بمراكش هذه الأيام، هناك شهية كبيرة للتنكيت، فقدتها المدينة الحمراء بعد توالي غلاء المعيشة وبحث الأسر المراكشية عن شقة يكون سعرها رحيما بجيوبهم بدل الأسعار المتداولة والتي تضاهي أسعار الماس والبترول في الأسواق العالمية، فالمدينة التي كانت تسير بجنب النكتة وفي يدها سبحة البهجة والخفة وحب الحياة، أصبحت تعيسة وشوارعها مكتظة وملوثة، حيث غابت رائحة أزهار أشجار الليمون والحامض التي كانت تعطر أنوف الساكنة قبل الزوار. المراكشي حذر بطبعه، وذلك لعدة عوامل اجتماعية وسياسية وحتى تراثية ترجع بنا إلى نوادر ومستملحات شاعر الحمراء ابن إبراهيم ومقالبه مع الفقيه محمد بينبين، أحد أشهر مرافقي الحسن الثاني ومؤنسيه، وقبل ذلك يجد المراكشي في زجل الملحون خارطة طريقه نحو الحيطة واليقظة وخفة الظل والخوف من السقوط في فخاخ الأصدقاء قبل الأعداء. مراكش هذه الأيام استعادت «ماكينة» إنتاج النكتة بعد أن سلمت خطأ مصالح مستودع الأموات البلدي جثمان فرنسي توفي منتحرا إلى عائلة مراكشية مسلمة جاءت لتسلم جثمان والدها المسن والمتوفى في حادثة سير على الطريق الرابطة بين مراكش والبيضاء والذي تجاوز عقده السابع، فما كان من هذه القصة إلا أن أشعلت وقود الحكي الممتع في شهر التصقت على جبينه حوادث الندرة والغرابة. الفرنسي الذي توفي منتحرا جراء تراكم الديون على شركته، تم غسله وفق طقوس وتعاليم الشريعة الإسلامية من قبل غسالين مغاربة بمستودع الأموات، وتم لفه في كفن أبيض مع حبات «الكافور» ووضعه في صندوق، وجاءت عائلته وتسلمته، وحزنت عليه وبكت من بكت من النسوة، وارتفع عويلهن، فيما كبر الرجال باسم الله وشهدوا ودعوا له بالمغفرة والتواب وإسكانه فسيح جنان الرحمان مع الصديقين والشهداء. جثمان الفرنسي المنتحر، سليل الكنيسة، عوض أن يدفن بالمقبرة المسيحية بحي كليز أو يرحل عبر الطائرة إلى مسقط رأسه، طافوا به في شوارع المدينة العتيقة وصلوا عليه صلاة الجنازة بعد أداء صلاة الظهر، ودخلوا به مقبرة الزاوية العباسية ليدفن بجوار المسلمين، قبل أن يتم إخبار عائلته بأن من في الكفن ليس والدهم، وأنه جرى خطأ في تسليم الجثة، فما كان من أحد أبنائه إلا أن أزال غطاء الكفن عن وجهه، وصدم جموع المعزين والمرافقين بكون الهالك ليس والدهم بل فرنسي مازالت آثار الشنق بادية على عنقه جراء انتحاره. ماذا كان سيقع لو أرسل المشرفون عن مستودع الأموات بمراكش جثة المراكشي المسن إلى فرنسا لدفنه في مقابر ساركوزي؟ إنه السؤال الذي يتناقله المراكشيون هذه الأيام بهزل أسود، فالظاهر أن المراكشي اليقظ الذي كان يتحسس دوما جيوبه وهو مار بالشارع، سيصبح أكثر حيطة حتى وهو يدفن أقرباءه، فلا شيء يضمن من في الكفن، أما أصحاب مستودع الأموات فلم يكن يخطر على بالهم أنهم سيخلقون أزمة لعائلة الفقيد مع حيرة السؤال عن ميت مسيحي سقط سهوا في رمضان بمقابر المسلمين.