رغم أنني قلت من قبل ووضحت أن قراري الكتابة في هذا الموضوع غير موجه ضد أشخاص بعينهم، وانما هي محاولة لكشف أعطاب القطاع الصحي و الفوضى العارمة التي يعيشها وتنعكس بشكل سلبي على المواطن الضعيف و المقهور ، الا أنني مضطر لأكرر أن كل ما سأحكيه هو من صميم الواقع المر الذي عشته وليس خيالا أو كلاما يتبادله الناس بالمقاهي و الشوارع. المهم سمعت أن القابلة الشابة التي تعاملت بلطف وحاولت أن تشرح الحالة رغم تعقيداتها، تقول أن ابني سيتم توجيهه الى المستشفى الجهوي سانية الرمل بتطوان وقد حدثت مساعدتها بذلك. تسلمت الورقة التوجيهية بعد توقيعها و خرجت لأجد في انتظاري سائق سيارة الاسعاف ، حيث تم ربط الرضيع بالأوكسجين لتجلس أمامه الممرضة وننطلق في اتجاه الطريق السيار .. لم أتكلم مع السائق كثيرا وكان كل همي متى الوصول للاطلاع على الحالة التي يعيشها براء و امكانية الانقاذ و العلاج.. هاتفت أحد أفراد العائلة و قلت سنلتقي عند المستعجلات بتطوان بعد قليل، نحن الآن على مشارف المضيق. كان السائق يتحدث أيضا في الهاتف لكن لم أركز على ما يقول حتى وصلنا محطة الأداء بالطريق السيار فدفعت ثمن الرحلة و انطلقنا من جديد. عندما وصل السائق مخرج مدينة المضيق، فاجأني بتغيير المسار والخروج من الطريق السيار في اتجاه مستشفى المضيق، فسألته أن القابلة الشابة قالت أننا سنتوجه الى سانية الرمل لكنه لم يجب على سؤالي و ظل صامتا غير مبال. كان تركيزي مشتتا و لا أريد الدخول في صراع مع أحد، على الأقل للحفاظ على ما تبقى من توازني وضبط الاعصاب الذي تحتاجه المسؤولية التي تنتظرني في رحلة البحث عن علاج و انقاذ ابني براء . وصلنا مستعجلات مستشفى المضيق ،ولم يكن في استقبالنا أحد سوى ممرض واحد طلب مني أن أفتح باب سيارة الاسعاف، فنزلت الممرضة تحمل ابني بين ذراعيها و تسأل أين الأوكسجين أين الأوكسجين … دون جدوى . طلب منها الممرض أن تذهب الى قاعة قريبة مشيرا بيده دون أن يتحمل عناء ايصالها، فرحت أبحث بنفسي لأعثر أخيرا على الأوكسجين و يتم ربط الرضيع به الى جانب سرير شخص آخر مسن.. سأل أحدهم عن طبيب المستعجلات فرد الممرض أنه ذهب لتناول قهوة و سيعود بسرعة،قبل أن يخاطبني شخصيا (واش أنت فرملي ؟) فأجبت بالنفي.. خرجت لأبحث عن شخص مسؤول أتحدث اليه ،وعندما عدت وجدت براء بمفرده و الممرضة قد غادرت بعدما طلب منها السائق العودة (السيد قالو ليه وصل الرضيع لسانية الرمل لاحني غير في المضيق ، و مزروب خاصو يرجع فحالو ).. رفعت صوتي عاليا و قلت أين هو مسؤول هذه المستعجلات ؟! هل هذه مستعجلات هذه ؟! تتركون رضيعا في حالة خطر بمفرده غير مبالين، هذا استهتار ما بعده استهتار. حاولت دموع الحرقة المختلطة بالحكرة أن تداعب أجفاني لكنني منعتها، رغم صعوبة الموقف ومتابعتي لبراء و هو يحاول جاهدا التمسك بالحياة والاستمرار في التنفس . جاء أحد المسؤولين و حاول تحوير النقاش بدعوتي الى التزام الهدوء (ديك اللعبة ديال ضربني و بكا و سبقني و شكا)، لكنني ركبت رقم هاتف مندوب الصحة و حكيت له باختصار ما عشته في مستعجلات المضيق. اتجهت نحو المدير ودخلنا في حوار حاول من خلاله توضيح أن المشكل في الخصاص المهول للموارد البشرية وأن مستعجلات المضيق تشتغل بممرض واحد، أي نعم ممرض واحد و بعض المتدربين فقط للساكنة وزوارها خلال العطلة الصيفية.. (واسمع هادي اسي الوردي مول الهيليكوبتر، أو لي قراها يحاول يوصلها ليك في سبيل الله انت و سي بنكيران ).. قال المدير أن المصالح المسؤولة بالفنيدق لم تشعره بحالة ابني لاستقبالها، وأن السائق ربما أخطأ التقدير في التوجه الى المضيق عوض تطوان.. مزيان قلت في نفسي (لاحني في المضيق بحال شي خطاف البلايص و سلت ).. وأضاف المدير أن حالة ابني تتطلب الذهاب الى تطوان (هنا ما عندنا ما نزيدوه استاذ ، و دابا غادي تديك الاسعاف). تساءلت دون جواب : لماذا لم يلتزم السائق بتعليمات القابلة بالفنيدق ؟ هل من المعقول أن يتم الاستهتار بأرواح الناس بهذا الشكل ؟. عند الناس تعني الثواني الشيء الكثير لانقاذ حياة المريض في حالة الخطر ،وعندنا لا يهم أن يرسلك الطبيب الى تطوان ويحملك سائق سيارة الاسعاف الى المضيق كي تسجل حضورك وتتأخر لأكثر من نصف ساعة ثم تنطلق من جديد . طبعا سأعود الى مستشفى الفنيدق لتسجيل شكاية مكتوبة في أقرب وقت و توجيه نسخ منها الى المسؤولين.. (راه حز في نفسي كثيرا تعامل الشيفور بتلك الطريقة، بحالي مشارجي الدلاح و اختار يجرب أقرب سوق لترويج البضاعة، ماشي هاز نفس بشرية في حالة خطيرة تتطلب المساعدة والانقاذ )... يتبع .