هاجس إرضاء المخزن طريق الثراء ثمة العديد من الأمثلة تؤكد أن مصدر الإثراء ما زال مُمركزا في يد الدولة، سواء تعلق الأمر بالامتيازات الريعية المُخولة للاستفادة الاقتصادية، أو المناصب السياسية المُؤدية إلى ذات الربح، وخير نموذج لما نقوله يتمثل في بعض نماذج الأشخاص الأكثر قربا من الملك محمد السادس، ويخطر على بالنا للوهلة الأولى الكاتب الخاص لهذا الأخير السيد محمد منير الماجيدي الذي استفاد من امتيازات عديدة، بدأت ببضع حصص في سوق الإشهار العمومي، لتصل إلى احتكار للقطاع برمته، ناهيك عن امتيازات أخرى عديدة، آخرها ولن تكون الأخيرة بكل تأكيد، الاستفادة من أرض عمومية بمنطقة تارودانت بثمن يقل عن سعرها الحقيقي في السوق، وبذلك تحول "ولد" حي التقدم الشعبي بالرباط من ابن موظف صغير، إلى واحد من أثرى أثرياء المغرب، لا لشيء إلا لقربه من دائرة ضوء السلطة المركزية، كما نجد أيضا نموذجا آخر يتمثل في صديق الملك فؤاد عالي الهمة، الذي يُضرب تكتم شديد حول حجم ثروته، بيد أن مصادر قريبة منه، تؤكد أنه يرفل في امتيازات كثيرة، أقلها التوفر على "حُظوة" تمويلات سخية من فاعلين اقتصاديين كبار، ينخرهم هاجس إرضاء المخزن وأصدقائه، وليس خافيا أن السيد فؤاد الهمة، لم يكن لينال هذه الامتيازات، لولا قُربه من محمد السادس، ثمة بكل تأكيد العديد نماذج الإثراء المخزني الكبيرة أو الصغيرة، حسب درجة الاقتراب من مُربع الحكم، ولن نتمكن من حصرها جميعا حتى لو أفردنا لها صفحات غير محدودة. صرح مرة أحد رجال بلاط محمد السادس لكاتب هذه السطور بما يلي "إن أصغر موظف بالديوان الملكي يتوفر على منزلين على الأقل وبكل تأكيد فإنه لم يحصل عليهما من عرق جبينه، بل لامتياز وجوده بدار المخزن" قبل أن يُردف: "أنا شخصيا طالما استفدتُ من قربي من ملك البلاد حيث إن ما نُسميه نحن المغاربة ب (الكلمة) يكون وزنها حسب درجة القرب أو البعد من الملك خلال المناسبات الرسمية". صحيح أن المعني كان ضمن حاشية الملك الحسن الثاني، غير أن بعض المعطيات الحالية المُتوفرة تؤكد أن الأمر لم يتغير كثيرا، ولا أدل على ذلك مما نُشر مؤخرا على أعمدة بعض الصحف، حول تلاعب بعض الحراس الشخصيين للملك بالرسائل التي يُوجهها مواطنون لهذا الأخير، بُغية التوصل بامتيازات مُعينة، حيث يعمدون إلى تحويل اتجاهاتها وجهات أخرى، قد تكون لقاء عمولات معينة، أو ببساطة ليستفيد منها أقرباء الحراس المذكورين. كنز علي بابا إذن ما زال مفتاح "كنز علي بابا" بيد المخزن، ويمنح في مستويات عليا، الكثير من الدلائل التي تُفيد أن الأمس لا يختلف عن اليوم، ولعل أقربها لتوضيح ما نحن بصدده، ما حدث بين أكبر سلطة سياسية واقتصادية في البلاد وأحد كبار المستثمرين المغاربة، ونعني به رئيس فيدرالية المقاولات السابق، حسن الشامي، الذي حاول الخروج من تحت عباءة المخزن الاقتصادي، معتقدا أن الأوان قد حان، لإسماع الدولة رأي رجل المال والأعمال في الشأن السياسي، فكان أن قال في إحدى الجرائد السيارة ما معناه: "إن محيط الملك يُكبل قرارات الوزير الأول" فكان أن أتاه الجواب سريعا، أرسل له المخزن الاقتصادي "المُحتسب" ليرفع في وجهه سيفا حادا يُسمى "التقويم الضريبي" فعاد الرجل القهقرى، وابتلع لسانه ربما إلى الأبد، فالمخزن كما يقول المغاربة فيما بينهم "ما معاه ملاغة".
الاقتصاد المغربي بعيون أجنبية : تحديات خطيرة حينما طُلب من الديبلوماسي الفرنسي السابق بالمغرب "دونيس بوشار" في أحد أيام سنة 2006 أن يُعدد التحديات التي تواجه المغرب على المستويين الاقتصادي والاجتماعي قال ما يلي: "إن على المغرب أن يُواجه تحديات كبيرة، أكثر أهمية من تلك التي تُواجهها باقي البلدان العربية، ومن بين تلك التحديات: - الفقر: ذلك لأن الدخل الفردي لكل شخص لا يتجاوز 1400 دولار، أي أقل 15 مرة من دخل الفرد في بلد أوروبي مجاور هو إسبانيا، إن هذا المتوسط يُخفي فارقا كبيرا بين أقلية غنية جدا وشريحة واسعة من الساكنة تعيش في العالم القروي والأحياء الشعبية على هوامش المدن الكبيرة: هناك نسبة أربعين بالمائة من الساكنة المغربية التي تعيش بأقل من دولارين في اليوم. - جسامة عدد الأميين:فهي تصل في المتوسط في أوساط الراشدين، ممن تتجاوز أعمارهم الخامسة عشرة إلى نسبة 51 بالمائة. - نمو اقتصادي مرتهن بشكل كبير للفلاحة: وهي ما زالت في وضع مكننة ضعيف، ورهينة بنسبة التساقطات المطرية، علما أن هذه الأخيرة غير مُنتظمة، كما أنها تميل للتناقص. - ساكنة كبيرة أميل للتزايد، بالرغم من أن معدل المواليد يعرف تراجعا، ذلك أن المتوسط ما يزال هو 2.4 لكل امرأة. - ارتفاع نسبة البطالة: فنسبة عشرة بالمائة فقط من 500000 شاب يصلون لسوق الشغل سنويا يجدون فرصة عمل. - قوة الضغط على الهجرة، هكذا فإن هناك حاليا ثلاثة ملايين مغربي مقيمين بالخارج، يُرسلون كل سنة 2.5 مليار دولار لبلادهم. - الرشوة: فحسب الممثلين المحليين لمنظمة ترانسبارانسي الدولية فإن هذه الآفة تظل متجذرة جدا في المجتمع المغربي، حيث يحتل المغرب المرتبة 77 من بين 145 دولة". إنها إذن رؤية أجنبية لأهم مشاكل المغرب الاقتصادية والاجتماعية، وكما جاء في ملاحظات الدبلوماسي الفرنسي السابق بالمغرب، توجد أقلية من الناس في المغرب تستفيد من عائدات اقتصادية مهمة، ونسبتها – أي الأقلية لا تتجاوز حسب بعض التقديرات نسبة 10 بالمائة، تستفيد حسب بعض الإحصائيات غير الرسمية، من نسبة تتجاوز الثماني بالمائة من العائدات الاقتصادية للبلاد. وكما جاء ذلك في بعض التحليلات الاقتصادية، فإن ما يُمكن أن يُطلق عليهم تجاوزا اسم "البرجوازية المغربية" يستفيدون من قطاعات إنتاجية لا تتطلب الكثير من الجهد الاستثماري أو الرساميل المُغامِرة، الأكثر من ذلك أن "امتياز استغلالها" مُنِح في الغالب ضمن إطار اقتصاد ريعي تحكمت فيه الاعتبارات السياسية وليس الاقتصادية. وإذا ما طرحنا السؤال الأساسي: كيف تُصنع الثروة في المغرب؟ فسنجد أن أهم مصادرها توجد في قطاعات أولية وخدماتية، مثل الفلاحة والتعدين والنقل والوظائف الحكومية السامية... إلخ، وهذه قطاعات تقع، كما هو واضح في نطاق سيطرة الدولة، وبالتالي يُمكننا أن نفهم نمط الاقتصاد الريعي الذي أرساه الملك الحسن الثاني طوال العقود التي تلت الاستقلال، حيث جعل الامتيازات الاقتصادية مشروطة بمدى القرب أو البعد عن مركز السلطة. "المغرب الاقتصادي" في عيون رجل أعمال أمريكي
يرى أحد رجال الأعمال الأمريكيين، أن "المغرب الاقتصادي"، في عهد الملك محمد السادس، يتطلع إلى المستقبل وعيونه على الضفة الشمالية. يحرك "المغرب الاقتصادي" بضعة آلاف من الأشخاص تقودهم حفنة من الرجال والنساء يأملون في جر البلد نحو الحداثة، إنهم التقنوقراط وأرباب الشركات وأغلبهم مقربون من الملك، وتخرجوا من مدارس فرنسية وأمريكية كبرى، مهمتهم قيادة المغرب نحو القرن الحادي والعشرين بشفافية. مجموعة من هؤلاء يرأسون أكبر الشركات حاليا، بعضهم ولد في أوروبا، في نظر رجل الأعمال الأمريكيين هذا، لازال المغرب تتخلله آليات "شبه إقطاعية" ويعتاش على إرادات المملكة التي عاشت على امتداد عدة عقود على نظام الامتيازات، بعضها غير قانوني وغير شرعي، إلا أنه في عهد محمد السادس، بدأ "النظام الاقتصادي" الموروث عن الراحل الحسن الثاني يتفكك ويتمزق ببطء، وتراجع المغرب من المرتبة السابغة والثلاثين إلى المرتبة السابعة والسبعين في التصنيف العالمي للدول الأكثر فسادا في قائمة الشفافية الدولية. "الحركة" الاقتصادية للمخزن يذهب محللون اقتصاديون مغاربة وأجانب، إلى القول بأن الاقتصاد المحمي الذي اعتمده الحسن الثاني، مستفيدا من مناخ دولي مناسب، طوال أغلب فترات حُكمه، انتهى إلى إفراز تناقضاته الخطيرة، إلى درجة دفعت الملك إلى الحديث عن "السكتة القلبية" عقب توصله في بحر سنة 1995 بتقرير البنك الدولي الذي دق جرس الإنذار بصدد العديد من الأساسيات التي يقوم عليها الاقتصاد المغربي، فكان أن تم اللجوء إلى ما سُمي ب "برنامج الخوصصة" الذي جعل توصيات التقويم الهيكلي، المُملاة على المغرب منذ ثمانينيات القرن الماضي، ليس فقط إجراءات تقشفية فيما يخص الإنفاق العمومي، على قطاعات اجتماعية ووظيفية، بل برنامجا دوليا لإنقاذ الاقتصاد المغربي من وضع الموت السريري الذي كان فيه، وكان أن تم اللجوء إلى عدة تدابير "صارمة" منها "حَرْكَة" المخزن الاقتصادية التي سثميت بحملة التطهير، حيث تمت الإطاحة بعدد من رؤوس الثراء الذين كانوا قد أصبحوا يُضايقون النفوذ الاقتصادي للمخزن، وفي نفس الوقت الضرب بيد من حديد على بضعة مستثمرين نشيطين كان من شأن تركهم يترعرعون ضمن التوجه الليبرالي للدولة ، إلى تشكيل جماعة ضغط (لوبي) سيحد من سيطرة المخزن الاقتصادي على شرايين الإنتاج. وبطبيعة الحال فقد كان هاجس الحسن الثاني، ويده التنفيذية الضاربة، يتمثل في الأمن الذي يجب أن يرفل فيه النظام الملكي، وتبعا لذلك كان على المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والرياضية ...إلخ، أن تظل تحت السيطرة و"الضبط". وهو التوجه الذي تبينت محدوديته، إن لم نقل خطره على نظام الأمن ذاته، وهو ما فهمه الحسن الثاني، ليس على المستوى الاقتصادي (حيث سعى إلى وضع بعض الحد لهيمنة المؤسسة الملكية على الشأن الاقتصادي بما يُحدث انفراجة في سوق الاقتصاد والمال وذلك حينما عمد مثلا إلى تخفيض نسبة أسهم مجموعة أونا المملوكة له من نسبة 18 بالمائة إلى 11 بالمائة)، بل في المجال السياسي أيضا حيث عمد إلى "الترتيب" لصفقة التناوب السياسي مع عبد الرحمان اليوسفي، وذلك استشعارا منه احتقان الوضعين الاقتصادي والاجتماعي على انتقال وشيك لمقاليد السلطة الملكية منه لابنه. ملك الفقراء و.. الأغنياء أيضا أجاب محمد السادس شهورا قليلة عقب توليه الحكم، على سؤال أحد الصحافيين الأجانب، حول رأيه في اللقب الذي أُلصق به أي "ملك الفقراء" بالقول ما معناه:"لستُ ملكا للفقراء فقط بل للأغنياء أيضا".. وفي ذلك الجواب كان الكثير من الدقة والحذر، إذ أن أمور البلاد الأساسية لا يُسيرها الفقراء وإنما الأغنياء الذين يصنعون بأموالهم ونفوذهم، الواقع الاقتصادي والاجتماعي بالبلاد، ومن تم فإن كسب ولاء و"رضى" هؤلاء لا يقل أهمية إن لم نقل انه يفوق بكثير الحصول على صورة إيجابية للملك الجديد – آنذاك – في أذهان الفقراء. وبطبيعة الحال فإن حال "السكتة القلبية" الذي تحدث عنه الحسن الثاني كان سيرخي بستائره السوداء، ليس على الفقراء فقط بل الأغنياء أيضا، لذا كان مطلوبا نفسا جديدا في الدولة المخزنية إن لم نقل ضربة قوية على مؤخرتها، لذا كان خطاب 2002 بالدارالبيضاء، حيث تحدث الملك عن "المفهوم الجديد للسلطة" وليفهم رجال المخزن من مُختلف الضفاف أنه أصبح مطلوبا أن تكون الأولوية للمردودية الاقتصادية، وأن الأسبقية ستكون لرجال الأعمال الذين يستطيعون الدفاع عن ملفات اقتصادية وتدبيرية كفيلة بإخراج الاقتصاد المغربي من عنق الزجاجة، ولعلكم ما تزالون تتذكرون كيف طالب محمد السادس في إحدى خطبه بأنه على القطاع الخاص أن يُساهم في فك خناق البطالة الذي يشد بأعناق آلاف الشباب المغاربة، غير أن النداء إياه ذهب أدراج الرياح، حيث أن الوضع ظل على ما هو عليه، إن لم نقل انه استفحل أكثر، فكان رد الفعل الذي تعرفونه، حيث أن الملك اختار أن يكون هو الفاعل الاقتصادي الأول في الدولة، من خلال السيطرة على بنك الوفاء، والعديد من القطاعات الخدماتية والشركات المُراقبة، بشكل مباشر أو غير مُباشر، إلى أول مساهم في بورصة الدارالبيضاء، حيث بلغت نسبة أسهم المجموعة الاقتصادية الملكية من 18 بالمائة أواخر حياة الحسن الثاني إلى 33 بالمائة والفرق شاسع بين الرقمين. لماذا وقف حمار الشيخ في... لقد أدى مبرر ضعف وتخلف وخوف، الطبقة الاقتصادية المغربية، إلى نفس النتيجة التي أدى إليها ضعف الأحزاب وتكلسها، أي إلى المزيد من تحكم المؤسسة الملكية في الشأن الاقتصادي، كما حدث مع الشأن السياسي. فمن يتحمل أخطاء كل هذه الأعطاب التي أصابت جسد الدولة في أهم مكون لها بعد السياسة أي: الاقتصاد؟ السؤال أشبه بآخر أزلي: مَن الأسبق في الوجود البيضة أم الدجاجة؟ لذا فإن الأقرب ل "الصواب" هو القول بأن الجميع (القصر والنخبة: سياسية واقتصادية) ساهم في وضع الطريق المسدود الذي نعيشه حاليا، فهما يتبادلان معا "الغزل"لتظل الأمور على ما هي عليه، ف "الاستقرار" من شأنه عل الأقل أن يحفظ مصالح الطرفين، كيف ذلك؟ كان واضحا عقب وفاة الحسن الثاني، أن إصلاحا متقدما للأوضاع لن يخدم الأطراف المُتحكمة في الشأن المغربي، لذا كان لابد أن تتوقف محاكمات الفساد المالي عند منتصف الطريق، حيث ما زال المغاربة لا يعلمون لحد الآن ما الذي وقع بالتحديد في صناديق مال عمومية مثل القرض العقاري والسياحي، والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، والقرض الفلاحي، والبنك الوطني للإنماء الاقتصادي وغيرها، لسبب بسيط هو أن الذهاب حتى نهاية المطاف، كان يعني عقد شبه محاكمة للنظام برمته، أي بدءا من المُؤسسة الملكية مرورا بكبار موظفيها، وانتهاء إلى فتح ملفات أساسية من قبيل "الركائز القانونية التي يقوم عليها الشأن العام" وهو ما لم يكن مطلوبا في الوقت الراهن، لذا فإن ملفات الصناديق المالية المذكورة توقفت عند منتصف الطريق، كما تمت الإشارة لذلك، ويكفي أن نذكر في هذا الصدد مثالا واحدا، فالسيد فاروق بنيس أحد المتورطين في ملف الديون غير المُؤداة بالقرض العقاري والسياحي هو صديق حميم لأفراد من الأسرة الملكية، ومحاميه ضد القرض العقاري والسياحي لم يكن سوى وزير العدل السابق الراحل محمد بوزوبع، هل فهمتم لماذا وقف حمار الشيخ في العقبة الآن؟ فماذا يعني كل هذا؟ هذا يعني أن "استمرارية الدولة" مسألة أكثر حيوية من مطاردة الساحرات، وهو ما يعني أن ذات النمط التدبيري للدولة من الناحية الاقتصادية، سيظل هو الثابت حتى إشعار آخر، ومعنى هذا مرة أخرى، أن الاستفادة الاقتصادية ستظل بالدرجة الأولى، رهينة بمدى القرب أو البُعد من مركز الدولة.وهذا يؤكد، فيما يؤكده، أنه كما كان للحسن الثاني أغنياؤه سيكون لمحمد السادس أغنياؤه. دور الملك كفاعل اقتصادي
يعتبر الملك فاعل اقتصادي مهم بالمنظومة الاقتصادية الوطنية. وقد تباينت الآراء بخصوص الدور الاقتصادي للملك، فهناك من يراه عاديا لا يدعو لاستغراب، وهناك من يرى في هذا الوضع موطنا لتضارب المصالح بامتياز، وبالتالي فإنه لا يستجيب للمفهوم الليبرالي ومن شأنه أن ينال من شروط المنافسة. هكذا، وبالاعتماد على جملة من المعطيات المتوفرة، يقر البعض أن الملك أضحى الآن رجل الأعمال الأول والمقاول الزراعي الأول ممثلا إحدى أهم ثروات البلاد، إن لم تكن أهمها إطلاقا. إن الملك بالمغرب الآن فاعل اقتصادي أساسي، وفي هذا الصدد يعتقد البعض أن عليه أن يتخلى عن ممارسة أي نشاط اقتصادي. وأصحاب هذا الرأي يذهبون إلى حد المطالبة بتعديلات دستورية تنص على عدم ملاءمة السلطة الملكية مع أي نشاط اقتصادي، ويستدل هؤلاء بما عليه الحال بالمغرب بخصوص بعض الوظائف والمهن، فمثلا القضاة ممنوعون من ممارسة أي نشاط اقتصادي أو تجاري، وكذلك الأمر بخصوص المحامين، علما أن أحد المحامين حاليا مصنف ضمن أثرى الأثرياء بالمغرب بفعل وزنه في المنظومة الاقتصادية الوطنية. كما يعتبر أصحاب هذا الرأي أنه في ظل مرحلة الانتقال الديمقراطي، وجب تفادي وضعية تضارب المصالح، وبهذا الخصوص يرى هؤلاء إيجابية تخلي الملك عن لعب دور رجل الأعمال الأول والفاعل الاقتصادي الأساسي بالبلاد، حتى لا ينافس المقاولين ويسيطر على المنظومة الاقتصادية الوطنية، لاسيما وأن دوره حقق الهدف المنتظر منه، إذ عمل على تغيير وجه الرأسمالية المغربية كضرورة، لتأهيلها للتصدي لانعكاسات العولمة ومسايرة مقتضياتها. على هذا المسار واستجابة لضرورات ظرفية فرضها المناخ العالمي والتحولات الكونية، عمل الملك على تقوية موقع العائلة الملكية المالي والاقتصادي. وبذلك أصبح الفاعل الاقتصادي الأول، ويمكن ملاحظة هذه الحقيقة من خلال امتداد الحياة اليومية؛ فالحليب ومشتقاته والسكر وحلويات بيمو بمختلف أنواعها وزيت المائدة والماء المعدني ومصبرات السمك (مارونا) وغيرها، كلها من إنتاج شركات ووحدات تابعة ل "سيجر" أو "إرجيرس" أو "الشركة الوطنية للاستثمار" أو "أونا"، وكذلك الأسواق الكبرى التي تعرض بها في مختلف كبريات مدن المغرب (أسيما ومرجان)، ونفس الشيء بالنسبة لأهم مؤسسة بنكية موجودة حاليا بالمغرب (التجاري وفا بنك)، وهو ما يبين بجلاء ثقل المصالح الاقتصادية الملكية، ضمن المنظومة الاقتصادية المغربية. في بداية عهد الملك محمد السادس راجت بعض الإشاعات، مفادها أن العائلة الملكية تسعى لتخفيف ثقلها الاقتصادي، آنذاك قيل بأن الأمير السعودي وليد بن طلال، مهتم باقتناء مجموعة "أونا"، إلا أن العكس هو الذي حدث، حيث تقوى موقع العائلة الملكية في الدوائر الاقتصادية بالبلاد. وقد تحقق ذلك بفضل الفريق الاقتصادي والمالي للملك، وهؤلاء أشخاص يحيطون بالملك، كفاعل اقتصادي ورجل أعمال، بعيدا عن السياسية وقضايا تدبير الشأن العام، وتكونت نواتهم من منير الماجدي و سعد بنديدي و خالد الودغيري و باسم الشجعي حكيمي و رشيد سليمي وحسن بوحمو؛ هؤلاء هم الذين هندسوا لتنمية الثروة الملكية وإعادة هيكلة وتقعيد المصالح الاقتصادية الملكية. ف "سيجر" و "إرجيس" تتحكم في 67 في المائة من رأسمال الشركة الوطنية للاستثمار و5 في المائة من رأسمال "أونا"؛ والشركة الوطنية للاستثمار، التي تحقق أكثر من 305 مليون درهم كأرباح، تتحكم بدورها في 33 في المائة من رأسمال "أونا" و 50 في المائة من رأسمال صونا صيد (الصلب والحديد) و20 في المائة من رأسمال لافارج (قطاع الاسمنت)؛ أما مجموعة "أونا"، تتحكم في 51 في المائة من رأسمال أسواق مرجان و51 في المائة بخصوص أسواق أسيما، و91 في المائة من شركة "سوبريام"، هذا فيما يخص قطاع التوزيع، وفي القطاع المنجمي تتحكم "أونا" في 75 في المائة من رأسمال شركة "مناجم" الرائدة في قطاعها، وفي القطاع المالي والمصرفي تملك "أونا" 30 في المائة من رأسمال التجاري وفا بنك، و49 في المائة من مجموعة "أكسا" و50 في المائة من رأسمال "أكما"، أما في قطاع الصناعات الغذائية تتحكم "أونا" في 55 في المائة من رأسمال مركزية الحليب و55 في المائة بخصوص "كوزيمار"، وتملك 56 في المائة من رأسمال "لوسيور كريسطال" و50 في المائة من رأسمال "بيمو" و30 في المائة من رأسمال "سوتيرما". إن هذه الهيمنة الاقتصادية والمالية جعلت من الملك فاعلا اقتصاديا، مكنته عبر جملة من الشركات المتحكمة في أهم قطاعات الإنتاج بالمنظومة الاقتصادية الوطنية من تغيير وجه الرأسمالية المغربية، انطلاقا من الرؤية المبلورة والإستراتيجية المعتمدة من طرف فريقه الاقتصادي القائم على تدبير شؤون المجموعة الملكية (سينجر- إرجيس – سني – أونا)؛ وشكل التحكم في القطاع البنكي رأس الحربة لتفعيل هذه الرؤية الكامنة وراء تحويل الرأسمالية المغربية، وقد تأكد هذا المنحى بوضوح منذ 2004، إذ لاحظ الجميع معالم الوجه الجديد لرأسمالية المغرب. و يعد الملك من بين أثرياء العالم، وحسب المتتبعين للشأن المغربي، إن الثروة الملكية تطورت بسرعة. وبثروته ومصالحه الاقتصادية، يعد الملك حاليا من كبار المقاولين والمصرفيين والمنعشين الزراعيين بالمغرب، وذلك اعتبارا للموقع الذي يحتله في عالم الأعمال، إذ يشكل قوة لها ثقلها الظاهر في المنظمة الاقتصادية والمالية بالمغرب، ويظل الرباعي "سيجر – إرجيس- الشركة الوطنية للاستثمار – أونا" رأس حربة الثروة الملكية بالمغرب، وبفضله تموقع الملك كرجل أعمال في مختلف القطاعات الحيوية (الأبناك، الصناعات الغذائية، المناجم، التوزيع، الاتصالات...). وقد تضاربت الآراء حول تقدير حجم الثروة الملكية، ولعل أول جهة اهتمت بهذه القضية المجلة الأمريكية المتخصصة في مجال الأعمال "فوربيس" (FORBES)، فقد سبق لها منذ سنوات أن قدرت الثروة الملكية (أموال وعقارات بالمغرب وخارجه) ما بين 4 إلى 10 ملايير دولار (ما بين 40 إلى 50 مليار درهم). أما المصادر الغربية، لاسيما الأوروبية منها، فقد سارت نحو تقدير ثروة الملك بما يناهز 40 مليار دولار (400 مليار درهم)، جزء كبير منها مستثمر بالخارج، كما أشارت بعض الصحف الإسبانية إلى أن الملك الراحل الحسن الثاني، كان بحوزته أكثر من 20 حساب بنكي بالخارج. و رتبت "فوربس" المجلة الأمريكية الأكثر شهرة في العالم، في آخر عددها، ملك المغرب في الرتبة السابعة ضمن لائحة تضم السلاطين والملوك و الأمراء الذين يتربعون على عروش أكبر الاحتياطات العالمية من البترول. ومن المغاربة القلائل الذين اهتموا عن قرب بالثروة الملكية عبد المومن الديوري، الذي قدر الثروة الملكية المودعة بالأبناك الفرنسية والأمريكية وسويسرا (10 أبناك)، بما يناهز 10 ملايير فرنك فرنسي، تنضاف إليها عقارات وإقامات بباريس ونيويورك وأسهم وسندات مالية. ففي غضون التسعينيات كان عبد المومن الديوري من الأوائل الذين جازفوا بمحاولتهم جرد جملة من التفاصيل عن الثروة الملكية، إلا أن القصر الملكي كذب كل ما نشره في أوانه، وحسب حصيلة الديوري، التي نفاها القصر جملة وتفصيلا، تتكون الثروة الملكية في مجملها من: - 10 ملايير فرنك فرنسي، كأموال مودعة بالخارج. - 20 قصرا بالمغرب. - ألاف الهكتارات من الأراضي الزراعية (أغلبها من الأراضي المسترجعة من المعمرين سنة 1963). - مجموعة "أونا" المتواجدة في مختلف قطاعات الاقتصاد الوطني. - عقارات بباريس ونيويورك، منها آنذاك "أرمانفيل" الذي يضم 200 غرفة ومحاطا ب 400 هكتار من الأراضي. - أسهم وسندات أمريكية وأوروبية.
ترتيب أهم الشركات الوازنة في النسيج الاقتصادي 2005/2006 * "أونا" المتواجدة في العديد من القطاعات * إفريقيا للمحروقات (عائلة أخنوش) / المحروقات * "يينا هولدينغ(عائلة الشعبي) / المال، العقار، السياحة، التجارة، التوزيع * "هولماركوم" (عائلة بنصالح) / صناعة، تجارة، الخدمات * "دينا هولدينغ" (عائلة زنيبر) / قطاعات مختلفة * "سنام" (عائلة العلج) / قطاعات مختلفة * "سوميدا" إن مجموع إيرادات هذه الشركات بلغت هذه السنة ما يناهز 60 مليار درهم . انقر هنا لقراءة الجزء الثاني