مع الغموض الذي يلفّ صحة الرئيس الجزائري منذ إصابته بفيروس كورونا ومغادرته للعلاج في ألمانيا، باتت الجزائر تعيش حالة ترقّب وتخوّف ومطالبات بالشفافية وموقف الدستور في حال طالت فترة الغياب، إذ تنتظر الرئيس ملفات معلقة، مع استمرار حالة التوتر بالبلاد. وستحل يوم 19 ديسمبر الجاري، الذكرى الأولى لجلوس عبد المجيد تبون على كرسي الرئاسة في الجزائر، قبل ذلك بيوم ستكون الجزائر عاشت شهرين كاملين بعيداً عن أي نشاط لتبون، وقرابة شهرين على شغور منصب الرئاسة منذ مغادرة تبون للعلاج من فيروس كورونا المستجد في ألمانيا.
وعلى الرغم من أن الرئاسة الجزائرية أعلنت في 30 نوفمبر المنصرم، أن تبون سيعود إلى البلاد "في الأيام المقبلة" بعد إنهائه رحلة العلاج التي دامت أكثر من شهر، فإنها لم تعلن وصوله الجزائر بعد، كما أنها لم تقدم تفاصيل بشأن المكان الذي سيقضي فيه تبون فترة النقاهة.
هذا الغموض الذي يلفّ حالة تبون الصحية، خيّم على الوضع السياسي الداخلي في البلاد، وسط مطالبات بالإعلان الواضح والشفاف عن حالته الصحية، وموقف الدستور في حال طالت فترة الغياب، إذ تعيش البلاد حالة انتظار بملفات معلَّقة تنتظر عودة الرئيس، مع استمرار حالة التوتر في المشهد السياسي في ظل استهداف لنشطاء الحراك والصحفيين على وجه الخصوص.
غياب تبّون والمادة 102 غياب تبون يُعيد إلى أذهان الجزائريين سيناريو شغور منصب الرئيس الذي سبق أن عاشوه مع كل مرة دخل فيها الرئيس الأسبق عبد العزيز بوتفليقة إلى المستشفى أو نُقل إلى خارج البلاد لتلقي العلاج، بعدما أُصيب بجلطة دماغية في 2013.
الخوف من تكرار سيناريو بوتفليقة الذي كان يترك البلاد في يد أخيه، بالإضافة إلى الغموض الذي يلف الملف الصحي لتبون، أعاد إلى السطح الحديث حول المادة 102 من الدستور، التي تسمح بإعلان شغور منصب الرئاسة، وبالتالي إبعاد البلاد عن الوقوع في أزمة دستورية.
في هذا الصدد قال الباحث السياسي الجزائري محمد هناد، إن "المادة 102 تسهّل الأمور، إذ تُقِرّ بشغور منصب الرئاسة على مرحلتين: الأولى مؤقتاً إذا ثبت وجود مانع يحول دون قيام الرئيس بمهامه لمدة لا تتجاوز 45 يوماً، والثانية يُعلَن من خلالها الشغور بالاستقالة إذا ما تجاوز المانع هذه المدة الزمنية".
لويزة حنون - الأمينة العامة ل"حزب العمال" الجزائري من جهتها قالت الأمينة العامة لحزب العمال الجزائري لويزة حنون، في حوار مع صحيفة الخبر المحلية، إن "غياب الرئيس أدى إلى فوضى في أجهزة الدولة"، وهاجمت أداء الحكومة وقرارات بعض الوزراء.
وأكدت حنون أن "طريقة تواصل الحكومة غريبة جداً، وهذا ما يتسبب في الضيق والانقباض لدى المواطنين، مع وجود تساؤلات كثيرة مطروحة لأن الرئيس لم يظهر"، وأضافت أن "الوزراء في خضم كل ذلك يتصرفون في قطاعاتهم وفق الأهواء، كأننا في وضع اللا دولة. أصبحنا نسمع قرارات خطيرة جداً، ترهن مصير البلاد".
وتعليقاً على الجدل الدائر حول غياب تبون، اتهم وزير الاتصال الجزائري عمار بلحيمر، "دوائر وجهات معادية للجزائر" بالترويج ل"معلومات كاذبة" حول صحة الرئيس، وقال في تصريح لموقع ديزارتيك 24، إن الجدل الدائر هو "حملة مسعورة تشنها دوائر وجهات معادية للجزائر"، دون أن يكشف عن هذه الدوائر الخارجية...
ملفّات مُعلّقة الغياب المفاجئ لتبون أدى إلى تأخر وتعليق عديد من الملفات الداخلية والخارجية، بينها ما ينتظر توقيعه فقط، كما أن نقله للعلاج تزامن مع استفتاء شعبي بشأن تعديل دستوري طرحه، ونُظّم في 1 نوفمبر الماضي.
ويَعتبرُ تبون تعديلَ الدستور حجر الأساس في إصلاحات جذرية، تعهد بها قبل وبعد اعتلائه سدة الحكم في 19 ديسمبر 2019، من أجل بناء ما سماه "جزائر جديدة"، غير أنه بعد إعلان المجلس الدستوري النتائج النهائية للاستفتاء، تنتظر الوثيقة توقيع رئيس الجمهورية لكي تدخل حيز التنفيذ.
ويُعدّ دخول التعديلات الدستورية الجديدة حيز التطبيق، بمثابة مرحلة جديدة في البلاد، سبق للرئيس تبون أن قال إن "أهم ورشاتها إجراء انتخابات نيابية ومحلية مسبقة"، إذ تنتهي الولاية الحالية للبرلمان، وكذا مجلس البلديات والولايات، في مايو 2022، لكن تبون سبق أن أعرب عن نيته إحداث تغيير في هذه الهيئات، لأنها محسوبة على العهد القديم (في إشارة إلى نظام الرئيس عبد العزيز بوتفليقة).
ومنذ استفتاء تعديل الدستور، تشهد البلاد جدلاً بشأن ما إذا كانت الأولوية لحل البرلمان أم المجالس المحلية، وهو خيار سيحسمه تبون بعد عودته، كما أنه قبل إجراء أي اقتراع جديد في الجزائر، فإن السلطات مجبرة على تعديل قانون الانتخاب وتحديثه وفق ما ورد من نصوص جديدة في التعديل الدستوري.
من جهة أخرى، ينتظر قانون المالية لعام 2021 الذي صدّق عليه البرلمان في 26 نوفمبر الماضي، توقيع رئيس الجمهورية كمحطة أخيرة لدخوله حيز التنفيذ في يناير 2021، لسنة مالية تُعَدّ الأكثر صعوبة بسبب تبعات كورونا وانهيار أسعار النفط.
وحسب خبراء، فإن قانون الموازنة العامة الجزائري لعام 2021، تضمن عجزاً تاريخياً فاق 22 مليار دولار، بسبب الأزمة المزدوجة لكورونا، والانهيار العالمي لأسعار النفط.
وتنتظر أيضاً ملفات عدة مرتبطة بجائحة كورونا، قراراً حاسماً من تبون، على غرار المفاوضات لاقتناء لقاح مضاد للفيروس التي بدأتها الحكومة مع عدة مختبرات، في انتظار الخيار النهائي بشأن اللقاح المناسب.
وسيجد الرئيس الجزائري فور عودته ملف فتح الحدود وإنهاء تعليق النقل الجوي على طاولته، حيث تتعالى مطالب من أحزاب ومنظمات لعودة الملاحة الجوية من أجل إنهاء معاناة عالقين في الداخل والخارج.
حملة استهداف لنشطاء وسط اضطراب سياسي وفي خضم هذا الغموض السياسي الذي يخيّم على البلاد، تستمر السلطات الجزائرية منذ أشهر في استهداف نشطاء في الحراك ومعارضين سياسيين وصحفيين وناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، لتشهد البلاد زيادة في الملاحقات القانونية والإدانات.
في هذا الصدد أصدر القضاء الجزائري الاثنين، حُكماً بالسجن لمدة سنة مع وقف التنفيذ على الناشط كريم طابو، أحد أبرز وجوه الحراك الشعبي، بتهمة "المساس بالأمن الوطني"، وهو حكم خفيف نسبياً يُتيح له تفادي العودة إلى الاعتقال.
ففي الأول من نوفمبر، وافق الجزائريون على تعديل الدستور المقترح من جانب السلطة، لكن بنسبة مشاركة هي الأدنى في تاريخ البلاد. وبمقتضى التعديل، بات الدستور يشمل مجموعة من الحقوق والحريات الإضافية، لكن لم تُمَسّ أساسيات النظام الرئاسي، كما أن صلاحيات الجيش قد وُسّعت، ولا يذكر التعديل حرية الضمير كما كان وارداً في الدستور السابق، وهي أمور أثارت كثيراً من المخاوف وسط الجزائريين.
وسط ذلك لا تزال حملة التضييق على الصحافة ومحاكمة الصحفيين مستمرة، ففي 24 نوفمبر حُكم على كل من الصحفي سعيد بودور، والمُبلِغ عن الفساد نور الدين تونسي، اللذين كانا مضربين عن الطعام، بالسجن لمدة عام.
وفي 2 ديسمبر حُظرت ثلاثة مواقع إلكترونية على الأقل هي "القصبة تريبون" و"الطريق نيوز" و"توالى".