عبد الحميد البجوقي - كاتب و ناشط الحقوقي انتهت الانتخابات الاسبانية برسم 20 ديسمبر من هذه السنة، وأفرزت مشهدا سياسيا غير مسبوق، قطعت النتائج النهائية مع القطبية الحزبية التي هيمنت على الخريطة السياسية الاسبانية منذ عودة الديموقراطية سنة 1978، وبرز جيل جديد من الأحزاب ينافس الأحزاب التقليدية في مواقعها وقلاعها التاريخية، سواء منها اليمينية أو اليسارية، وفي مقدمتها حزب بوديموس PODEMOSالذي حصل على الرتبة الثالثة بين الفائزين ب69 مقعد وبفارق 21 مقعد مع الحزب الاشتراكي العمالي PSOE ، وفي المقابل نجد بروزا مهما ولو بحدة أقل للحزب الليبيرالي الصاعد سيودادانسCIUDADANOS بحصوله على 40 مقعد مقابل 123 التي حصل عليها الحزب الشعبي اليميني PPالذي رغم تبوءه المرتبة الأولي بين الفائزين فقد 62 مقعدا من التي حصل عليها في انتخابات 2011، وتراجعت أغلب الأحزاب الجهوية بشكل محدود وفي مقدمتها الحزب الجمهوري الكطلاني ESQUERRA REPUBLICANA الذي حصل على 9 مقاعد وكذلك حزب الديموقراطية والحرية DEMOCRACIA Y LIBERTAD أسسه حديثا زعيم الانفصاليين بكطالونيا أرتور ماس والذي حصل على 8 مقاعد، بينما تراجع اليسار الموحد IU إلى مقعدين يتيمين ، وحافظ الحزب الوطني الباسكي PNVعلى مقاعده الستة ، وتمكن حزب بيلدو EH BILDUالباسكي الانفصالي على مقعدين وكان من نصيب التحالف الجهوي الكناري COALICION CANARIAمقعد واحد اعتاد أن يحصل عليه في أغلب الاستحقاقات السابقة. النتيجة أننا أمام خريطة معقدة وصعبة تحول دون تشكيل حكومة منسجمة سواء بقيادة اليمين الشعبي أو بقيادة الحزب الاشتراكي العمالي، خريطة شبهها الزعيم الاشتراكي التاريخي فيليبي غونصاليص بالمشهد الايطالي الذي تعودت أحزابه على المفاوضات المراطونية والتحالفات المستحيلة في تشكيل حكومات كان عمر بعضها لا يتجاوز أحيانا 6 أشهر، والتحدي اليوم أمام هذا المستجد هو مدى قدرة النخب الاسبانية على الامساك بناصية النفس الطويل في مفاوضات مراطونية ومعقدة بعد أن اعتادوا لما يزيد عن 30 سنة على سيناريو القطبية الحزبية والأغلبية المريحة. الأرقام لاتدع مجالا للشك أن الحزب الشعبي الفائز بالمرتبة الأولى لن يحصل على الأصوات الكافية لتشكيل الحكومة ، وأن أصوات سيودادانس والتحالف الجهوي الكناري ولا حتى الحزب الوطني الباسكي لا تعطي الأغلبية الكافية لتشكيل الحكومة، وفي المقابل لن يستطيع الحزب الاشتراكي العمالي تشكيل الحكومة دون دعم بوديموس واليسار الموحد والحزب الجمهوري الكطلاني وحزب أرتور ماس وبيلدو الباسكي والحزب الوطني الباسكي، وتحديات مثل هذا التحالف الواسع ، أن الحزب الاشتراكي العمالي حزب سيادي يعتبر الاستفتاء في كطالونيا خط أحمر لا يمكن القبول به بينما بوديموس التزمت في برنامجها بالعمل على تنظيم استفتاء قانوني في كاطالونيا والسماح للشعب الكطلاني التقرير الحر في مصير استمراره أو انفصاله عن اسبانيا، كما أن الأحزاب الكطلانية المتزعمة للإنفصال شرطها الثابت أن يقبل الاشتراكيين بتنظيم الاستفتاء ، وكذلك الأمر بالنسبة لبيلدو الباسكي، وقبول زعيم الاشتراكيين بمثل هذا السيناريو يهدد الحزب الاشتراكي بالانفجار نظرا للمواقف المحافظة والمتششدة لعدد كبير من قياداته الوطنية والجهوية ، كما هو حال سوسانا دياث Susana Diaz Pacheco رئيسة الأندلس والجهة التي تعطي للحزب أكبر نسبة من المقاعد (62). تعقيدات المشهد وإكراهات الحصول على أغلبية منسجمة من طرف الحزبين، وما يُثيره السيناريو الثاني بزعامة الاشتراكيين وبوديموس من مخاوف أوروبية على مستقبل الاصلاحات التي فرضتها الوحدة الأوروبية على اسبانيا لمواصلة دعمها للخروج من الأزمة الاقتصادية، يدفع بعض المحللين إلى احتمال الدعوة إلى انتخابات جديدة للخروج من الأزمة، ومثل هذا السيناريو يرفضه بقوة الحزب الاشتراكي والأحزاب الصاعدة تخوفا من تراجع الناخب الاسباني وعودته إلى العزوف عن المشاركة مما يصب إيجابا في ملعب اليمين الشعبي. كذلك تلوح في الأفق وبقوة إمكانية تشكيل حكومة إنقاد وطني بين الحزب الشعبي والحزب الاشتراكي ، وتساند الوحدة الأوروبية هذا السيناريو بقدر ما تدعمه قيادات نافدة في الحزبين لقطع الطريق أمام حكومة ائتلافية ضعيفة وغير قادرة على مواصلة الاصلاحات الاقتصادية والتهديد الكطلاني بالانفصال، وأكد أحد القياديين في الحزب الاشتراكي لموفد شمال بوسط أن هذا السيناريو له مبرراته ولايعد سابقة في أوروبا باعتبار أن ألمانيا سبق لها أن اضطرت لمثل هذا السيناريو حيث شكل حزب المحافظين CDU بقيادة أنجيلا ميركل Angela Merkelحكومتها الثانية سنة 2005 بالتحالف مع الحزب الاشتراكي الألماني SPDبمبررات الحاجة لحكومة إنقاد وطني قوية وقادرة على استباق تداعيات الأزمة الاقتصادية. ماهي إذا الاحتمالات الممكنة ، وما مدى قدرة النخب الاسبانية على الخروج من هذا المأزق الذي لم تتعود عليه ، وهو تحدي يتعلق أساسا بالقدرة على مفاوضات شاقة وطويلة ، وفيما يلى سنحاول ترتيب السيناريوهات الأكثر احتمالا كما تتداولها مصادر مؤثرة من أحزاب اليسار حصل عليها موفد شمال بوسط أثناء تغطيته للإنتخابات. السيناريو الأول: أن يحاول ماريانو راخوي تشكيل حكومة بدعم من حزب سيودادانس والحزب الوطني الباسكي والتحالف الجهوي الكناري في الدور الثاني من التصويت بأغلبية نسبية، ومثل هذه الحكومة ستكون ضعيفة تحتاج لمفاوضات شاقة لإصدار القوانين والمصادقة على الميزانية. السيناريو الثاني: أن يتمكن الحزب الاشتراكي العمالي من تشكيل تحالف واسع مع كل الأحزاب الجهوية وبوديموس، سيناريو معقد يواجه تحديات القبول بشرط تنظيم استفتاء تقرير المصير في كاطالونيا، وهو ما ترفضه بقوة قيادات نافدة في الحزب. السيناريو الثالث: تشكيل حكومة إنقاد وطني تجمع لأول مرة بين الحزب الشعبي والحزب الاشتراكي بمبررات مواصلة الاصلاحات الاقتصادية مع التخفيف منها ، وكذلك مواجهة خطر الانفصال في كاطالونيا، وهو السيناريو الذي يُحبذه الحزب الشعبي وبعض البارونات في الحزب الاشتراكي وتدعمه بقوة الوحدة الأوروبية والحكومة الألمانية، ويمكن أن يلتحق حزب سيودادانس بهذا التحالف. السناريو الرابع: الدعوة لإنتخابات جديدة بعد فشل كل المحاولات والسيناريوهات السابقة، وهو السيناريو الذي يحاول تلافيه كل من الحزب الاشتراكي والأحزاب الصاعدة. قد تبدو بعض السيناريوهات مستحيلة لكنها ممكنة في السياسة ، ويقول المثل الإسباني "في السياسة كل شيء ممكن بما في ذلك النوم مع خصمك في سرير واحد"