المرسوم الحكومي رقم 2.11.623 و تداعياته السلبية المحتملة على أطر التوجيه و التخطيط التربوي
محمد أقديم أصدرت الحكومة السابقة مرسوما يحمل رقم 2.11.623 بتاريخ 28 ذي الحجة1432 الموافق ل 25 نوفبر2011 ، و يحدد شروط و كيفيات التوظيف و التعيين بصفة انتقالية في بعض الدرجات و (على الخصوص الدرجة الأولى أي السلم 11) ، المنصوص عليها في المرسوم رقم 2.02.854، الصادر في 8 ذي الحجة 1423 الموافق ل 10فبراير 2003 ، بشأن النظام الأساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية. و نشر هذا المرسوم في الجريدة الرسمية عدد 6007 مكرر ، المؤرخ ب 2 صفر 1433 الموافق ل 27 ديسمبر 2011. صدور هذا المرسوم في هذه الفترة بالضبط، و تنصيصه في الفقرتين الثانيتين من المادتين 10 و 11 ، و لأول مرة، على توظيف و تعيين أساتذة التعليم الثانوي التأهيلي الرسميون، الحاصلون على شهادة الماستر أو شهادة الماستر المتخصص أو على دبلوم الدراسات العليا أو دبلوم الدراسات العليا المعمقة أو دبلوم الدراسات العليا المتخصصة، بعد المباراة والتكوين بالطبع(المادة 17 من المرسوم)، كمستشارين في التوجيه و التخطيط، يطرح العديد من التساؤلات، ويثير الكثير من الشكوك حول نوايا بعض الجهات في وزارة التربية الوطنية و الحكومة، و هدفهما من المادتين 10 و 11 من المرسوم، وهذا ما أثار الكثير من النقاش و الاستياء ، بين أطر التوجيه والتخطيط التربوي و المتدربين بمركز التوجيه و التخطيط على السواء، مما يفرض ضرورة قراءة نص هذا المرسوم و تحليله و وضعه في سياق التطورات التي يعرفها قطاع التربية والتكوين، حتى تكون الصورة جلية أمام جميع الأطراف المعنية، لتتمكن بعد ذلك من اتخاذ ما يلزم من القرارات و المواقف. قراءة في المواد المعنية : فإذا كانت الفقرة الثانية من المادة 10 تنص في ما يتعلق بالمستشارين في التوجيه على ما يلي: ”يوظف و يعين المستشارون في التوجيه التربوي من الدرجة الأولى بعد النجاح في مباراة مهنية يشارك فيها... أساتذة التعليم الثانوي الإعدادي و أساتذة التعليم الثانوي التأهيلي الرسميون الحاصلون على شهادة الماستر أو شهادة الماستر المتخصص أو على دبلوم الدراسات العليا أو دبلوم الدراسات العليا المعمقة أو دبلوم الدراسات العليا المتخصصة أو ما يعادل إحداها. "، و الفقرة الثانية من المادة 11 بدورها فيما يتعلق بالتخطيط تقول: ” يوظف و يعين المستشارون في التخطيط التربوي من الدرجة الأولى بعد النجاح في مباراة مهنية يشارك فيها: "أساتذة التعليم الثانوي الإعدادي و أساتذة التعليم الثانوي التأهيلي الرسميون الحاصلون على شهادة الماستر أو شهادة الماستر المتخصص أو على دبلوم الدراسات العليا أو دبلوم الدراسات العليا المعمقة أو دبلوم الدراسات العليا المتخصصة أو ما يعادل إحداها. “ ، فان المادة 17 تشير إلى ما يلي "يخضع المرشحون الناجحون في مباريات التوظيف المنصوص عليها في هذا المرسوم إلى تكوين في إحدى مراكز التكوين الخاضعة للسلطة الحكومية المكلفة بالتعليم المدرسي."، و كذلك تنص المادة 18 على الآتي :"تحدد كيفيات تنظيم المباريات و كذا شروط إجراء المباريات المهنية المنصوص عليها في هذا المرسوم بقرارات السلطة الحكومية المكلفة بالتعليم المدرسي تؤشر عليها السلطة الحكومية المكلفة بتحديث القطاعات العامة.". إذن فالمرسوم يتحدث عن تحديد شروط و كيفيات التوظيف و التعيين بصفة انتقالية ، في بعض الدرجات المنصوص عليها في النظام الأساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية. و إذا كانت المادتين 10 و 11 من المرسوم تشيران إلى توظيف أساتذة التعليم الثانوي التأهيلي لأول مرة كمستشارين في التوجيه والتخطيط التربوي، بعدما كان الولوج إلى مركز التوجيه والتخطيط التربوي مقتصرا على أساتذة التعليم الثانوي الإعدادي. فان المادتين 17 و 18 من المرسوم لم تكونا واضحتين حول مدة التكوين، التي يجب أن يخضع لها هؤلاء الأساتذة، و لا الشروط الواجب توفرها في هؤلاء الأساتذة ( كالأقدمية في الإطار). و السكوت عن هذه الشروط في المرسوم، و رهن كيفيات و شروط إجراء هذه المباريات بقرارات السلطة الحكومية المكلفة بالتعليم المدرسي، يمكن أن يفتح الباب أمام هذه الأخيرة لوضع شروط قد تمس بحقوق فئة المستشارين من إطار أساتذة التعليم الثانوي الإعدادي، غير الحاصلين على الشواهد العليا المشار إليها. في السياق العام لإصدار المرسوم: من جهة أولى، المتمعن في تاريخ إصدار هذا المرسوم و هو 25 نونبر 2011، سيطرح العديد من التساؤلات المثيرة للشكوك، و منها هل فعلا اجتمع المجلس الحكومي بكل أعضاءه من الوزراء و كتاب الدولة خلال هذا اليوم، الذي يصادف تنظيم الانتخابات التشريعية بالمغرب، التي شارك فيها العديد من الوزراء و كتاب الدولة، إلى جانب بعض الأمناء العامين للأحزاب الأعضاء في المجلس الحكومي، و الذين كانوا يشرفون على الحملات الانتخابية لأحزابهم خلال ذلك اليوم ؟ فأكثر من عشرة وزراء كانوا مرشحين في الانتخابات. هذا دون الحديث عن التسهيلات التي منحت لكل الموظفين من أجل الإدلاء بأصواتهم ،مما يمكن أن يجعل هذا اليوم شبيها بيوم عطلة. و هذا ما يكشف أن جهة ما استغلت هذه الظرفية لتمرير هذا المرسوم ، لانها تريد إغراق قطاع التوجيه و التخطيط التربوي بوزارة التربية الوطنية، في دوامة من المشاكل، حتى تحافظ على مواقعها في هياكل الوزارة في المرحلة المقبلة ؟؟؟ لو من جهة ثانية، يأتي إصدار هذا المرسوم، وخاصة مواده التي تخص المستشارين في التوجيه والتخطيط التربوي، في إطار تنزيل مشاريع البرنامج الاستعجالي و إجراءاته، هذا البرنامج الذي دخل الآن سنته الأخيرة، دون أن يحقق أحد أهدافه المهمة في مجال التوجيه و التخطيط التربوي،الذي هو توظيف حوالي 1000 مستشار بين موجه ومخطط. و لهذا من المحتمل أن يكون هذا المرسوم هو المنفذ القانوني، والمسلك التنظيمي الذي من خلاله ستقوم وزارة التربية الوطنية باستدراك ما فاتها وقت ، عبر توظيف هذه الألف مستشار، مما يجعل احتمال توظيفهم بشكل مباشر بعد مباراة مهنية شكلية أمرا واردا ، دون الخضوع للتكوين الأساسي( سنتين)، مقابل الاكتفاء بالتكوين المستمر. و مما يجعل إمكانية توظيف أساتذة التعليم الثانوي التأهيلي الحاصلين على الشواهد العليا، كما أشار إلى ذلك المرسوم، دون غيرهم، هو كون السلك الثانوي التأهيلي هو السلك الوحيد الذي يتوفر اليوم على الحاملين للشواهد العليا، دون غيره من أسلاك التعليم المدرسي الأخرى، ذلك أن معظم عمليات التوظيف المباشر، التي شملت حاملي الشواهد العليا، قد كانت في هذا السلك، و حتى المنتمين للسلكين الابتدائي و الإعدادي من حاملي الشواهد العليا قد سبق أن تم تغيير إطارهم إلى السلك التأهيلي. وبذلك تبقى الإشارة إلى أساتذة التعليم الثانوي الإعدادي حاملي الشواهد العليا مجرد تمويه على أساتذة التعليم الثانوي الإعدادي، الحاملين لدبلوم الدراسات الجامعية العامة (DEUG) و الإجازة، تفاديا لردود فعل ما. و إشارة المرسوم إلى أنه أتى قصد تحديد كيفيات وشروط التوظيف و التعيين بصفة انتقالية، يوضح بأن هذه الانتقالية من الوضعية القديمة، والتي يتم فيها توظيف و تعيين المستشارين في التوجيه والتخطيط التربوي في السلم العاشر، بعد تكوينهم لمدة سنتين في مر كز التوجيه و التخطيط التربوي، و بعد استيفاءهم للشروط المعلومة، إلى وضعية جديدة وهي سد هذا الباب أمام أساتذة السلك الإعدادي نهائيا ، و فتح المركز أمام أساتذة السلك التأهيلي دون غيرهم، ليتخرجوا بالسلم الحادي عشر.و ما يجعل هذا الاحتمال أكثر ورودا هو أن الوزارة بعدما تبين لها في السنوات الأخيرة، أن مركز التوجيه والتخطيط قد تزايد عدد أساتذة الثانوي الإعدادي، من السلمين العاشر و الحادي عاشر، الذين يلجونه، وبعد تمكينها هؤلاء من التخرج من المركز بنفس سلاليمهم الأصلية، و بإطار مستشار في التوجيه و التخطيط. فلا مانع لديها من فتح المركز أمام أساتذة التعليم التأهيلي مؤقتا، في انتظار سده نهائيا أمام أساتذة السلك الإعدادي، فالصفة الانتقالية لمدة أربع سنوات، التي أشار إليها المرسوم، لا تعني سوى التدرج في اتجاه سد المركز في وجه أساتذة الثانوي الإعدادي كهدف نهائي. التداعيات السلبية المحتملة للمرسوم : بعدما تبين من قراءتنا لمواد المرسوم و سياق صدوره - فان الوزارة ، تحت ضغط رغبتها في استكمال مشاريع البرنامج الاستعجالي في قطاع التوجيه والتخطيط، في سنته الأخيرة - ستلجأ حتما إلى تنزيله عبر النصوص التنظيمية و المذكرات، من أجل التوظيف و التعيين من السلك التأهيلي لحوالي ألف مستشار، عبر مباراة مهنية شكلية، و مدة تكوين لا تتجاوز ستة أشهر على أكثر تقدير. و توظيف و تعيين هذا العدد الذي سيشكل أكثر من ثلث عدد المستشارين الذي يشتغلون حاليا بالمؤسسات التعليمية و النيابات. ستكون له العديد من التداعيات السلبية، في المديين القريب و المتوسط، سواء على أطر التوجيه و التخطيط التربوي ، العاملين منهم في المؤسسات والإدارات أو على المتدربين بالمركز، و يمكن تحديد بعض هذه التداعيات في ما يلي: -1 – ضرب الجودة ، التي مافتئت وزارة التربية الوطنية تؤكد عليها، و الغاء للمهنية و من وراءها المردودية التربوية و الإدارية، حيث لن تعد أية مصداقية مهنية للتكوين الذي يخضعه له المستشارون في التوجيه والتخطيط، و لا اعتبارا مهنيا للدبلوم الذي يحصلون عليه سنتين من التكوين. مما يشكل ضربة قاضية للمركز نفسه كمؤسسة لتكوين الأطر. -2 - حرمان أساتذة التعليم الثانوي الإعدادي من ولوج مركز التوجيه و التخطيط مستقبلا، ليضاف إلى إغلاق باب ولوج مركزي التفتيش الابتدائي و الثانوي أمامهم. - 3 - التقليل من فرص المتدربين في المركز حاليا في التعيين في المناطق التي يرغبون في العمل بها، بعد سنة أو سنتين عند التخرج. بعدما سيتم إغراق المؤسسات و الإدارات في المناطق التي يرغبون الاشتغال بها، بالتوظيفات و التعيينات المباشرة. - 4 - تقليل فرص الترقية أمام المستشارين في التوجيه و التخطيط العاملين و الحاملين لدبلومات مركز التوجيه والتخطيط، والتقليص من إمكانية تحسين وضعيتهم الإدارية و المهنية، حيث ستعطى الأولوية دائما في إسناد المسؤوليات و المهام في الإدارات و المؤسسات للشواهد الأكاديمية على حساب الشواهد المهنية . و ختاما فبعد الوقوف على ما يمكن أن يترتب عن تنزيل مواد هذا المرسوم، التي تهم أطر التوجيه و التخطيط التربوي، من تداعيات سلبية و مخاطر، تضرب الجودة والمهنية في قطاع التوجيه والتخطيط التربوي خاصة، و نظام التربية والتكوين عامة، فان أطر التوجيه والتخطيط العاملين بالمؤسسات و الإدارات، و المتدربين بالمركز، و الهيئات النقابية، مطالبة بالتحرك العاجل وتنسيق الجهود، للتصدي بكل الوسائل القانونية و النضالية لهذه المخاطر. و لا يجب أن تقف مكتوفة الأيدي حتى "تقع الفأس في الرأس". استاذ متدرب بمركز التوجيه والتخطيط التربوي