يبدو أن صورة الانفتاح التي منحت لجنوب افريقيا، في فترة ما بعد نظام الميز العنصري، لقب "بلد قوس قزح" بصدد التحول، في رأي المعلقين، إلى سراب، وذلك بالنظر لتطور هذا البلد الذي يبتعد أكثر فأكثر عن المثل العليا لآبائه المؤسسين. ويتذكر الكثير من المحللين، بنوستالجيا، الفترة التي تلت انتهاء نظام الابرتايد سنة 1994، حيث كانت جنوب افريقيا توفر فرصا لمهاجرين، غالبيتهم أفارقة، الذين كانوا يحجون إلى بلد نيلسون مانديلا بحثا عن غد أفضل.
ويؤكد المحلل جان ماتيسون في كتابه الأكثر مبيعا "غود، سبايز اند لايز" (الالاه، جواسيس، وأكاذيب)، الذي صدر مؤخرا، أن السنوات الجميلة التي عاشتها جنوب افريقيا تركت مكانها لاحساس بالغضب وسط الأغلبية السوداء والأقلية من ذوي البشرة البيضاء. وقد تولد عن ركود الاقتصاد، الذي استفحل منذ الانكماش العالمي لسنة 2009، شعور بالإحباط ما فتئ حجمه يزداد اتساعا، على خلفية تفاقم معدلات الفقر والبطالة.
وتفيد الأرقام الرسمية أن أكثر من 26 بالمائة من الساكنة النشيطة بالبلاد هي عاطلة عن العمل. وتقدر مصادر مستقلة أن هذه النسبة تمس أكثر من 50 بالمائة من الشباب في المناطق الفقيرة، حيث تعيش الأغلبية من السود.
واعتبر المؤرخ كريستوفر ساوندرز أن موجة العنف الأخيرة ضد الأجانب، والتي استهدفت مهاجرين أفارقة بحاضرة تشوان، التي تضم العاصمة بريتوريا، كانت "أسوأ تعبير" عن هذا الشعور بالاحباط الذي يرخي بظلاله على مواطني جنوب افريقيا. وفي سياق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية ببلادهم، يميل الجنوب افريقيون الى اتهام المهاجرين الأفارقة بحرمانهم من مناصب الشغل، وهو الموقف الذي وصفه المحللون ب "الانتهازي". من جهته، اعتبر المحلل تيري بيل أن تكرار أعمال العنف هذه يجب أن يسائل كافة مكونات البلاد، بما فيها الحكومة والمجتمع المدني، معربا عن استنكاره لأسباب هذا العداء المتنامي ضد الأفارقة الذين كانوا قد قدموا للجنوب افريقيين كل الدعم من أجل التحرر من نير النظام العنصري. وتأتي موجة العنف الأخيرة ضد الأجانب، بعد تلك التي شهدتها سنة 2015، عندما أجبرت الحكومة، التي يرأسها حزب المؤتمر الوطني الافريقي، على اللجوء إلى الجيش لوضع حد لأعمال العنف التي خلفت عشرات القتلى في صفوف المهاجرين الأفارقة.
وكانت أعمال العنف التي شهدتها سنة 2008،قد خلفت سقوط 62 قتيلا بين مهاجري بلدان افريقيا جنوب الصحراء.
وفي كتابه "غود، سبايز اند لايز" يذهب ماتيسون في تحليله لضياع النموذج الخاص ببلد قوس قزح، الى ما هو أبعد من المشاكل السوسيو-اقتصادية، التي تطال البلاد، موجها أصابع الاتهام إلى ما وصفه ب"الخصاص المهول في القيادة السياسية".
وأعرب المحلل عن استيائه لكون النخبة المستنيرة التي ساعدت على محاربة العنصرية مطلع تسعينات القرن الماضي، انسحبت من الساحة، مؤكدا أن بلد قوس قزح كما رسم معالمه نيلسون مانديلا ورفقاؤه في النضال، لم يعد له وجود. وحذر المحللون من أن استمرار الأزمة الاقتصادية وغياب قيادة سياسية قادرة على قيادة البلاد الى بر الأمان، من خلال بعث الروح في نموذج مجتمع متعدد وافريقي أصيل، قد يشجع على صعود نخبة جديدة "تحن إلى حقبة العنصرية".
وتفاقمت هذه المخاوف إثر نشر تصريحات نارية أدلى بها عمدة حاضرة جوهنسبورغ، هيرمان ماشابا، الذي وصف المهاجرين بال"مجرمين الذين يتعين طردهم من البلاد".
واعتبر المحلل جوبيتير بونينغوي أن قضية كراهية الأجانب أصبحت ورقة تستغلها الأحزاب السياسية لأهداف انتخابية.
وبحسب المحلل نفسه، فإن التحالف الديموقراطي حزب عمدة جوهنسبورغ، التزم الصمت إزاء أعمال العنف ضد الأجانب الأخيرة، بهدف "تقديمها باعتبارها واحدة من نقاط ضعف الحزب الحاكم".
وتابع المحلل أن "هذا لايعفي في أي حال من الأحوال حزب المؤتمر الوطني الافريقي من المسؤولية"، موجها انتقادات لاذعة لرد فعل الرئيس جاكوب زوما إزاء أعمال العنف ضد المواطنين الأفارقة.
وقد أثار زوما، الذي أدان أعمال العنف هذه، غضب المهاجرين والبلدان الافريقية عندما قال إنه "لا يمكن نكران أن أغلب الجرائم في أوساط الجاليات، كالاتجار في المخدرات، يرتكبها أجانب".
وأكد المحللون أنه ليس من مصلحة جنوب افريقيا النفور من القارة الافريقية عن طريق غض الطرف عن استفحال الرهاب من افريقيا. وسجل المحلل بونينغوي أن انقاذ البلاد يمر بالضرورة عبر محاربة الاقصاء والتقليص من الفوارق الاجتماعية التي تبقى واحدة من الأكثر ارتفاعا في العالم.