ليل مرتيل ليس كغيره من ليالي المدن الساحلية بشمال المغرب، فالمدينة السياحية التي يقصدها آلاف المغرب للتمتع بهدوءها وجمال شاطئها تخفي ليلا عالما سفلي أسود لتدمير مستقبل عشرات الشابات والشبان الذين يقصدون مقاهي مقفلة الأبواب محاطة بحراسة مشددة حماية لكل ما يعاقب عليه القانون.. تسمى مقاهي الشيشة. الشيشة أو النرجيلة.. لم يكن المغاربة قبل عشر سنوات يقبلون على التدخين عن طريق الشيشة كما هو الحال الان، حيث تحولت هذه الوسيلة في التدخين إلى ملاذ من أجل البحث النشوة والانسحاب لآلاف الشباب من مختلف الاعمار والشرائح والطبقات الاجتماعية ومن الجنسين، ورغم الاخطار الكبيرة للتدخين عبر النرجيلة إلا ان متعاطي هذا النوع في تزايد خاصة مع انتشار مقاهي خاصة بتقديم الشيشة لزبائنها، فحسب تقرير لمنظمة الصحة العاليمة، فإن دخان الغليون المائي (الشيشة) سام جدا حيث كشفت التحاليل بأنه يحتوي على عدد من المواد المسرطنة والقاتلة. مع الاقبال المتزايد على استعمال الشيشة في التدخين، وجد عدد من الأشخاص، أن فتح مقاهي وملاهي خاصة بتقديم الشيشة مصدرا مهما للأرباح، حيث انتشرت في عدد من المدن مقاهي الشيشة، من بينها المدينة الصغيرة مرتيلالمدينة التي وصل عدد المقاهي بها إلى حوالي 20 مقهى، أغلبها تشتغل خارج القانون وتتنوع داخلها مختلف أنواع الممارسات والسلوكات الغير القانونية. شمال بوست قامت بجولة على مقاهي الشيشة بمرتيل والمنتشرة في شوارع (آسفي، المحمدية، تطوان، الكورنيش، لاكاسيا…) حيث لاحظت أن كل تلك المقاهي مظلمة وتتميز بالريبة ويجهل ما يحدث داخلها رغم أنها تعتبر أماكن عمومية، فأغلبها تشتغل بأبواب مغلقة ونوافذ قاتمة اللون وأضواء خافتة، كما أن الحراسة المنتشرة حولها تؤكد أن مقاهي الشيشة أوكار خارجة عن القانون وغير مرخصة. الدعارة والمخدرات بمقاهي الشيشة.. لا يقتصر الأمر في مقاهي الشيشة المنتشرة بمدينة مرتيل على تعاطي تدخين غليون مسرطن يقدم للشباب بينهم قاصرات وقاصرين، بل تحول الأمر إلى مجال جديد تروج فيها مختلف أنواع المخدرات وسوق مناسب للتجارة في أجساد فتيات في مقتبل العمر. حسناء (اسم مستعار) قالت لشمال بوست “أنا طالبة جامعية ألجأ إلى مقاهي الشيشية من أجل البحث عن زبون محترم ومعروف حتى أتمكن من توفير مصروف يغطي نفقاتي.. أكيد أن حياة الليل قد تدمر مستقبلي لكن تبقى مقاهي الشيشة أئمن لي من الحانات أو علب الليل، على الأقل زبناء هذه المقاهي لا ينتهي بهم المطاف سكارى بل منتشون قليلا فقط أو مخدرون”. يقول محمد وهو طالب جامعي أيضا في حديثه مع شمال بوست “أنا زبون لمقاهي الشيشية منذ سنوات أعرف كل ما يحدث داخل هذه العلب المظلمة، فكل ما تريده موجود داخلها، شابات.. قاصرات.. مثليين.. أقراص من مختلف الأنواع.. كوكايين… (فقط لن تجد المشروبات الكحولية فهي حرام)، يضيف ساخرا”. عدد آخر من العارفين بالعالم السفلي بمقاهي الشيشة يؤكدون في حديثتهم المتطابف لشمال بوست، أن هذه المقاهي تحولت إلى مجال حيوي لنشاط وسيطات ووسطاء الجنس حيث يمكنك الحصول على ما تريد فقط أثبت أنك زبون آمن ولن تصدر عنك أي مشاكل. أمن مرتيل.. مجهودات لا يمكن أن تنتهي.. لا تتوقف دوريات الأمن بمرتيل عن مداهمت مقاهي ترويج الشيشة، ففي كل ليلة يقوم عناصر الامن بدوريات قصد مراقبة ما يحدث داخل هذه العلب المظلمة، ابتداء من مقهى الشيشة “سهيل” وصولا إلى “مطاعم لاكاسيا” مرورا بمقاهي “سافاري، نويفا كبيوطا، ديسكو أميا، لويس فيطو، نسيم، سناب شاط، نابولي، سناء، لوس مولينوس، كابومار، ديزني، جبال غرناطة، إسلا بونيطا…” وكلها مقاهي غير مرخص لها ترويج الشيشة. دوريات الأمن تبقى عاجرة في أغلب الأحيان عن ضبط مخالفات أرباب مقاهي الشيشة، خاصة أنهم لجؤوا إلى تطويق الشوارع التي تنتشر فيها علبهم المظلمة بحراس يراقبون دوريات الامن حيث يقومون بالاخبار بقودمها ليتم تنظيف المقاهي من قارورات الشيشة قبل وصول تلك الدوريات.
يرى نشطاء محاربة المخدرات أنه لا يمكن الاعتماد فقط على دوريات أمنية لضبط المخالفات التي تقوم بها مقاهي الشيشة، لأن الامر اذا استمر على هذا الحال لن تنتهي معركة الكر والفر بين الطرفين، بل يجب التعامل بحزم مع تجار البشر هؤلاء، فالترسانة القانونية موجود وتسمح للسلطات بتغريم أرباب تلك المقاهي أو إغلاقها بشكل نهائي، خاصة مع وجود القرار العاملي الصادر رقم 35 الصادر بتاريخ 03 أبريل 2013 المتعلق بمنع إعداد وإستهلاك الشيشة بالمحلات المفتوحة للعموم وكذلك بناء على محاضر الإجتماع التي عقدت حول ظاهرة انتشار تقديم الشيشة للزبائن وأيضا نظرا لتغيير محتوى النشاط المرخص به لأصحاب تلك المقاهي من طرف السلطات المختصة. ستبقى مقاهي الشيشة نقطة سوداء تعكر جمال مرتيل وتهدد أمن شبابه، فقط السلطات المحلية المنتخبة والمعينة تتحمل المسؤولية في إيقاف بؤر الانحراف والجريمة تلك، عبر تنفيذ القانون وتطبيق القرار العاملي.. وبين حدوث هذا الأمر واستمرار نشاط تلك العلب المظلمة، سيبقى الرأي العام يردد أن هناك تواطؤ بين السلطات وأرباب تلك المقاهي الخارجة عن القانون.