ليلة الثلاثاء 26 يونيو 2018 ستظل على مدى التاريخ بقعة سوداء في سجل العدالة في بلادنا. صحيح أننا لم نكن ننتظر أحكاما بالبراءة، فأهل مكة أدرى بشعابها، ولكننا أملنا أن يُقرر الحاكمون مسك العصا من الوسط، فلا يُفرطون في سُلطتهم التي صنعتهم ولا يُفرطون في العدالة بهذا الأسلوب الفج، إلا أنهم أبوا إلا أن ينتقموا، وأن يجعلوا من معتقلي حراك الريف عبرة لكل من قد تسول له نفسه المطالبة مستقبلا بحق من الحقوق عن طريق الاحتجاج بدل التسول والاستجداء. وبالفعل، لقد أخذ الشعب العبرة من أحكام الثلاثاء الأسود، ولكن غير التي أرادوا إيصالها لنا. الاستاذ محمد رضا السلاوي لقد استوعبنا جيدا أن أكذوبة “الاستثناء المغربي” المتمثلة في دولة الحق والقانون التي تتحقق فيها العدالة والمساواة والمواطنة الكاملة وحقوق الانسان بعد دستور 2011 ليست سوى حبر على ورق. فدولة الحق والقانون هي ببساطة دولة: الحق… والقانون.. وفي حالتنا.. الحق هو أن المعتقلين فضحوا الفساد بإقرار الحاكمين.. والحق هو أن الاحتجاج رد فعل على التهميش والفساد.. والحق هو أن المطالبة بمستشفى للسرطان في إقليم يعرف أعلى نسبة من الإصابات به هو مطالبة بالحق في الحياة، وهو من أقدس الحقوق.. والحق هو أن المطالبة بجامعة هي مطالبة بالحق في التعليم.. والحق هو أن المطالبة برفع التهميش هي مطالبة بالحق في التنمية والتوزيع العادل للثروة.. والحق هو أن المطالبة برفع العسكرة هي مطالبة بالحرية، إذ لا وطن بدون حرية.. والحق هو أن المطالبة بكل ذلك هو ممارسة للحق في التعبير الحضاري السلمي والراقي الذي نوه به البعيد قبل القريب.. والحق أن ما جرى لا يعدو أن يكون ممارسة للحق في الدفاع عن النفس في مواجهة التهميش الممنهج والفساد الذي تُرك ينهش في المواطنين دون تدخل من أولي الأمر.. وهو حق طبيعي في ظل صمت وتواطؤ من أوكل لهم القانون محاربة الفساد.. وهو مطالبة لهم بالتدخل احتراما للعقد الاجتماعي الذي يربط بين المواطنين والماسكين بزمام الدولة. أما القانون، فهو الذي يُلزم الحاكمين، أيا كانوا، بكل ما يلزم لمحاربة الفساد، ورفع التهميش وتحقيق التنمية.. القانون هو الذي يُلزم الحاكمين، أيا كانوا، بضمان الحق في الحياة وفي الصحة وفي التعليم وفي التنمية وفي التوزيع العادل للثروة.. وفي الحرية.. لكل مواطني البلد بدون استثناء.. القانون هو الذي يُلزم الحاكمين، أيا كانوا، بمحاكمة الفاسدين وناهبي المال العام ومهربي الأموال.. والقانون هو الذي يُلزم الحاكمين، أيا كانوا، بالبحث عن المرض الخبيث الذي ينخر بلدنا ويتسبب في كل هذا الألم للمواطنين، لا أن يجروهم إلى السجون والمحاكمات، إذا ما هم صرخوا من الألم وطالبوا بالعلاج والدواء.. أما عندما نَغُض الطرف عن الفاسدين وناهبي المال العام والمتسببين في كل مآسي الوطن، وبالمقابل نعتقل شبابا في عمر الزهور، لمجرد أنهم خرجوا للاحتجاج السلمي والحضاري مطالبين بحقوقهم كمواطنين.. وعندما نُوَرِّط “السلطة القضائية” الوليدة في الحكم عليهم بعشرات السنوات سجنا نافذة، بتهم جنائية ثقيلة على رأسها التآمر للمس بالسلامة الداخلية للدولة، مصداقا لما جاء به تقرير وزارة الداخلية وبيان أحزاب الأغلبية.. وعندما نزرع الحقد على الدولة ومؤسساتها في صدور جيل كامل من أبناء هذا البلد.. وعندما لا نأبه إن نحن أفرغنا القضاء من كل مضمونه العادل والمحايد بحيث نُصوره في أذهان المواطنين مجرد أداة لا سُلطة لها ولا سُلطان.. وببساطة، عندما نقتل الحق ونُعدم القانون.. فلا معنى للحديث عن دولة الحق والقانون، ولا لأي حديث عن العدالة والمساواة والمواطنة وحقوق الإنسان.. ولا معنى كذلك لأي حديث عن “الاستثناء المغربي”.. لقد فتحت ليلة الثلاثاء الأسود بابا واسعة على المجهول.. ومن يَزرعُ القهر لا بد أن يَحصد الغضب..