قبيل ساعات من اتخاذ قرار الحكومة بشأن الطوارئ الصحية، أدلى رئيسها سعد الدين العثماني بحوار لموقع "عربي بوست"، الذي يوجد مقره بلندن، حول مستجدات الوضعية الوبائية بالمغرب. وبما أن مضامين الحوار لم تكن في المستوى الذي يستحق أصلا أن تتم مناقشتها، سنركز على الشكل لنعرف مدى الاستهانة الحقيقية بالسيادة الوطنية، التي يمارسها حزب العدالة والتنمية. قيل قديما "معامن شفتك معامن شبهتك". ننطلق من هذا المثل المغربي الحكيم لنتساءل عن موقع "عربي بوست": لمن ينتمي هذا الموقع وما هو دوره؟
موقع "عربي بوست" ينتمي لمجموعة إعلامية هي عبارة عن منظومة سياسية حاولت من خلالها قطر التعويض عن خسارة قناة الجزيرة لجمهورها، بعد انخراطها الكلي في مؤامرات ما سمي ب"الربيع العربي"، الذي رعته الدوحة وكان التنظيم الدولي للإخوان المسلمين هو أداته المركزية، حتى ذهب بعض المحللين الأمريكيين، إلى القول إن التنظيم الدولي أصبح أكثر من دولة قطر بل يتحكم فيها وليس العكس، إذ المعروف أن هذه الدولة الصغيرة تقوم بتوظيف هؤلاء في صراعاتها الجيو-سياسية.
وتضم المجموعة قنوات بالعربية والانجليزية وصحف ورقية ورقمية، عبارة عن صناديق سوداء، دورها الاساسي هو شراء ضمائر المثقفين والإعلاميين، ويديرها عزمي بشارة، مستشار الشيخ تميم أمير قطر. وعزمي وحده قصة غريبة، فهو فلسطيني من عرب 48 حامل للجنسية الإسرائيلية، وسبق أن ترشح لرئاسة الدولة وتخلى عن ترشيحه لفائدة صديقه إسحاق شامير، وقبل إخراجه ليقود مثقفي ما سمي ب"الربيع العربي" تمت فبركة قصة طرده إلى لبنان وترميزه ليطفو على السطح كفيلسوف "الثورة العربية".
وبغض النظر عمن يتحكم في الآخر، فإن قطر والتنظيم الدولي للإخوان المسلمين في العمل الميداني شيء واحد، وحزب العدالة والتنمية لا يخرج عن هذا السياق، وسبق أن تحدثنا في أوقات سابقة عن العلاقة التي تربط الإخوان بالحزب الإسلامي المغربي، ولا تشذّ مواقف هذا الأخير عن مواقف التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، وكان آخرها البيان الذي أصدره الحزب مؤيدا لأردوغان في ليبيا، في محاولة للخلط بين موقف جلالة الملك الراعي لاتفاق الصخيرات، الذي يتأسس على الحوار بين الليبيين، بينما موقف العدالة والتنمية هو موقف الإخوان والجماعات التكفيرية.
لمن يشكك في انتماء العدالة والتنمية لتنظيم الإخوان، تكفيه العودة إلى الماضي القريب فقط، يوم كان سعد الدين العثماني، وزيرا للشؤون الخارجية، حيث أرسله جلالة الملك إلى الكويت، وبدل أن يقوم بالدفاع عن قضايا المغرب ذهب للاجتماع بجمعية الإصلاح، وهي فرع الإخوان بالكويت، التي كانت يومها في صراع مع الدولة، مما وضع العلاقات بين البلدين على المحك.
عود على بدء: ماذا أراد العثماني أن يقول عندما خصّ موقعا قطريا إخوانيا بحوار حصري حول الشأن المغربي؟ لمن يوجه العثماني خطابه؟ هل هو تحدي أم هو احتماء؟ لو كان الموضوع يتعلق مثلا بقضية الصحراء المغربية أو بعض المواقف المغربية بشأن قضايا دولية، لاستسغنا الأمر واعتبرنا الخطاب موجه للخارج، لكن موضوع الحوار يتعلق بخطة الحكومة حول تدبير الحجر الصحي. فهل يخاطب العثماني المغاربة الموجودين في لندن وتركيا وقطر؟ طبعا هذا السؤال هو من باب السخرية.
العثماني مثل سلفه يتعاملون بالرموز والإشارات والإفصاح أحيانا. مرة قال بنكيران "راه الربيع العربي مازال كيتسارى ويقدر ترشق ليه ويرجع". حوار العثماني اليوم يحمل نفس المضمون لكن بصيغة أخرى. يريد الزعيم الإسلامي أن يقول لنا إن ظهري محمي بترسانة إعلامية دولية وقوى سياسية تلعب في الجغرافية السياسية مثلما يلعب الأطفال "شريطة".