شعب بريس- عواطف عمران يعد مسلسل "كريمة"، الذي يذاع على الكثير من القنوات الفضائية خلال شهر رمضان، هو أول عمل روائي إماراتي يتم تحويله إلى دراما تلفزيونية. وهو مقتبس من رواية "الاسم" للأديب والروائي الإماراتي مانع سعيد العتيبة، ومن إخراج الأردني إياد الخزوز، ويشارك فيه نخبة من نجوم الوطن العربي منهم عاكف نجم من الأردن وميساء مغربي ومنصور الغساني وعبد الرحمن الزرعوني من الإمارات، وإبراهيم الحربي من السعودية، وربيع القاطي، وإلهام وعزيز، وبشرى أهريش، وفاتن هلال بيك، وفرح الفاسي، ونجاة خير الله من المغرب. وتم تصوير أحداث المسلسل الاجتماعي"كريمة" في مواقع الأحداث كما جاءت في الرواية ما بين المغرب مثل مدن فاس ومكناس بالإضافة إلى مواقع أخرى مختلفة في الإمارات. ويقوم البناء الدرامي للأحداث على حادث سير يقع بالمغرب بين شاب إماراتي يعمل عند رجل أعمال إماراتي وسيارة أخرى فيها عائلة مغربية تتكون من كريمة، بطلة العمل، ووالدها وشقيقها وشقيقتها. كشف مفيد مرعي عن أن المسلسل هو أول عمل درامي يجري بناؤه على رواية على المستوى الإماراتي، وربما الخليجي كذلك، ما يعني أنه قد يكون فاتحة لأعمال أخرى تطرق بوابة الدراما بيد الرواية، الأمر الذي سيقدم قراءات متنوعة للأعمال الروائية الإماراتية، وهي قراءات بصرية درامية هنا وليست نقدية أدبية، حسبما قال. من جهته أعرب إياد الخزوز عن سعادته بإنتاج عمل درامي تأتي صيغته العربية المشتركة من داخله ومن سياقه الدرامي وليس بتقصد مسبق، ما يتيح له كمخرج أن يحقق واحدة من أسباب سعادته الحقيقية في مجال عمله بالإخراج الدرامي. كما أكد أن التحدي الأصعب الذي واجهه خلال العمل ليس بنية العمل أو خلق شخصيات درامية قادرة على إيصال رسالته ودلالته الكبرى بل تجسدت الصعوبة في "مغامرة اللهجة المحلية" والاختلافات بين اللهجة الإماراتية من جهة والمغربية من جهة أخرى، ليكون الخط الإخراجي الذي اعتمده بالتخفيف من محلية اللهجة المغربية وجعلها مبسطة دون أن تفقد عمقها وبلاغتها ما أمكن، بحيث تكون مفهومة تماما وبلا لُبس من قبل أي مشاهد خليجي او حتى من بلاد الشام وكذلك هي الحال بالنسبة للهجة الخليجية في بلاد المغرب العربي. وأشار في هذا السياق إلى أن اللهجة المغربية ذات إيقاع سريع فيما الخليجية ذات إيقاع أكثر بطئاً، ليكون تبسيط اللهجتين سعياً للحفاظ على البنية الإيقاعية لبنية اللهجتين دون ان تخسر إحداهما ميزتها الدرامية ومقدرتها على حمل ردود أفعال تجاه أحداث ومواقف لا ترفع من سوية العمل فحسب، بل من بساطته المركبة أيضا، كما تحمل الشخصيات للتعبير عن ذواتها بأكبر قدر ممكن من الدرامية والتأثير في المُشاهد. رقي الدراما المغربية أوضح الخزوز أن الجو العام للمسلسل يتناول قصة مركبة على بساطتها ولا مبالغات فيها، ويمكن حدوثها أيضا رغم أنها لم تحدث، آملاً أن يكون مسلسل "كريمة" فاتحة انتشار للأعمال الدرامية المغربية في المشرق العربي فيكسر من حدة حضور المسلسل التركي بصورته السينمائية وجوه العام المشبع بالفخامة والأناقة، كما بالحكاية البسيطة التي غالبا ما تتناول الحب في أوساط من الكراهية واستقطاباتها وتأثيراتها على الشخصيات التي باتت نمطية الآن. وأكد الخزوز على أن الدراما المغربية تحمل من المميزات والجودة الفنية والرقي الحكائي والقصصي البسيط ما يجعلها قادرة على الانتشار عربياً باستقطاب المشاهد العربي لما فيها من توفير لحظات الاسترخاء الرمضانية، كما يمكنها أن تفاجأ المشاهد ببعض أحداثها ومواقفها غير المتوقعة. رغبة في الانتقام بدورها كشفت الممثلة نينا المغربي، التي تؤدي دور "كريمة" في المسلسل، أنها تقوم برواية سيرة حياتها كامرأة عادية، منذ أن كانت طفلة بريئة ترغب في العيش كسائر الأطفال، غير أن مقتل والدها يُحدث تحولًا في حياتها يقودها إلى الانتحار لولا تدخل شخصية رجل الأعمال الخليجي "أبو يوسف" ثم تنقل إلى الرغبة في الانتقام من قاتل والدها الذي يعمل رجل أعمال برفقة أبي يوسف ذاته. وضمن هذا الخط من الصراع النفسي وأبعاده الدرامية أوضحت نينا مغربي أن شخصية "كريمة" تتألف من مشاعر متناقضة: الحب والكراهية.. والخير والشر أيضا، "إنها شخصية امرأة عادية تماماً" كما قالت، و"هذا ما يجعلها صعبة بعض الشيء". من جهته رأى إبراهيم الحربي أن المختلف بالنسبة إليه في هذا العمل هو خوض تجربة أداء شخصية درامية تمّ بناؤها على أساس روائي، فضلًا عن الانخراط مع ممثلين من المغرب في حالة درامية دون أن يضطر لإحداث أي تغيير في لهجته كما هي حال تجارب درامية عربية سابقة، وذلك فضلًا عن الجو العام للعمل والعلاقات الإنسانية التي ربطت كادر العمل بعضه بالبعض الآخر. تجربة استثنائية أما عاكف نجم فأشار إلى مدى صعوبة الكتابة التلفزيونية التي تُبنى على الأعمال الروائية، حيث من المفترض بناء عمل درامي متكامل مواز تماماً في خطوط الصراع التي يتضمنها وبناء كل شخصية على حدة. في هذا السياق أوضح ان طبيعة الشخصية التي يؤديها في العمل وتداعياتها النفسية ومجمل تأثيراتها على الشخصيات الأخرى، فرأى أنها رغم بساطتها ونقائها الإنساني العادي إلا أنها مركّبة. وأشار نجم إلى أن خوض تجربة عمل درامي عربي مشترك كانت هاجساً بالنسبة إليه معتبرا أن تجربة التمثيل في المغرب مع ممثلين مغاربة وعرب كبار هي تجربة استثنائية شكّلت حافزاً على تقديم كل طاقاته التعبيرية كممثل خلال العمل. وهذا ما أكده أيضا الممثل إبراهيم عبد العزيز الذي يعمل للمرة الأولي في تجربة درامية عربية على مثل هذا المستوى، موضحا أنه ضيف شرف في العمل ويقدم شخصية رجل محب للحياة ومقبل عليها ويحاول دائماً أن يتخفف من كل المشاكل التي قد تعوق ذلك، لكنها شخصية تشكل جسراً بين عدد من الشخصيات الأخرى التي تربط بين الخطوط الحكائية للعمل. نقلة نوعية يرى الممثل سعيد السعدي أن الدور مثّل بالنسبة إليه تحدياً كبيرا لما يتوافر فيه من غنى في المشاعر الإنسانية المتناقضة من الداخل والمهزوزة باستمرار، موضحاً أن الدور بالنسبة له نقلة نوعية حقيقية فالمساحة هنا أوسع والعمل مع نجوم عرب بدا مربكاً في أول الأمر، لولا تلك الأجواء الإيجابية التي عاشها مع فريق العمل تماماً، والتي هيّأت له ظرف أنْ يقدّم شيئاً مختلفاً إلى حدّ أنه دور بطولة حقيقي. وكانت الانطلاقة الحقيقية للممثل سعيد السعدي في الدراما التلفزيونية مع مسلسل "أوراق الحب" الذي قدّم فيه دوراً رئيسياً أيضا، بعد عدد من الأدوار الثانوية التي قدمها أثناء عمله في قطاع الإنتاج ليركز نشاطه وطاقته في الدراما، حيث سيقوم بأداء دور آخر بعد الفراغ من الفترة الرمضانية المحتشدة مع المخرج إياد الخزوز غير أنه لم يكشف عن طبيعة هذا الدور. الرجل الخليجي والمرأة المغربية أوضح الخزوز أن المسلسل، كما الرواية، يقوم على البعد الاجتماعي لجملة من الحكايا التي يمثل تنوعها وتعددها وتشابكها بكل ما في ذلك من تعقيدات على مستوى الشخصية وإحداث بُعد آخر في المسلسل، فيُقدم المسلسل صورة إيجابية عن الرجل الخليجي مثلما يُعطي انطباعاً مماثلاً عن المرأة المغربية، مؤكداً أن أي عمل درامي يقوم على عدد من الشخصيات الطيبة والشريرة دون أن يعني ذلك أن أية شخصية تمثل هذا المجتمع أو ذاك. وبالدرجة نفسها فإن المسلسل، والتأكيد للخزوز، لا يسعى إلى إحداث تحولات في الصورة المتبادلة بين المجتمعات العربية على اختلافها لكنه قد يخلق حواراً على هذا الصعيد. وبالنظر لتفاعل الجمهور العربي مع هذا العمل المشترك الأول من نوعه بين المغرب والخليج فقد أدى ذلك إلى التطلع نحو خلق حالة من التواصل الفني ونقطة انطلاق جديدة للدراما العربية.