احتفل حزب المؤتمر الوطني الإفريقي (الحزب الحاكم في جنوب إفريقيا)، يوم الأحد الماضي بعيده الخامس بعد المئة، وهي مناسبة للجنوب إفريقيين للوقوف عند حصيلة حزب عريق تلطخ رصيده التاريخي بمظاهر فساد لم تكن في حسبان الآباء المؤسسين. وحاول مسؤولو الحزب، خلال الاحتفالات المنظمة بمدينة سويتو رمز المقاومة ضد نظام الفصل العنصري (أبارتايد)، إحياء قيم، كانت إلى وقت قريب، جزءا لا يتجزأ من وفاء الجنوب إفريقيين (خاصة السود منهم) لحزب نيلسون مانديلا.
واعتبر محللون أن الأمطار الغزيرة التي تهاطلت على مدينة سويتو خلال هذه الاحتفالات جاءت لتذكر بالأزمة التي تضرب الحزب الحاكم. وفي هذا الإطار،شبهت المحللة رالف ماتيكغا الخزب ب " قارب يغرق في ظل عجز قيادي الحزب عن اتخاذ قرارت لإنقاده"، مذكرة بالانقسامات التي تمزق أوصال الحزب مع اقتراب موعد انتخاب زعيم جديد.
ومن المرتقب أن يختار الحزب زعيما جديدا خلال دجنبر المقبل. وسيكون الزعيم المنتخب مرشح الحزب لخوض الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها سنة 2019.
ويعيش حزب المؤتمر الوطني الإفريقيي اليوم، حالة انقسام بين معسكر الرئيس زوما الداعم لاختيار زعيم جديد يحافظ على الوضع القائم ، وآخر معارض يسعى إلى تجديد هياكل الحزب والتصالح مع ناخبيه التقليديين.
واعتبر محللون أن اختيار موضوع "العمل الموحد " كشعار للذكرى 105 للحزب، تؤشر بشكل جلي على الانقسامات التي يعيشها هذا التنظيم السياسي. وبالمناسبة، أكدت اللجنة الوطنية التنفيذية، الجهاز التقريري للحزب، أن هذا الأخير يجب أن يتحد ليكون قادرا على تعبئة الشعب ضد البطالة، والفقر والتفاوتات الاجتماعية.
وأبرزت المحللة ماتيكغا أنه بالجوء إلى خطاب من هذا النوع، ييسعى مسؤولو الحزب الى إيصال رسالة مفادها أنهم "واعون بالأزمة، وعلى أهبة الاستعداد لقيادة البلد إلى بر الأمان".
وحذر الرئيس زوما، الذي كان يلقي خطابه الأخير باسم الحزب، من الانقسامات داخل المؤتمر الوطني الإفريقي، معتبر أنها لا تنسجم وتطلعات الشعب الطامح إلى التشغيل ومكافحة الجريمة والفساد.
وقال زوما "مهمتنا تتمثل في تسريع النمو الاقتصادي، وخلق فرص عمل والمكافحة الفعلية للجريمة"، مشيرا إلى أن أعضاء الحزب يجب أن "يجسدوا قيم التضحية، والشفافية والانضباط".
وعلى نقيض ما تحدث به الرئيس زوما، فإن حصيلة الحزب تحت قياد ته كانت متدنية خاصة في ما يتعلق بالقضايا الاقتصادية والاجتماعية.
فلم يعد الاقتصاد الجنوب إفريقي، الذي سجل نموا بنسبة 0,5 سنة 2016، قادرا على خلق فرص شغل لملايين الشباب. وتشير المعطيات الرسمية إلى أن البطالة تمس 27,1 في المئة من الساكنة النشيطة وتصل الى 50 في المئة في أوساط الشباب المنحدرين من المناطق المهمشة.
كما أن الفساد والزبونية بلغا مستويات غير مسبوقة، في وقت أصبحت فيه التفاوتات الاجتماعية في بلد قوس قزح من بين الأكبر على مستوى العالم.
وخلال الانتخابات الجماعية التي جرت في غشت 2016، كانت النتائج صادمة بخسارة الحزب الحاكم السيطرة على ثلاث مدن كبرى مهمة (بريتوريا، وجوهانسبرغ وبورت اليزابيت)، والتي كانت أحد المعاقل الانتخابية للحزب منذ 1994.
وأكد المحلل السياسي سيفو سيب أن "المؤتمر الوطني الإفريقي استفاق على حقيقة مرة"، مشيرا إلى أن الجنوب إفريقيين، المزدادين بعد سنة 1994، "لم يعد محدد التصويت لديهم يتمثل في قيم مواجهة عدو لم يعد موجودا، بلأاضحوا يتطلعون الى التشغيل والحياة الكريمة عوض الايديولوجيا".
وأبرز محللون أن الحزب الحاكم اعتمد، قبل سنة 1994، على دعم الناخبين المتعلقين بتاريخه وأهدافه السياسية، مشيرين إلى استنفاد هذا الرصيد السياسي في ظل قيادة زوما للحزب معتبرا أن جنوب إفريقيا تعيش ثورة سياسية هادئة بعيدا عن الشعبوية، "فالشعب يريد ربط المسؤولية بالمحاسبة".
وأضاف أن الناخبين يطالبون بحكامة جيدة ودولة يسودها الحق والقانون قادرة على القضاء على الزبونية والفساد، مشيرا، في هذا الصدد، إلى أن المؤتمر الوطني الإفريقي فشل في هذه المهمة.
ولهذا السبب، عمد كثير من الناخبين إلى إعادة النظر في "وفائهم" للحزب، وهي وضعية تتطلب تدبيرا سياسيا جديدا بعيدا عن الاعتبارات الايديولوجية المتقادمة.