على هامش مجزرة مسجدي نيوزلندا الإرهابية، ووسط سياقات القتل والإرهاب ولغات الكره، يسافر بنا الكاتب والروائي المغربي عبد الحميد البجوقي نحو عوالم أخرى… نحو لغات حب في جغرافيات مدينة مغربية صغيرة، اسمها مرتيل. مدينة… لازالت تحفظ عهد المحبة بين البشر، وتحتفي بالإنسان بمختلف دياناته. قريبا من مسجد "الواد"، وفي زقاق موازي للشارع المؤدي إلى برج تاريخي تتباهى به المدينة، توزعت كراسي العزاء بجوار منزل قديم يعود بناءه لعهد الحماية الاسبانية بشمال المغرب، البيت من البنايات القليلة التي لا زالت تقاوم زحف الاسمنت وانتشار عمارات شاهقة برسم هندسي يفتقر لأبسط ملامح الجمال والإبداع، الباحة تتوسطها شجرة ياسمين وتزينها مزهريات معلقة بأناقة أندلسية ظاهرة للعيان. لمن لا يعرف المدينة وتاريخها، وباستثناء قلة من أبنائها، سيعتقد لأول وهلة أن مسلما أو مسلمة من أبناء المدينة وافته المنية، كل مظاهر العزاء خارج البيت وداخله توحي بذلك. بباحة المنزل وقف يوسف بقامته الطويلة ووجهه الصبوح وهندامه الأنيق، غابت عن وجهه علامات البهجة وابتسامته المعهودة وروح النكتة والدعابة التي لا تفارقه، كانت علامات الحزن بادية عليه وهو يصافح رجلا مُسنا يجلس على أريكة في وسط الباحة على رأسه قبعة إفرنجية أنيقة. "أهلا بيدرو، عزاؤنا واحد في وفاة أنيتا Anita، رحمها الله وشملها بمغفرته”. ملامح بيدرو توحي بخليط غريب من الحزن والسعادة، حزين بفقدان زوجته وأم أولاده أنيتا، وسعيد بمظاهر الحب والعزاء والاهتمام التي غمرته وأولاده من جيرانه المسلمين، كان مرتبكا وهو يستقبل المُعزين والمُعزيات من جيرانه ومن سكان المدينة ومن خارجها، ويرد على عبارات العزاء بعربية دارجة لا تخلو من لكنة اسبانية أندلسية، كل مظاهر وأجواء العزاء كانت على الطريقة السنية المغربية، حتى عبارات العزاء المتداولة كانت توحي بأن الفقيدة مسلمة. ظلت ماريا تُحلِّق بخيالها حين انتبهت إلى الأب إنريكي ينهي تأبينه للفقيدة ويدعو المُشييعين للتصفيق تعبيرا عن حبهم لها، كانت طريقة الأب الذكية ليُشرك الجميع، مسيحيين ومسلمين في الصلاة على أنيتا، والدعوة لها والتعبير عن مشاعر المحبة لسيدة عاشت وماتت مرتينية (من مدينة مرتيل) عاشقة لمدينتها وجيرانها دون أن تتخلى عن دينها (مسيحية)، ومدينة أحبتها واحتضنتها كما هي، لا فرق بينها وبين كل الأمهات المرتينيات، استطاعت أنيتا وهي ميتة أن تجعل من المحبة طقسا يجمع بين الأديان ويدعو بالأولوية للإنسان. ابتسم بيدرو في وجه يوسف وأجابه بلكنته الاسبانية: شكرا يوسف، كانت المرحومة تحبك كثيرا وتنتظر إطلالتك المعتادة، وتسأل عنك كلما تأخرت في زيارتها، كانت تسْعدُ بالحديث معك وبدعابتك ومرحك". باحة المنزل تغُصُّ بالمُعزين، أغلبهم من قدماء سكان المدينة، رجل مُسن يلبس جلبابا أبيضا ناصعا ويحمل بيده اليمنى سبحة يقترب من بيدرو مكررا عبارات العزاء في الفقيدة، فسح له يوسف مكانا إلى جانبه وبادره: " كيف حالك عمي الحاج العربي؟ علمت أنك كنت طريح الفراش هذه الأيام". "نعم يا بني، وعكة أقعدتني الفراش أكثر من أسبوع، وبإذن الله تحسّنت أحوالي، هي الشيخوخة يابني واقتراب وقت الرحيل، أتدري أن الفقيدة رحمها الله أرسلت تسأل عن أحوالي، كانت سيدة فاضلة تحب مدينتها وجيرانها، سأدعو لها إنشاء الله في صلاة العصر". أمسك بيدرو بكتف الحاج العربي وارتفع صوته بحشرجة: " كانت الفقيدة تدعو للجيران والأحباب من سكان الحي وغيرهم في صلواتها كلما زارت الكنيسة، كانت تقول إن حب الله لا يستقيم بدون حب عباده، كانت تتوقف عن أشغالها كلما سمعت صوت المؤذن يدعو المسلمين للصلاة، وترفع يديها للسماء تناجي ربها، كانت تعتقد أن السماء تفتح أبوابها مع الدعوة للصلوات، مسيحية كانت أو مسلمة، وأسرّت لي مرة أنها كانت تشعر بالانشراح كلما سمعت صوت الآذان". صوت المؤذن يصدح داعيا إلى صلاة العصر، رياح الشرقي تهب بقوة على المدينة، رجال وبعض الأطفال يهرولون في اتجاه مسجد "الواد" القريب من بيت أنيتا، استأذن الحاج العربي متوجها إلى المسجد لأداء صلاة العصر، وظلّ بيدرو و يوسف يتجاذبان أطراف الحديث مع بعض المعزين، كان بيدرو منشرحا يفيض بالحيوية وهو يروي أحوال المدينة ورجالها ونساءها من المسيحيين والمسلمين خلال النصف الأول من القرن العشرين، ولا يكاد ينتهي من طرفة حتى يعمد يوسف لاستفزازه بأخرى سمعها عن والده، وكان نينو الابن الأكبر لأنيتا يستمتع بما كان يسمعه من حكايات وطرائف لم يكن يعرف عنها إلاّ القليل، ناذرا ما كان بيدرو يحكي لأبنائه عن هذه المرحلة من حياته في هذه المدينة الساحرة التي هام في عشقها، انتهز يوسف هذه اللحظة من البوح وسأله: "سيد بيدرو، هل تتذكر المرحوم ميخيطو الذي اشتهر ببركته في علاج بعض الأمراض؟، سمعت أبي يتحدث عن هذه الشخصية الفريدة في تاريخ مدينتنا”. انشرحت أسارير بيدرو واستوى في مكانه كأنه يتهيأ لعرض سينمائي… " آه عزيزي يوسف على ذلك الزمن الجميل، وعلى السيد ميخيطو، أتذكر حين كان بيته محجا لسكان القرية من مسلمين ومسيحيين طلبا لبركاته في علاج لذعات سمك البلاّم وعلاج الأطفال، كان إخواننا المسلمون يدعون له في المسجد، أخبرني يوما الحاج المتيوي ونحن صغار أن والدته كانت تدعو له في صلواتها بأن يختم عليه الله بنور الاسلام، كم ضحكت حينها على انفعاله من قهقهاتي واستغرابي كيف اختار الله مسيحيا ليحمل بركة علاج المسلمين. أتذكر كذلك جارنا ادواردو بابيرا، كان رحمه الله محبوبا لدى كل البحارة، لا يُبحرون ولا ينصبون شباكهم قبل أن يستفسروه عن أحوال الجو واحتمالات تقلباته، كان يقضي يومه في ميناء المدينة، آه على الميناء الذي كان صيته ذائعا في بقاع العالم، وعلى معمل الحيتان… ". كانت ماريا تتفحص هي الأخرى الوجوه وتتساءل عن معنى كل ما يحدث أمامها، امرأة مسيحية ولدت وعاشت بين المسلمين في أمان، أحبتهم في حياتها وأبت إلا أن تدفن بينهم وهي ميتة، وبادلوها نفس الحب والوفاء وأبوا إلا أن يشيعوها وهي ميتة إلى متواها بطقوسها المسيحية، هل انتصر الحب والاخاء على الاديان؟ أم أن الأصل في الأديان السماوية هو الحب والاخاء؟. كان نينو يتابع حوار الصديقين باهتمام حين سمع صوت سيارة توقفت بباب المنزل وجلبة وأصوات تتكلم بالاسبانية، خيّم بعض الصمت قبل أن يُطل رجل في العقد التاسع من عمره ترافقه سيدة شقراء في عقدها الرابع، تلبس سروال جينز ضيق وقميص أحمر من الحرير، وتلفّ شعرها بمنديل اصفر ناعم. وقف بيدرو بصعوبة وهو يردد: "خوان، صديقي خوان، كانت تعزيتكم بالهاتف كافية، لم يكن ضروريا تعب السفر والحضور، هذه ابنتك ماريا أليس كذلك؟". وقف بيدرو بصعوبة وامتزج في عناق حار وطويل هو وصديقه خوان، بينما ظلت ماريا واقفة تراقب المكان والوجوه باستغراب لا يخفى عن العيان، انتبه يوسف لحيرتها وبادرها بسرعة: "مرحبا ماريا، يمكنك الدخول لإلقاء النظرة الأخيرة على المرحومة والجلوس مع بقية المُعزِّيات من النساء". بدا بعض الانشراح على ماريا من مخاطبة يوسف لها بالاسبانية، وأومأ لها والدها برأسه بما يعني الموافقة، وبينما كان بيدرو يُرحِّب بعودة الحاج العربي من صلاة العصر بادر هذا الأخير خوان قائلا: "سيد خوان، انقطعت منذ مدة عن زيارتنا، لكننا لم ننساك ونتذكر ذلك الزمن الجميل الذي عشناه مع بعض في هذه المدينة، وأتذكر كيف كنت تنزعج من تعاطفنا مع المقاومة، لكن ذلك لم يقطع حبل الحب والأخوة بيننا، لأننا ببساطة كنا ضد المستعمر وأدواته من إدارة وجنود، أما جيراننا من المسيحيين المُسالمين فكانوا في وطنهم تجمع بيننا المحبة والإخاء وحب هذا البلد". اغرورقت عينا خوان بالدموع وهو يستمع لحديث صديقه الحاج العربي، بينما ظل بيدرو هادئا يتابع حوار الرجلين وعتابهما، كانت الساعة تشير إلى الخامسة مساء، وفود المعزين من النساء والرجال تتقاطر دون انقطاع. في زاوية الزقاق قريبا من باحة بيت أنيتا توقفت سيارة نقل الأموات وبجانبها مجموعة صغيرة من الاسبان. كان خوان يرد على صديقه الحاج العربي حين دخل شاب إسباني يخبر بيدرو أن الأب إنريكي وصل إلى المقبرة المسيحية بمدخل المدينة، وأن الوقت قد حان لنقل جثمان الفقيدة لدفنها وفق الطقوس المسيحية. في باب المقبرة المسيحية وقف الأب إنريكي بقفطانه الكنسي ينتظر الموكب، كانت علامات الحيرة والارتباك بادية عليه وهو يتابع الجمهور الغفير من المسلمين المرافق لها، كان الأب منبهرا بما يراه وبادر مرافقه: "لم يسبق لي أيها الراهب أن شاهدت ولا سمعت عن مشهد مثل هذا، كيف استطاعت هذه المسيحية أن تسلب قلوب المسلمين، وأن تعيش بينهم كأنها واحدة منهم، وأن تحتفظ بدينها بينهم؟، لا أصدق ما أرى، جنازة مسيحية يُشيعها مسلمون. من بعيد يظهر موكب كبير يرافق سيارة دفن الموتى، الموكب يخترق وسط المدينة في اتجاه المقبرة، المرافقون من المسلمين رجال وأطفال، بعض الجالسين في المقاهي المتناثرة على طول الشارع المؤدي للمقبرة المسيحية يتابعون باستغراب مسيرة هذا الموكب الجنائزي في الاتجاه المعاكس حيث توجد المقبرة الإسلامية، بعضهم يسأل لماذا هي صامتة هذه الجنازة؟، بعضهم يقف احتراما للميت، شرطي قريب من فندق الضيافة يرفع التحية للجنازة وبعض المارة يتوقفون عن المشي احتراما للموكب الجنائزي. كان بيدرو يجلس بقبعته الإفرنجية في المقاعد الخلفية لسيارة ماريا، وبجانبها يجلس والدها يرافقون الموكب الجنائزي. في باب المقبرة المسيحية وقف الأب إنريكي بقفطانه الكنسي ينتظر الموكب، كانت علامات الحيرة والارتباك بادية عليه وهو يتابع الجمهور الغفير من المسلمين المرافق لها، كان الأب منبهرا بما يراه وبادر مرافقه: "لم يسبق لي أيها الراهب أن شاهدت ولا سمعت عن مشهد مثل هذا، كيف استطاعت هذه المسيحية أن تسلب قلوب المسلمين، وأن تعيش بينهم كأنها واحدة منهم، وأن تحتفظ بدينها بينهم؟، لا أصدق ما أرى، جنازة مسيحية يُشيعها مسلمون، هذا شيء خارق". في صمت رهيب التف جمع المُعزين أمام صندوق خشبي يحمل جثمان الفقيدة تُزينه في الوسط علامة الصليب، وأمامه وقف الأب إنريكي بقفطانه وسبحته ينظر بانشراح ممزوج بالاستغراب في وجوه الحاضرين من المسلمين، يقرأ في وجوههم علامات الحزن ولوعة الفراق، في مقدمة الصفوف وقف بيدرو زوج الفقيدة وأولاده وصديقه خوان وابنته ماريا، كانت ماريا تتفحص هي الأخرى الوجوه وتتساءل عن معنى كل ما يحدث أمامها، امرأة مسيحية ولدت وعاشت بين المسلمين في أمان، أحبتهم في حياتها وأبت إلا أن تدفن بينهم وهي ميتة، وبادلوها نفس الحب والوفاء وأبوا إلا أن يشيعوها وهي ميتة إلى متواها بطقوسها المسيحية، هل انتصر الحب والاخاء على الاديان؟ أم أن الأصل في الأديان السماوية هو الحب والاخاء؟ كيف لها أن تصدق أن الاسلام دين إرهاب وعنف؟ كيف لها أن تفهم ما يُحدِّثها به خالها فرناندو عن المسلم المخادع الذي ساعد فرانكو في انقلابه على الديموقراطية، وعن الفظاعات التي ارتكبوها ضد النساء والرجال والاطفال في الحرب الأهلية. آه عزيزي يوسف على ذلك الزمن الجميل، وعلى السيد ميخيطو، أتذكر حين كان بيته محجا لسكان القرية من مسلمين ومسيحيين طلبا لبركاته في علاج لذعات سمك البلاّم وعلاج الأطفال، كان إخواننا المسلمون يدعون له في المسجد … كم ضحكت حينها على انفعاله من قهقهاتي واستغرابي كيف اختار الله مسيحيا ليحمل بركة علاج المسلمين. ها هي اليوم شاهدة على وجه آخر للمسلمين وللإنسان المسلم، شاهدة على تعبير للمحبة والوفاء منقطع النظير. ظلت ماريا تُحلِّق بخيالها حين انتبهت إلى الأب إنريكي ينهي تأبينه للفقيدة ويدعو المُشييعين للتصفيق تعبيرا عن حبهم لها، كانت طريقة الأب الذكية ليُشرك الجميع، مسيحيين ومسلمين في الصلاة على أنيتا، والدعوة لها والتعبير عن مشاعر المحبة لسيدة عاشت وماتت مرتينية (من مدينة مرتيل) عاشقة لمدينتها وجيرانها دون أن تتخلى عن دينها (مسيحية)، ومدينة أحبتها واحتضنتها كما هي، لا فرق بينها وبين كل الأمهات المرتينيات، استطاعت أنيتا وهي ميتة أن تجعل من المحبة طقسا يجمع بين الأديان ويدعو بالأولوية للإنسان. في الصفوف الخلفية قريبا من باب المقبرة وقف رجل مُسن بجلبابه البُنِّي يتكئ على عصاه ويتابع من بعيد جنازة أنيتا، انتظر حتى انفضت الجموع ليقترب بخطى بطيئة من بيدرو، انتبه هذا الأخير للرجل واحتضنه بحرارة وهو يردد: "أخي الرايس محمد، كيف حالك، طال غيابك، كم اشتقت لجلساتنا وحديثنا". انتبه بيدرو أن صديقه خوان كان متبرما وتبدو عليه علامات انزعاج لم يفهم سببها، كما انتبه أن الرايس محمد كان يتحاشى الحديث مع خوان وينظر خلسة لماريا، أمسكه من ذراعه وبعد أن اختلى به بعيدا عن الحشد خاطبه بصوت خافت "أخي بيدرو، أنت تعرف أن بيننا خبز وطعام وأننا اخوان مهما فرقتنا الديانات، تعاهدنا منذ طفولتنا ولا زلنا على الوفاء، أريدك أن تعرف أنني بقدر ما أحببتك وعائلتك وكل المسيحيين الذين عاشوا معنا في بلادهم هذه، بقدر ما قاومت الاستعمار الذي كان يقبض على أرواحنا ويستغل خيراتنا، وأنت تعرف أن رجالا من هذه المدينة قضوا نحبهم دفاعا عن أرضهم وكرامة هذا الشعب الذي لم يقبل بغير الحرية والاستقلال، لم أخلط يوما بينكم وبينهم، لكن شعبنا المسالم لن ينسى أن خوان وأمثاله يحملون وِزْر من قضوا نحبهم تحت التعذيب في سراديب نظام الاستعمار، كما أن خوان هذا كان مسؤولا على تجييش وحشد الأبرياء من المغاربة في البوادي والزجِّ بهم في حرب أهلية إسبانية لا ناقة ولا جمل لنا فيها، أمثاله وصمة عار على جبين الإنسانية. بقدر ما أنا فخور بك وبالمرحومة أنيتا، بقدر ما أنا كارهٌ لخوان وأمثاله. انتظرت وأجّلت كثيرا إخبارك بهذا عزيزي، كنت أتحاشى تقليب المواجع، لكن المناسبة أبت إلا أن أخبرك بذلك وأنا مُقبل على الرحيل إلى حضن المولى عزّ وجل، لا أريد ملاقاة المولى دون أن أفصح لك ولعائلتك عن محبتي، وأن أشرح لكم أن مقاومتي كانت للاستعمار، وليس ضد الإنسان.." انسحب الرايس محمد بهدوء، وظل بيدرو يتابعه وعلامات الحيرة بادية عليه، بدا خوان منزعجا ومتوتّرا بينما كانت ماريا منشغلة تتابع انصراف المشيعين وإلحاحهم في تجديد عبارات العزاء لبيدرو ولكل مرافقيه من المسيحيين. أحست ماريا بانشراح غريب، كانت منبهرة بكل شيء حولها، انتابها إحساس غريب بالرغبة في الضحك والتعبير عن الفرح، لم تتخيل وهي ترافق والدها أنها ستكتشف عالما غير الذي كانت تسمع عنه، أحست أنها مدينة لأنيتا التي أتاحت لها بموتها أن تستعيد حبها للحياة، كانت تعرف أن والدها كان يخفي عنها شيئا ما، شيئا ما في هذه الضفة كان يُقلِّب مواجعه، استغربت كيف انقلب مزاجها بعد ساعات من وصولها، كانت ترفض مرافقة والدها باستمرار ولم يكن يُجبرها على ذلك، لولا موت أنيتا والحالة الصحية لوالدها وإلحاحه على حضور الجنازة لما وافقت على مرافقته إلى هذه المدينة الساحرة، إلى حيث تكتشف الآن معنى جديد للإنسان، كيف لها الآن أن تخبر والدها أنها قررت أن تعود إلى مرتين (مدينة مرتيل كما ينطق أهلها اسمها)، كيف لها أن تخبره بأنها ستعود إلى مسقط رأسها لتكتب عن امرأة مسيحية ملكت قلوب المسلمين، لتكتب عن سيدة الياسمين. ملاحظة: أغلب الأسماء وإن تشابهت صدفة، هي من وحي خيال الكاتب