من المرتقب أن تكون أول زيارة يقوم بها إيمانويل ماكرون، الرئيس الفرنسي المنتخب بعد تنصيبه، ستكون للمغرب وفق ما أعلن عنه في وقت سابق، عربونا عن عمق العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، اللذين تجمعهما الكثير من المشتركات سواء الاقتصادية أو السياسية كما يشتركان في مكافحة الإرهاب الآفة العالمية الجديدة، ويرتبطان بتعاون استراتيجي لا يخضع لتقلبات شخوص الرئاسة. ويمكن القول إن ماكرون سيكون الرئيس الفرنسي، الذي سيعيد للعلاقات مع المغرب عنفوانها الذي عاشته على عهد الرئيس فاليري جيسكار ديستان، وسيمحو حقبة الرئيس الراحل فرنسوا ميتران، الذي تولت زوجته دانيال كبر الدفاع عن جبهة البوليساريو، وتعتبر اللحظة النشاز في تاريخ هذه العلاقات التي تعود لسنين طويلة. ودائما ، إلا في حالة واحدة، كانت العلاقة بين رؤساء فرنسا وملوك المغرب جيدة بشكل كبير، حيث إن الجنيرال دوكول، مؤسس الجمهورية الفرنسة الخامسة، كان يعتبر جلالة المغفور له محمد الخامس رفيق سلاح، إذ ساهم المغاربة كثيرا في تحرير فرنسا من الاحتلال النازي، وهي الأمور التي لا يمكن أن تموت بفرنسا. وفي فرنسا أجيال من العلاقات لا تتأثر بالتحولات التي يعيشها قصر الاليزي، حتى في عهد فرنسوا ميتران، ظلت الاستثمارات الاستراتيجية متواصلة بين البلدين، لأنها علاقات من النوع الذي ترعاه المؤسسات العميقة التي لا تتغير. وكان جلالة الملك الحسن الثاني على علاقة عميقة مع الرؤساء الفرنسيين، إلى درجة أن ثقافته كانت تفوق ثقافتهم، ويذكر التاريخ أنه خلال زيارته لفرنسا على عهد ميتران كان خطابه المرتجل قويا أمام خطاب الرئيس الفرنسي المكتوب، فقال ميتران إنه خلق ليكون ملكا ليس مثلي. وكانت علاقته بكل من جورج بومبيدو وجيسكار ديستان أكثر من جيدة، وعاد العلاقة نفسها مع جاك شيراك، الذي يعشق المغرب وخصوصا تارودانت.
وفي رسالة التهنئة التي بعثها جلالة الملك محمد السادس إلى الرئيس الفرنسي المنتخب قال جلالته "إن الشعبين المغربي والفرنسي، اللذين تربطهما علاقات صداقة عريقة، أساسها التقدير المتبادل والقواسم الثقافية والقيم الإنسانية المشتركة، تمكنا، على مر السنين، من إرساء شراكة قوية ومتعددة الأبعاد، تتميز بالرسوخ والاستمرارية " إنه خيار استراتيجي، تبناه بلدانا بكل إرادة والتزام، وما فتئا يعملان معا من أجل تعزيزه وإعطائه نفسا دائم التجدد، رفعا لمختلف التحديات السياسية والانسانية والاجتماعية والاقتصادية، التي واجهتهما خلال عقود عدة". وعبر جلالة الملك عن يقينه بأن هذه الشراكة، سوف تتسم، خلال الولاية الرئاسية لإمانويل ماكرون، بنفس الدينامية، وستزداد عمقا ومتانة، معربا في هذا الصدد، عزم جلالته على العمل مع الرئيس الفرنسي المنتخب من أجل المضي قدما في الاستثمار الأمثل للإمكانات المتاحة أمام التعاون الاقتصادي بين البلدين، وتعزيز تطابق وجهات النظر بينهما إزاء مختلف القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، وكذا العمل على تدعيم جهودهما لصالح القضايا المتعلقة بالمناخ، من أجل تنمية بشرية ومستدامة تعود بالنفع على الجميع.