في حوار مع موقع "أصوات مغاربية"، كشفت عائشة الخطابي، البنت الصُغرى للمجاهد محمد بن عبد الكريم الخطابي، مجموعة من الحقائق حول بطل ملحمتيْ "انوال" و"ظهار اوبران"، وعلاقات اسرته الوثيقة مع الاسرة الملكية سواء في عهد المغفورين محمد الخامس والحسن الثاني، أو في عهد جلالة الملك محمد السادس، كما تحدثت إبنة بطل المقاومة الريفية، المزادة سنة 1942 في المنفى بجزيرة لارينيون الفرنسية، عن حراك الحسيمة وما تعرفه منطقة الريف من مظاهرات احتجاجية بالإضافة إلى العديد من الملفات الأخرى.. وبالنظر إلى اهمية ما جاء في حوار عائشة الخطابي مع ذات الموقع، نعيد نشره كاملا لتعميم الفائدة:
كيف كانت علاقة مُحمد بن عبد الكريم الخطابي بعائلته؟ ليس من السهل أن تكون ابن أو بنت محمد بن عبد الكريم الخطابي. كان والدي شديد الطباع، ولكنه في نفس الوقت، كان يعرف جيدا أننا ننتمي إلى جيل آخر، ويجب أن يُسايرنا. كان رجلا عظيما لأنه كان يعرف كيف يوفق بين الأصالة والمُعاصرة، فنحن درسنا في مدارس أمريكية، وكنا نختلط مع الأوروبيين، وبالتالي عشنا مع أشخاص مُعصرنين جدا.
كيف استطاع والدك أن يُربيكم تربية إسلامية في المنفى؟ عندما كُنا في مصر، كان أبي يستقبل في منزلنا الكثير من الأشخاص الذين ينتمون إلى الإخوان المُسلمين، لكنه لم يكن مُتشددا أبدا إلا في بعض الأشياء كالصلاة واللباس المُحتشم والصيام لمن استطاع، وأيضا في الإحسان إلى الفقراء والمظلومين.
ما هي ذكرياتك عن المنفى؟ كُنت صغيرة جدا عندما كُنا في المنفى، وخرجنا من هُناك وأنا في عُمر الخامسة، لكنني أذكر أن حياتنا هُناك لم تكن صعبة، والفرنسيون كانوا يُعاملوننا مُعاملة جيدة. أما أبي، فقد كان حُرا في الخروج متى شاء شرط أن لا يُغادر جزيرة لارينيون. وكان لكل من أبي وإخوته منزلا مُستقلا هُناك.
متى بدأت تدركين أنك تعيشين في المنفى؟ لم أع ذلك أبدا حتى كبُرت. كل ما كُنت أريده في ذلك الوقت هو الخروج والتفسح واللعب، بل كانت تصلُنا هدايا كثيرة كالسيارات والدُمى، خاصة في الأعياد.
ماذا عن حياتك بعد المنفى؟ كانت هُناك مُظاهرات واحتجاجات في العالم العربي كله تُطالب بإخراج والدي من المنفى، ولإسكات الأصوات المُطالبة بذلك، قررت السلطات الفرنسية نقله إلى نيس حتى يكون قريبا من المغرب، فتم نقلُنا على متن باخرة قضينا فيها حوالي شهر كامل، وخلال هذا الوقت، قامت الدول العربية بمراسلة الملك فاروق طالبين منه مُساعدة والدي في الهُروب. عندما وصلنا إلى قناة السويس، وقفت الباخرة ليتم شحنُها من جديد، ومع الفجر، قدمت إلينا شخصيات مُهمة لمرافقتنا. ولحسن الحظ كانت الباخرة في الميناء، فهبطنا مُباشرة بمُساعدة الشرطة، وكان والدي خائفا من أن يتعرض للقتل.
بعد ذلك مُباشرة، بدأت الصحف الفرنسية في نشر عناوين من قبيل: « عبد الكريم خان فرنسا »، في حين أن الحقيقة غير ذلك. نزلنا في مصر، ووجدنا الملك فاروق في انتظارنا، حيث أخذنا إلى أحد قصوره، وتم استقبالنا استقبالا جيدا. وكان الملك فاروق يأتي يوميا لزيارة والدي. وبالرغم من أننا كنا سُعداء بالعيش في القصر، إلا أن والدي رفض المُكوث وأراد العيش في منزل عادي. هذا جعل العديدين يقولون إن أبي ضد الغنى، ولكن هذا ليس صحيحا، فأبي ضد الطبقية ويُدافع عن العدالة الاجتماعية.
هل تعتبرين حياتك في مصر نوعا من المنفى؟ بالنسبة لي لم يكن الأمر كذلك، فأنا أحببت مصر كثيرا، وأحببت ناسها وكل شيء فيها. كان المصريون يُحبوننا ويعتبرون عبد الكريم الخطابي أباهم الروحي. حتى في المدرسة الأمريكية كانوا يُعاملوننا مُعاملة خاصة، ولكن ما كان يحُز في نفسي هو رغبة والدي الدائمة في العودة إلى المغرب، ولسوء الحظ، مات بسكتة قلبية قبل أن يرجع.
تساءل البعض عن المُعاملة الخاصة للدولة مع عائلة الخطابي. كيف تصفين هذه المُعاملة؟ الملك محمد الخامس رحمه الله زارنا في منزلنا في مصر، وقال للسفير عبد الخالق الطُريس آنذاك إنه هو من سيقوم بزيارتنا وليس والدي من سيزوره. دخل منزلنا وسلم علينا وعانقني شخصيا وقال لي إن المغرب بلدي ولا بد لي من العودة للعيش فيه.
بالنسبة للملك الحسن الثاني، دخل منزلنا أكثر من مرة من أجل زيارة لالة مريم، أم الدكتور خطيب التي كانت عزيزة على قلبه جدا. كان بسيطا وطيبا جدا، وكان يُربت على كتفي في كل مرة يزورها.
مُعاملة الملك محمد السادس اليوم لنا هي مُعاملة جيدة جدا، ويسأل على أحوالنا دائما، ولم يُقصر معنا في شيء أبدا.
كيف كان والدك يوفق بين حياته كمُقاوم وحياته الشخصية والعائلية؟ لم يكن والدي يُجالسنا إلا نادرا، حتى وجباته كان يتناولها مع أصدقائه من المُقاومين. وكنا نراه في فترات استراحته القصيرة فقط.
ما هي أهم صفة اكتسبتها من والدك؟ مُساعدة الآخرين، وخصوصا الفُقراء. كان يتحدث عنهم كثيرا وعن حقهم في الأكل والصحة والسكن، وكان يُوصينا بالابتعاد عن الظلم والكذب.
هل تُرحبين بفكرة نقل رُفات والدك، وأيضا كُتبه ومُعلقاته إلى مسقط رأسه أجدير؟ أنا لا أريد أن يبقى رُفاته في مصر، لكن أن يُنقل إلى مسقط رأسه بأجدير أو إلى مكان آخر في المغرب، لم نُقرر في هذه المسألة بعد. أنا أخاف أن يُنقل إلى أجدير، فتكون زيارته من طرف الجميع أمرا صعبا. صحيح أن والدي ريفي، ولكنه مغربي قبل أن يكون ريفيا.
كانت لك فُرصة قراءة مُذكرات والدك. ما هي الأمور والحقائق التي رسخت في ذاكرتك من هذه المُذكرات؟
دفاعُه عن العدالة الاجتماعية وعن حقوق الإنسان المقهور والمظلوم في كل ربوع العالم العربي.
هل ترين أن الدولة تصالحت مع الريف وأن عقود الصراع بينها وبين الريفيين انتهت؟ رُبما أنا أميل كثيرا إلى الريف، ولكن لدي نُقطة مُهمة علي التصريح بها في هذا الصدد وهي أن ما فعله الملك محمد السادس من أجل التصالح مع الحسيمة عظيم جدا، ولا أستطيع أن أنساه. ففي اليوم الذي أخذ فيه زمام الحُكم، سأل المنصوري بنعلي عن أبناء عبد الكريم الذين يعيشون في المغرب، وطلب منه أن يلتقيني بغرض بدء جولته في المغرب كملك مُستهلا إياها بالريف، لأنه كان يعرف أن الحسيمة عانت من التهميش، فاستقبلناه أنا وأخي سعيد الخطابي في مطار الحُسيمة، وجرى بيننا نقاش حول المشاكل التي يُعاني منها الريف، وقُلنا إن أول الأمور المُستعجلة التي يحتاجُها الريفيون هي مُستشفى مُجهز بالمُعدات اللازمة.
ما رأيك في ما يجري اليوم بالريف؟ من حقهم المُطالبة بحقوقهم، فقد عانوا طويلا من التهميش على جميع الأصعدة، ولكنني أرى أن عليهم الآن الاتجاه إلى تهدئة الأوضاع، لأنني مُتيقنة من أن السُلطة قد استوعبت جميع مشاكل ومطالب المواطنين هناك وتعمل على حلها.
أنا أتتبع أخبار الحراك يوميا، وأشعر بالحزن على الريفيين لأنني منهم وأحبهم، وأخبرُهم أن الملك محمد السادس مُستعد لحل جميع مشاكلهم، وأنا في اتصال دائم مع المقربين منه والذين أخبروني أنه طلب من المسؤولين الإسراع في الاستجابة لمطالب ساكنة الريف في أقرب وقت. لكن هذا الأمر سيحتاج إلى الوقت وإلى الصبر وإلى الاشتغال خطوة بخطوة حتى تتحقق جميع المطالب.
لو كان والدُك على قيد الحياة، ماذا كان سيكون موقفه من هذا الموضوع؟ نفس موقفي. كان سيستمع إلى الساكنة وإلى مشاكلها ويُحاول حلها في أقرب وقت.