عرفت اسبانيا الديموقراطية أربعة ملتمسات رقابة ضد الحكومات المتعاقبة، الأول قدمه الحزب الاشتراكي العمالي الاسباني بزعامة فيليبي غونصاليص في ماي 1980، والثاني في 23 مارس 1987 قدمه “هيرنانديز مانشا” عن حزب التحالف الشعبي قبل أن يتحول إلى الحزب الشعبي الحالي، والثالث قدمه “بابلو إغليسياس” زعيم حركة بوديموس في يوليوز 2017، كلها باءت بالفشل، وكان الملتمس الرابع الذي قدمه بيدرو صانشيص اليوم أول ملتمس يحظى بثقة 180 صوت من 350 (عدد أعضاء البرلمان الاسباني) والواضح أن التصويت كان ضد رئيس الحكومة “راخوي” وليس بالضرورة لصالح المرشح الاشتراكي “بيدرو شانتيس”، وهذا ما عبر عنه رؤساء الفرق البرلمانية التي دعمت ملتمس الرقابة. عبد الحميد البجوقي التصويت اليوم بسحب الثقة من راخوي أثار ارتياحا في وسط الرأي العام الاسباني الذي لم يكن راضيا على تدبير هذا الأخير لمجموعة من الملفات في مقدمتها تجميد أجور المتقاعدين وقضايا الفساد واستفحالها بشكل غير مسبوق والأحكام الصادرة في حق مجموعة من المسؤولين من الحزب الحاكم والتي كانت مبررا اعتمده الحزب الاشتراكي لتقديم ملتمس الرقابة وكذلك ملف كاطالونيا ساهمت في عزل الرئيس المخلوع. في المقابل، تؤكد كل المؤشرات أن رئيس الحكومة الجديد سيحتاج إلى توافقات صعبة ومعقدة مع الفِرق التي دعمته في ملتمس الرقابة وبالخصوص من الاحزاب الكاطالانية، ما يجعل منها حكومة ضعيفة وغير قادرة على اتخاد القرارات الكبرى، أو كما اعتبرها زعيم سيودادانوس رهينة للأحزاب الانفصالية ولحركة بوديموس المتطرفة على حد زعمه. لا شك أن تغييرات جوهرية ستطال السياسة الداخلية للحكومة الاشتراكية الجديدة، لكن ملف العلاقات الخارجية سيعرف في نظري استمرارية على المستوى الاستراتيجي، سواء في العلاقة مع الاتحاد الأوروبي أو في ملفات الأمن والدفاع، ويعتبر المغرب من أولويات السياسة الخارجية الاسبانية التي لن تتغير مع الحكومة الجديدة لاعتبارات عدة، في مقدمتها حجم المصالح المشتركة ونمو التبادل التجاري بين البلدين، المغرب شريك أساسي في محاربة الارهاب والهجرة السرية والإرهاب الدولي، ووكذلك التطور الذي عرفته العلاقات المغربية الإسبانية في مجال الاستثمار، لا يغيب عن هذه المعادلة ثقل حلفاء الحكومة الجديدة من الأحزاب الانفصالية وحركة بوديموس في مواقف إسبانيا مستقبلا من ملف الصحراء المغربية، لكن تقديري أن أولويات الأحزاب الانفصالية ستنصب على كسب تقدم في الجبهة الداخلية، وحركة بوديموس أبرزت منذ مدة عن اعتدال في مواقفها وعن قدرتها للتداول على الحكم. هذه العوامل، ومصلحة إسبانيا في علاقة مستقرة مع المغرب سيدفع في المزيد من التعاون بين البلدين.. تقديري أن هذه الحكومة فرصة للمغرب للتفاوض على شروط أحسن من سابقتها سواء في ملف الصحراء أو غيرها.