ذهب الكثير الى دار البقاء هذا العام، من مفكرين ومثقفين وفنانين وسياسيين، ومن شتى الاتجاهات والتيارات القومية والليبرالية والإسلامية واليسارية، ومن مذاهب دينية مختلفة ومن بلدان متفرقة، وفي أوقات متتابعة، وأزمنة متقاربة. بعضهم أكمل مشروعه والبعص الآخر توقف في منتصف الطريق. كما حظوا بشهرة واسعة كل حسب مجال بحثه وتخصصه والقضايا التي كان يشتغل عليها. بعضهم كتب بأكثر من لغة وترجمت كتاباته الى لغات عدة. كما نالوا جوائز في محافل دولية وإقليمية... لكن المشترك بين هؤلاء؛ أنهم كلهم رحلوا عن هذه الحياة وأصبحوا في ذمة التاريخ، مخلفين آثارهم وإنجازاتهم بإيجابياتها وسلبياتها... و خلفوا مع هذا الإرث تلاميذ ومؤسسات تتبنى أفكارهم كليا أوجزئيا. كلما هوى علم من هؤلاء الأعلام والرموز والشخصيات، كتب عنه المعجبون والمتأثرون بخطهم، وحتى المخالفين نجد كتاباتهم تعبر عن وجهات نظر حيالهم، نظرا لما أثاروا من أسئلة وما تركوه من مؤلفات هامة. رحلوا جميعا وقطفهم هادم اللذات بغتة. وظل أغلبهم يكتب ويحاضر بالرغم من المرض، وبخاصة المرض اللعين -السرطان- الذي كتب الكثير عنه السوسيولوجي الجزائري "عمار بلحسن" في كتابه الذي طبع مباشرة بعد وفاته عام 1993م الموسوم ب "يوميات الوجع ". كما كتب عنه الكاتب البحريني المتألق أحمد البنكي وغيرهم... وكما يقال: من لم يمت بالسيف مات بغيره، تعددت الأسباب والموتُ واحدُ. فحتمية الموت لا أحد يستطيع ان يفرمنه؛ أينما كان ومهما دان وحيثما وجد. يدركه الموت لا محالة. من هؤلاء الذين رحلوا عنا هذا العام في الوطن العربي والإسلامي، منهم من قرأنا خبر وفاتهم في الإعلام بأنواعه، ومنهم من لم يذع خبرهم لأسباب عدة. لكن يبقى عزاؤنا في ما تركوه. وبما أن الذين رحلوا ذوو اهتمامات مختلفة وتخصصات علمية متنوعة، فإننا سنقتصر على الشخصيات التي أثرت المشهد الثقافي والإسلامي بنتاجات وعطاءات مهمة ومواقف جريئة. واللافت للانتباه أننا نجد في قافلة من ودعونا هذا العام من كان يرفع شعار "الإسلام هو الحل" إلى جانب من رفع عكسه "العلمانية هي الحل". لكن الموت لم يفرق بينهم فتلحظ موت الخصم إلى جانب النقيض في الطرح. أولا: فقدت الأمة العربية و الإسلامية ثلاثة من رموزها، الذين كان لهم تأثير كبير وبارز؛ أحدهم من الساحة السنية وهو شيخ الأزهر "سيد طنطاوي"، والآخر من الساحة الشيعية العربية؛ المرجع الشيعي اللبناني "محمد حسين فضل الله"، أما الثالث فهو من المغرب العربي وهو الشيخ "عبد الرحمان الجيلالي" من القطر الجزائري. وفيما يلي نبذة موجزة عن نتاجهم وبعض من مواقفهم. الشيخ سيد طنطاوي : توفي يوم الاربعاء 10مارس 2010م عن عمر يناهز (81 عاما) متأثرا بأزمة قلبية مفاجئة في العاصمة السعودية الرياض، والشيخ رحمه الله أثار في حياته كثيرا من الجدل لاسيما في قضية مصافحة بيريز. وهو القائل: "النقاب مجرد عادة ولا علاقة له بالدين الاسلامي من قريب او بعيد"، مما أثار حفيظة المحافظين والسلفيين عليه... محمد حسين فضل الله: توفي في 4 يوليوز 2010عن عمر يناهز75 يعد من أكثر المراجع الشيعية انفتاحا على التيارات الأخرى، وهوصاحب المقترح القيم والفريد بجعل يوم عاشوراء يوم الحسين العالمي للتبرع بالدم الى الجرحى في عموم العالم، كاقتراح بديل عن ظاهرة اللطم او تطبير الرأس حتى يتطاير الدم حزنا على الامام الحسين ع، وهو صاحب العبارة الذهبية "دولة الانسان" فضلا عن مواقفه من قضايا الأمة وعلى رأسها القضية الفلسطينية والمقاومة، ولفضل الله العديد من المؤلفات بينها 8 كتب فقهية، و16 كتابا في الإسلاميات، و16 محاضرة، و5 كتب في شرح القرآن الكريم، و5 كتب أدعية، و8 كتب تتناول سيرة أهل البيت، و4 كتب اجتماعية، و3 دواوين شعر، و10 كتب جمع فيها فتاويه. الشيخ عبد الرحمان الجيلالي: توفي في 12 نونبر2010 عن عمر يناهز103. عمل العلامة عبد الرحمن بن محمد الجيلالي أستاذا جامعيا ومدرسا للفقه المالكي، عرف بتقديمه لحصص إذاعية و تلفزيونية حول الأحاديث الدينية والفتاوى. وقد اشتهر الجيلالي في كافة أرجاء المغرب العربي وشمال إفريقيا، بكتبه في أصول الدين الاسلامي وتاريخ الجزائر، وكذا أصول المعمار الإسلامي والعملة الجزائرية، ناهيك عن تاريخ المدن الجزائرية، إضافة إلى مصنفين حول سيرتي العالمين "عبد الرحمن محمد ابن خلدون" و"محمد بن أبي شنب" وهو شيخه وأستاذه، ويُحسب للراحل أنّه كان السبّاق إلى جمع ذاكرة الجزائر على نحو شامل وكامل في مصنّفه الفريد "تاريخ الجزائر العام" (صدرت منه ثماني طبعات)، قيل عنه إن كل من تعلم شيئا من العربية في عاصمة الجزائر، تعلمه على يد الشيخ عبد الرحمن الجيلالي، في العشرينات من القرن الماضي. ثانيا: الرعيل الأول للإخوان المسلمين؛ وإن كان بعضهم لم يعد مرتبطا بالتنظيم الحالي، لاسيما الذين خرجوا من مصر منذ زمن بعيد، وتفرغوا للبحث والانتاج. عبد العظيم الديب: مصري مقيم بقطر؛ توفي يوم الاربعاء 6 يناير2010م.يلقب "بعاشق الجويني" " صاحب إمام الحرمين" من تآليفه: كتاب (نهاية المطلب في دراية المذهب) تمَّ موسوعة المذهب الشافعي في 19 مجلدًا لإمام الحرمين، أمضى في تحقيقه ما يزيد على 20 عامًا. نشرت له (مجلة الأمة) في سلسلة كتبها الدورية: كتابا منها بعنوان: (المنهج في كتابات الغربيين عن التاريخ الإسلامي). محمود شكري: توفي يوم الجمعة 8 يناير 2010 أسس دار الدعوة بالإسكندرية للنشر والتوزيع عام 1978 لتتولي طباعة ونشر كتب الحركة ورموزها. عزالدين ابراهيم: مصري مترجم توفي في 30 يناير 2010م، في لندن بالمملكة المتحدة، مدير جامعة الإمارات الأسبق والمستشار الثقافي للشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مشارك مهم في حوار الحضارات والثقافات والأديان. عبد المنعم تعيلب:30/07/2010 عن عمر يناهز89 شارك في ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الإنجليزية، كما شارك في إرساء قواعد ترجمة معاني القرآن الكريم إلى سائر اللغات. من نتاجه "إعداد تفسير الكتاب العزيز" حسب ترتيب السور الذي راجعته إدارات الفتوى والبحوث بالرياض.أما عبد الصبور شاهين: فقد توفي يوم 26/09/2010 عن عمر يناهز 80له فضل كبير في ترجمة كتب المفكر الجزائري مالك بن نبي، وهو صاحب كتاب " أبي آدم" الذي ثار حوله جدل كبير، ينسب له توليده وتعريبه لمصطلح "حاسوب" وهو المقابل العربي لكلمة "كمبيوتر"، والذي أُقرَّ من قبل مجمع اللغة العربية، ويقول البعض أن هذا المصطلح يعود نحثه للغوي المغربي محمد لخضر الغزال. ثالثا: أكاديميون هاجسهم تنوير / تطوير الفكر العربي و الاسلامي: كما فقد هذا العام العالم العربي والاسلامي أهم رموزه، الذين حملوا مشاريع فكرية للنهوض والارتقاء بالأمة الى الأمام، رغم اختلاف منطلقاتهم والأرضية التي يقفون عليها. محمد فتحي عثمان: توفي 11 سبتمبر2010 عن عمر ناهز 82 عاما، في مدينة لوس أنجلوس بولاية كاليفورنيا الأميركية.وهو صاحب رؤية ليبرالية إنسانية تنطلق من المنظومة الاسلامية، من أهم أعماله (الفكر الإسلامي والتطور). كان الراحل فتحي عثمان مناصرا للقضايا الإنسانية ومجتهدا في القضايا المعاصرة. محمد عابد الجابري: توفي يوم 03 ماي2010م بالبيضاء يعد محمد عابد الجابري أحد رواد الفكر العربي المعاصرين، أما الإشكالية التي شغلت ذهن الجابري طيلة ما يقرب من نصف قرن فهي: هل بإمكاننا بناء نهضة بدون عقل ناهض؟ و لقبه البعض بمجنون العقل العربي، حيث فككه إلى عقل برهاني وبياني وعرفاني وهو صاحب المؤلف المشهور بأجزائه "بنية العقل العربي". وقد تعددت الدراسات التي تناولت مؤلفاته تحليلا ونقدا ونقاشا، ولعل أبرزها دراسات الدكتور جورج طرابشي، وما زالت أفكاره تثير جدلا في أوساط المفكرين وتغري الباحثين بالكتابة حولها. محمد أركون: توفي يوم الثلاثاء 14 سبتمبر 2010 في العاصمة الفرنسية باريس، عن عمر ناهز 82 أصله جزائري، يحمل الجنسية الفرنسية، أوصى بدفنه بالمغرب. ترك أركون مكتبة ثرية بالمؤلفات والكتب، ومن أهم عناوينها: "ملامح الفكر الإسلامي الكلاسيكي"، "دراسات الفكر الإسلامي"، "الإسلام أمس وغدا"، "من أجل نقد للعقل الإسلامي"، "الإسلام أصالة وممارسة"، "الفكر الإسلامي: قراءة علمية"، "الإسلام: الأخلاق والسياسة"... نصر حامد أبو زيد: توفي يوم الاثنين 5 يوليوز2010 بالقاهرة(67 عاما) قالت زوجته إنه توفي إثر إصابته بفيروس مجهول خلال زيارة له لإندونيسيا قبل بضعة أسابيع من وفاته. وقد أثار جدلا كبيرا بشأن كتاباته في الفكر الإسلامي والديني ومعارضته سلطة النص المطلقة، مما أدى إلى صدور حكم من محكمة الأحوال الشخصية بتطليق زوجته منه؛ لأنه اعتبر مرتدا عن الإسلام. له مؤلفات منها: الاتجاه العقلي في التفسير، ودراسة في تأويل القرآن عند محيي الدين ابن عربي، مفهوم النص دراسة في علوم القرآن، اشكاليات القراءة واليات التأويل، نقد الخطاب الديني.. فؤاد زكريا: توفي يوم 11 مارس 2010 بمصر(83عاما) أكاديمي وأستاذ جامعي مصري متخصص في الفلسفة. وهو صاحب مقال (العلمانية هي الحل) رداً على دعوة (الإسلام هو الحل). وهو أحد أبرزالمنتقدين للمنهج السلفي. من مؤلفاته: نيتشه، 1956 /نظرية المعرفة والموقف الطبيعي للإنسان/آراء نقدية في مشكلات الفكر والثقافة، 1975 /التفكير العلمي، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، 1978 /الحقيقة والوهم في الحركة الإسلامية المعاصرة، 1986 /الصحوة الإسلامية في ميزان العقل، 1987 /آفاق الفلسفة، 1988 /برتراند راسل: حكمة الغرب، سلسلة عالم المعرفة.... عبد العزيز الدوري: عراقي مقيم في الاردن، توفي يوم الجمعة19نوفمبر2010. يلقب بشيخ المؤرخين العرب ومن أشهر مؤلفاته: نشأة علم التاريخ عند العرب / مقدمة في تاريخ صدر الإسلام / مقدمة في التاريخ الاقتصادي العربي / بحث في نشأة علم التاريخ عند العرب / العصر العباسي الأول: دراسة في التاريخ السياسي و الإداري و المالي / الجذور التاريخية للشعوبية / التكوين التاريخي للأمة العربية: دراسة في الهوية و الوعي / ابن خلدون والعرب: مفهوم الأمة العربية (في الفكر الاجتماعي الخلدوني: المنهج والمفاهيم والأزمة المعرفية ) / العصر العباسي الأول دراسة في التاريخ السياسي والإداري والمالي / "دراسات في العصور العباسية المتأخرة "... أحمد البغدادي: ت 8غشت 2010م عن عمر يناهز59عاما. مفكر وأكاديمي كويتي، يكتب في صحيفة (السياسة الكويتية)، مدافع عن الفكر الليبرالي والديمقراطية صاحب عمود "أوتاد"، من آثاره "الديمقراطية: معنى ومبنى". /تجديد الفكر الديني دعوة لاستخدام العقل: محاولة في قراءة عقلية للفكر الديني، صدر عام 1999./حزب التحرير: دراسة في مفهوم الدولة الإسلامية" الدولة الإسلامية بين الواقع التاريخي والتنظير الفقهي، الفكر الإسلامي والإعلان العالمي لحقوق الإنسان /الفكر السياسي لأبي الحسن الماوردي /الفكر السياسي لابن تيمية (ترجمة). /دراسات في فقه السياسة الشرعية/أحاديث الدين والدنيا: الواقع المفارق للنص الديني، صدر عام 2005... محمد أحمد البنكي: توفي يوم 28أبريل 2010م عن عمر ناهز 47 عاماً. وهو المشرف على مجلة "أوان"، والملقب "بدريدا العرب"؛ مثقف بحريني عمل وكيلا في وزارة الثقافة والإعلام، له كتاب «عبدالله الغذامي والممارسة النقدية والثقافية»، وهو من إصدار المؤسسة العربية للدراسات والنشر، في بيروت، وفي العام 2005 أصدر كتابه: «دريدا عربياً: قراءة التفكيك في الفكر النقدي العربي». غازي القصيبي: توفي يوم الأحد 15 أغسطس 2010 بالرياض عن عمر يناهز السبعين عاما. علم ثقافي من أعلام المملكة العربية السعودية، كان تنويرياً يسعى إلى المعاصرة، وقيل عنه إنه واجه الاصولية بالأدب. ومن أشهر أعماله "شقة الحرية" و "العصفورية" و"دنسكو" و"أبو شلاخ البرمائي" و"سبعة" و"سعادة السفير" و"الجنيّة و"معركة بلا راية" و"أشعار من جزائر اللؤلؤ" و"للشهداء" و"حديقة الغروب". وله أيضا في التنمية والسياسة والإدارة وغيرها. داود سلوم: ت الجمعة 13 غشت عن عمر يناهز 80. أديب و ناقد ومفكّر عراقي، من مؤلفاته: "تطور الفكرة والأسلوب في الأدب العراقي في القرنين 19/20" و"شعر الكميت بن زيد الأسدي" و"النقد المنهجي عند الجاحظ" و"قصص الحيوان" و"الحكاية الشعبية العراقية" مع د.صبري مسلم، و"تطور الفكرة والأسلوب في الأدب العراقي"، بغداد 1955 و"الأدب المعاصر في العراق"، بغداد 1962 و"تاريخ النقد العربي من الجاهلية حتى نهاية القرن الثالث"، بغداد 1969 و"التأثير اليوناني في النقد العربي القديم"، بغداد 1971 و"مقالات عن الجواهري وآخرين"، بغداد 1971 و"دراسات في الأدب المقارن التطبيقي"، بغداد 1984 و"حيث لا تشيب السنون" 1970 والمرأة في حياة السياب" 1971 و"ديوان نصيب" و"مقالات في النقد الادبي" و"مقالات في الادب المقارن" و"اثر الادب العربي في تراث العالم" و"الجاحظ - منهج وفكر، وفي عام 2005 أصدر الدكتور داود سلوم كتاباً عنوانه "السرقات الفنية للآثار الأدبية "سرقات الدكتور محمد نبيل طريفي أنموذجا"... الطاهر وطار: ت الخميس12أغسطس غشت2010م عن عمر ناهز 74 عاما. أديب وروائي جزائري، كرس حياته للعمل الثقافي التطوعي وقد أنشأ وطار الجمعية الثقافية "الجاحظية" عام 1989، وهي تحمل شعار "لا إكراه في الرأي" وأهم كتب وطار "اللاز" و " الزلزال" و" الحوات والقصر" و"رمانة" و"تجربة في العشق" و"عرس بغل" و"العشق والموت في الزمن الحراشي" و"الشمعة والدهاليز" و"الشهداء يعودون هذا الأسبوع" و"الولي الطاهر يعود إلى مقامه الزكي"."الولي الطاهريمد يديه بالدعاء"... وقد يكون ثمة من المبدعين والشعراء والأدباء والمثقفين االمغمورين في ربوع الوطن العربي، من لم نتمكن من معرفة وفاتهم، وحسبنا هذه الكوكبة وهي تكريم لروح هؤلاء وغيرهم، وحفظا للذاكرة من نسيانهم. ولا يفوتني أن نذكر وفاة أحد أعلام الثقافة والسياسة بالمغرب وهما: الأديب والمثقف المغربي من أصول يهودية إدموند عمران المالح(توفي يوم الاثنين(16/11/2010م)، من مؤلفاته: المجرى الثابت عام 1980 المقهى الأزرق: زريريق عام 1998، كتاب الأم عام 2004 أيلان أو ليل الحكي، حقيبة سيدي معاشو (...) ترجمت أغلب أعماله من اللغة الفرنسية إلى اللغة العربية. وكذا المناصل السياسي "الأممي" ابراهام ألبير السرفاتي(توفي يوم الخميس(18/11/2010م)، وكلاهما من مناهضي الصهيونية وقد رفضا السفر والهجرة الى إسرائيل. ختاما: رمنا من وراء هذه السطور، استحضار جزء يسير من سيرة هؤلاء، والاطلاع على نتاجهم والجهود التي بذلوها لتحقيق إنجازاتهم، وما انطوت عليه من مواقف وإبدعات وعصامية. وقد استمرت عطاءاتهم إلى آخر لحظة من حياتهم، والدليل أن أكثرهم لم يعتزل الكتابة إلا في حالة العجز. والبعض صدرت كتب لهم بعد وفاتهم، هذا فضلا عن المخطوطات والمشاريع غير المكتملة والتي يتكلف بإتمامها عادة تلاميذتهم. مما لا شك فيه أن الجدل والنقاش بعد مماتهم سيستمر، وعزاؤنا في إرثهم الفكري. إن موتهم يجب أن يكون للأجيال الصاعدة حياة جديدة لهم وذلك بالانكباب على العلم والمعرفة، واستعادة مشاريعهم وأفكارهم التنويرية والنظر في الايجابيات والسلبيات بغية الاستفادة والافادة. والسؤال المطروح في هذا السياق: هذه نخب بدأت تغادرنا واحدة تلو الاخرى، وكانت رمزا لمرحلةٍ مضت، هل ثمة بديل لنخب جديدة تعوض هذه الخسارة التي منيت بها الأمة في هذه الظروف الحساسة والدقيقة؟ ومن سيملأ الفراغ الذي تركوه، وهل سنجد نظراء لهم-يتجاوزونهم أو على الأقل يكونون في حجم عطاءهم- في هذا الزمن البئيس؟ ربما أضعف الإيمان إن لم نقل من أوجبه أن تعمل جامعاتنا ووزارات الثقافة والتربية والإعلام في عالمنا العربي على: نشر المعرفة والثقافة من خلال برامج وأنشطة مكثفة (ليست مناسباتية) ترفع مستوى الذوق والوعي، بدلا من ثقافة التسطيح والضحالة وتشجيع الكتب الصفراء التي تبلد الذهن. ترسيخ حرية التفكير والتعبير والمعتقد وتعزيز الحريات الأكاديمية /والإعلامية، وعدم محاكمة أي أحد على أفكاره، والتشجيع على مقارعة الفكر بالفكر. الانكباب على التفكير والنقد لنتاج هؤلاء والنظر بعين فاحصة ناقدة لتلمس جوانب الإبداع والقوة فيه، بدلا من التمكين لتلك النظرات التي تحاكم الأعمال من زاوية "أخلاقاوية" فتفوت على الأمة فوائد جمة. ضرورة قيام المراكز البحثية والمؤسسات الثقافية بالعناية بنتاجهم ومشاريعهم تعريفا ودراسة وتحليلا ونقدا. ورحم الله الجميع وأسكنهم فسيح الجنان