محمد بوداري تم الحكم اليوم الخميس على الرئيس الفرنسي السابق، جاك شيراك، بالسجن لمدة عامين مع وقف التنفيذ، وذلك بتهمة إساءة استغلال الأموال العامة، وهي التهمة التي يمكن أن يصل أقصى حكم فيها إلى 10 سنوات سجنا. وتعتبر هذه المحاكمة أول إدانة لرئيس دولة، بشأن فساد سياسي، منذ المارشال فيليب بيتان الذي تعاون مع النازيين عام 1945.
من جهة أخرى، حكم على جان ديغول ( وهو حفيد الجنرال ديغول) في نفس الملف، لمدة ثلاثة أشهر مع وقف التنفيذ، في حين كان نصيب فرنسوا ديبريه 2 أشهر مع وقف التنفيذ. أما مارك بلونديل فبالرغم من ثبوت التهمة الموجهة إليه، فقد تم استثناءه من العقوبة لأنه دفع تعويضا لمدينة باريس قبل المحاكمة. وأثيرت هذه القضية قبل 17 عاما إلا أن جاك شيراك استفاد من الحصانة المتعلقة بمنصبه بوصفه رئيسا للجمهورية، وقد تمت متابعته بعد خروجه من قصر الاليزيه. وقدم شيراك للمحاكمة بتهمة تحويل أموال عامة إلى وظائف وهمية لأعوان سياسيين حين كان رئيسا لبلدية باريس بين عامي 1977 و 1995 وهي الفترة التي شكل فيها حزبا ديجوليا جديدا ينتمي ليمين الوسط أطلق عليه اسم "التجمع من اجل الجمهورية" وسعى من خلاله لتولي الرئاسة.
وكان شيراك البالغ من العمر 79 عاما والذي ظل في السلطة من 1995 حتى 2007، أعفي من حضور اغلب إجراءات المحاكمة على أساس ضعف ذاكرته. وكان التقرير الطبي الذي وقعه البروفسور اوليفييه ليون كاين، أكد أن الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك يعاني من "عمه العاهة" منذ عدة أشهر، وهو من أعراض المرض الذي يعرف لدى عامة الناس باسم "مرض الزهايمر"، أي عدم قدرة المريض على معرفة مرضه أو فقدان القدرة الوظيفية التي يعاني منها. وهو ما يعني أن جاك شيراك (78 عاما) ليس باستطاعته أن يدرك المشاكل العصبية التي يعاني منها. ويقول بشان متخصص في مرض "الزهايمر" أن هؤلاء المرضى "إنهم يتناسون أنهم ينسون.
وتباينت ردود الفعل بشأن هذه القضية، وإذا كانت أغلبها تميل إلى اعتبار ذلك نصرا لفرنسا وللعدالة الفرنسية التي أكدت استقلاليتها وحققت مبدءا من مبادئ الجمهورية الفرنسية الذي هو المساواة، فإن بعض المواطنين رأوا في ذلك تحطيما لرمز من رموز فرنسا وأحد بناة "عظمتها". يقول أحد المتابعين للمحاكمة: "إن أي مجتمع متوازن يتأسس على أساس العدالة وكذلك على احترام الرموز. لكن في هذه القضية فقد تم تدمير الرمز." "هذا، بالضبط، هو جمال العدالة، كائنا من كنت فأنت مسئول عن أفعالك. ولحسن الحظ، فإن الإعمال الايجابية التي قام بها، إن كانت هناك فعلا إجراءات إيجابية، لا يمكن أن تعوض عن الانتهاكات"، يرد أحد المواطنين الفرنسيين. "لا أطيق مثل هذه التعليقات التي تأسف على نتيجة المحاكمة، على أساس أن جاك شيراك أسهم في "عظمة فرنسا". كيف يمكن أن نقبل مثل هذه التصريحات في بلد تعتبر المساواة، بما في ذلك المساواة أمام القانون، من بين المبادئ الأساسية التي يقوم عليها؟، يجب على الجميع تحمل مسؤولية أفعاله، بغض النظر عن "الخدمات" التي قد يكون قدمها لفرنسا من قبل. ورغم أن الحقيقة شيء والأمر الواقع شيء آخر، يجب أن نتفق على ذلك على الأقل من حيث المبدأ!" تضيف إحدى الفرنسيات.
للإشارة فإن مدينة باريس قد تلقت تعويضا كاملا عن الضرر قبل محاكمة شيراك، حيث تلقى ثلاثة أرباع المبلغ من طرف الحزب الحاكم "الاتحاد من اجل حركة شعبية" (خليفة "التجمع من أجل الجمهورية" RPR) في حين أدى جاك شيراك مبلغ 500.000 اورو. وكانت مشاركة "الاتحاد من أجل حركة شعبية" في أداء هذا التعويض، رغبة من نيكولا ساركوزي. وكان الحزب الحاكم قد قدم تعويضا أيضا لمدينة باريس، بعد إدانة "آلان جوبيه" في قضية حزب "التجمع من أجل الجمهورية".