما يخص عموم المواطنين وبين ما يخص الفرد في دائرته مصالحه الذاتية التي تخصه كعقل وجسد.. إننا ندخل العام العشرين والناس ينتقدون وقد توسع مجال الحريات لدرجة أن البعض صار يراه ضيقا على السقف الذي ارتفع مؤخرا، حقا إن الحرية مهمة لكن علينا أن نحذر من انتشار نمط الحرية التي يتغنى بها العبد يوم العيد.. فالحرية يجب أن ترتبط بالمسؤولية، ولا تعني المسؤولية الأخلاقية أو القانونية فقط؛ بل نعني أيضا هنا المسؤولية السياسية للمواطن في مقابل المسؤولية السياسية للدولة، والمسؤولية الاقتصادية والاجتماعية للمستهلك أو الإنسان المقتصد في مقابل المسؤولية الاقتصادية والاجتماعية للمقاولة، بل لا يمكن أن نتحدث فقط عن المسؤولية الفكرية للفرد المفكر المجتهد في مقابل المسؤولية الفكرية للجماعة والجهاز الرسمي المسؤول عن التصور الرسمي للتدين أو الوطنية أو قضية إيديولوجية رسمية.. إن الإنسان مرتبط بالمسؤولية، وأنا كثيرا ما ألح عليها، وكثيرا ما أهتم بها لأن الإنسان يجب أن يتحملها قبل أن يطالب بحقوقه، فلا يمكن للجاهل أن يطالب بالمعرفة إن لم يتعذب لأجلها، ولا يمكن أن يكون هناك أي نتيجة دون مجهود شخصي في مقابل المجهود العام للدولة أو المجهود الجماعي.. طبعا نحن ندخل هذه السنة أيضا ولازال السياسيون في الجهات والأقاليم والعمالات والمدن والقرى لا يتحملون المسؤولية أمام مواطنيهم، فسياسات التنمية لا تخص المؤسسات المركزية للبلاد، لكنها تتطلب أيضا وعيا ومعرفة من طرف الفاعل السياسي على المستوى المحلي، وهذا طبعا يساهم في حالة التردي الاقتصادي والاجتماعي، فخلق الموارد الاقتصادية والاجتماعية يتطلب الذكاء الترابي والاقتصادي.. وهذا لازال غائبا عندنا.. فكيف يستوعب السياسي المغربي آثار الذكاء الاصطناعي على الاقتصاد مثلا ؟ من جانب، ندخل العام أيضا ومستوى التربية والتعليم في انحذار تاريخي، ما عاد الناس يوقرون بعضهم.. نزل قاموس السياسيين إلى الحضيض، انشغل العوام بالتفاعل مع التفاهات وسفاسف الأمور.. ما عاد هناك أمل في ظل غياب الإصلاح الحقيقي لحقل التربية والتعليم؛ سنكون في أحسن الحالات المرضية التي تصيب أي أمة في غرفة الإنعاش الاقتصادي والاجتماعي مالم يتم تدارك ذلك.. فلا يمكن أن يتحقق الشعور العام بالعدالة في ظل الجهل المركب الذي ينتشر بسرعة بسبب تأثيرات وسائل التواصل الاجتماعي.. إن الناس لا يفهمون وضعية بلادهم الاقتصادية، ولا يفهمون أيضا الجغرافيا السياسية، ولا يدركون حقيقة الأوضاع الاقتصادية في البلدان التي صارت مضرب مثال رغم أن الحاصل هو تأثيرات الدعاية السياسية لدول إمبراطوريات سابقة.. إن عدم الإيمان بالله العلي القدير لا يتجلى فقط في الإلحاد الذي يظل خيارا مشروعا لمن يريد اعتناقه، لكنه يتجلى أيضا في عدم الإيمان بقيم الاجتهاد والتفكير والثقافة والنزاهة، وعدم الإيمان بالقناعة، وعدم التسليم بقدر الله وقدره، ورفض حقيقة الوضع البشري والذي لا يمكن أن يتغير من خلال الضغوط الجماعية التي يستعملها من يريد المكر بالسوء، بل يتغير الوضع من خلال العمل، والنزاهة، والرقابة على الذات وتحمل المسؤولية أمام الله والتاريخ من أي موقع حصل عليه الإنسان في المجتمع.