أكدت نتائج الانتخابات التشريعية اليوم 26 يونيو 2016 نهاية القطبية الحزبية في اسبانيا وبروز احزاب جديدة على يسار ويمين الأحزاب التقليدية، وتؤكد هذه النتائج نهاية مرحلة وبداية أخرى جديدة في تاريخ اسبانيا الحديثة، وبقدر ما يغرِقُ اليمين المحافظ في مشاهد فساد غير مسبوقة هدت أركان الحزب الشعبي ، بقدر ما حصل ما كان منتظرا من تراجع للحزب الاشتراكي العمالي كزعيم تاريخي لليسار وبروز حركة بوديموس كقوة جديدة تنافس الحزب الاشتراكي في زعامة اليسار والاشتراكية الديموقراطية في اسبانيا. التحولات التي تعرفها اسبانيا تأتي في سياق تعرفه أغلب دول الوحدة الأوروبية، ونتائج الانتخابات المحلية في ايطاليا منذ أسبوعين كانت خير دليل على ذلك بفوز حزب النجوم الخمسة (مرادف لبوديموس)بعمودية 19 بلدية بايطاليا بما فيها بلدية روما. هو الانتقال الجيلي والتجديد الايديولوجي والسياسي الذي تعلن عنه هذه المرحلة الجديدة من تاريخ أوروبا، وكذلك من نتائج فشل الاختيار الثالث في الاشتراكية الديموقراطية الأوروبية الذي تزعمه البريطاني طوني بلير ونهاية الاختيارات الليبيرالية لأغلب الأحزاب الاشتراكية الأوروبية. على غير المنتظر وعكس ما أعلنت عليه استطلاعات الرأي فاز الحزب الشعبي المحافظ في اقتراع اليوم ،وحسّن نتائجه في مقابل انتخابات 20 ديسمبر 2015 من 123 مقعد إلى 137 مقعد دون أن يحصل على الأغلبية الكافية لتشكيل الحكومة، وتراجع الحزب الاشتراكي العمالي ب5 مقاعد عن التي حصل عليها في الانتخابات السابقة من 90 مقعد إلى 85 مقعد دون أن يفقد زعامته لليسار بعد أن فشل تحالف بوديموس واليسار الموحد في انتزاع المرتبة الثانية بعد الحزب الشعبي رغم صعوده في عدد الأصوات وحصوله على 71 مقعد مقابل 69 التي حصل عليها في انتخابات 20 ديسمبر الفارطة، في حين تراجع حزب سيودادانوس (حزب اليمين الجديد) وحصل على 32 مقعد مقابل 40 مقعد حصل عليها في الانتخابات السابقة. المشهد شبيه بما كان عليه بعد انتخابات 20 ديسمبر مع تقدم للحزب الشعبي على حساب حزب سيودادانوس (اليمين الجديد)، وتبقي الأغلبية من حيث عدد الأصوات لصالح مجموع اليسار من الحزب الاشتراكي وتحالف بوديموس واليسار الموحد والأحزاب اليسارية الجهوية، ومن جديد تظل عقدة تشكيل حكومة يسارية متعلقة بمدى تشبث تحالف بوديموس بدعمه لتنظيم استفتاء تقرير المصير في كاطالونيا ورفض الحزب الاشتراكي لما يسميه بالمغامرة والتطرف. في المقابل يبقى الحزب الشعبي ورغم فوزه في الانتخابات وحصوله على 14 مقعد إضافي (من 123 إلى 137) عاجزا عن تشكيل حكومة مع سيودادانوس دون امتناع الحزب الاشتراكي عن التصويت أو تشكيل ما يسميه الحزب الشعبي بحكومة إنقاد وطني بمشاركة الحزب الاشتراكي العمالي. المشهد السياسي الاسباني يعود إلى نقطة الصفر التي انطلق منها بعد نتائج انتخابات 20 ديسمبر 2015 ، ومفتاح تشكيل الحكومة يستمر بيد بيدرو شانشيص زعيم الحزب الاشتراكي ، وفي المقابل يستمر حزب بوديموس ماسكا بمفتاح حكومة يترأسها الاشتراكي بيدرو صانشيص، وتستمر الأحزاب الجهوية الكطلانية والباسكية بالخصوص تقايض دعم أي حكومة محتملة بمطالب تتعلق بتقرير المصير أو المزيد من صلاحيات الحكم الداتي. ورغم كل هذه التعقيدات التي أفرزتها صناديق الاقتراع للمرة الثانية خلال 6 أشهر، كل تصريحات زعماء الأحزاب المحورية في أي تحالف مقبل تؤكد استعدادها لتسهيل تشكيل حكومة مستقرة وعدم استعدادها للعودة إلى انتخابات ثالثة، وتؤكد كل المؤشرات أن مفتاح تشكيل الحكومة يبقى من جديد في يد الحزب الاشتراكي سواء كانت يسارية بزعامة بيدرو صانشيص أو يمينية بزعامة ماريانو راخوي في حالة قبول الحزب الاشتراكي بالامتناع عن التصويت ، والاختيارين يهددان مستقبل الحزب الاشتراكي العمالي كقاطرة تاريخية لليسار الاسباني. في انتظار ما ستفرزه الحوارات الماراطونية المنتظرة ابتداء من يوم غد بين كل الفرقاء السياسيين ، تبقى الاحتمالات الأولى تشير إلى اتفاق بين الحزب الاشتراكي وبوديموس على الامتناع عن التصويت تسهيلا لحكومة يترأسها راخوي بشراكة مع سيودادانوس وتنسيق معارضة يسارية مشتركة بين بوديموس والاشتراكي العمالي. المزيد بعد تقصي مستجدات الأيام القادمة