اقتحمت جريدة الواشنطن بوست الأمريكية العالم السوريالي لماكينة الدعاية لدى داعش، وتمكن صحافيان من الجريدة المذكورة من نقل تصريحات مسؤولين في دولة البغدادي، ونقلت الصحيفة أقوالا لأبو هاجر المغرب، الذي أمضى سنة ككاميرامان لدى داعش. وقد قام أحيانا بتصوير الصلوات في المسجد أو "المجاهدين" وهم يطلقون النار. يتحدث أبو هاجر عن الانتقال من الرقة، عاصمة خلافة البغدادي كما تم إعلانها، إلى مكان حيث سيكتشف أنه كان ضمن عشر مصورين ذهبوا لتسجيل الساعات الأخيرة ل160 من الجنود السوريين تم إعدامهم سنة 2014.
قال أبو هاجر "حملت آلة تصوير كانون"، وتم تعرية الجنود من ثيابهم والمشي في الصحراء حفاة تم إعدامهم برشاشات أتوماتيكية. وأضاف أن هذه الصور تم تداولها على نطاق واسع بعد نشرها على الأنترنيت من قبل داعش ووجدت لها طريقا أيضا إلى قناة الجزيرة وعدد من المواقع الاجتماعية.
ويوجد أبو هاجر اليوم في السجن بالمغرب، وهو واحد من عشرات المنشقين عن داعش، حيث قدم عشرات الأعضاء في العديد من البلدان للواشنطن بوسطت روايات مفصلة عن الآلة الدعائية لداعش التي تتميز بالقوة والتي لم تتجمع لغيره من المنظمات الإرهابية.
وتستعمل داعش آلات تصوير وحواسيب وتجهيزات فيديو قادمة في قوافل منتظمة من تركيا. هذه الأدوات تتسلمها مصلحة الإعلام التي يسيطر عليها الأجانب بمن فيهم واحد أمريكي، يتميز بكفاءات عليا تلقاها أثناء عمله بإحدى القنوات الإخبارية وشركات إنتاج.
ويتم التعامل مع الأطر العليا للإعلام مثل "أمراء" في صف واحد مع نظرائهم من المقاتلين. ويتم إشراكهم مباشرة في القرارات الاستراتيجية. ويقودون عشرات المشتغلين على الفيديو والمنتجين والناشرين، ويشكلون فئة على نفس المستوى مع قادة القتال فيما يخص الرواتب وشروط العيش.
وأوضح أبو عبد الله المغربي، وهو منشق ثاني عن داعش الذي اشتغل في صفوف الأمن الداعشي وساهم بشكل كبير في الدعاية، "هناك جيش كامل من المهنيين في الإعلام".
وقال إن "عناصر الإعلام أكثر أهمية من الجنود". فعائدهم الشهري مرتفع بشكل كبير ويتوفرون على سيارات رائعة، ويمتلكون تشجيع الأشخاص في الداخل على القتال وكذلك سلطة جلب المقاتلين إلى الدولة الإسلامية".
وقالت الصحيفة أنه مع امتداد سلطة داعش خارج حدود الخلافة، فإن الاعتداءات التي عرفتها باريس أخيرا نفذها جهاديون ينتمون لشعب عائم من أتباع الدولة الإسلامية، وهم رعايا موزعون على عشرات البلدان مرتبطون بمجموعات ناشطة في الأنترنيت. فعبد الحميد أبا عوض، الفاعل الرئيسي في اعتداءات باريس، ظهر أكثر من مرة في أدوات التوظيف للدولة الإسلامية.
وقد تم في الآونة الأخيرة إضعاف قدرات داعش الإعلامية عن طريق الضربات الجوية التي أسقطت رؤوسا كبيرة من قادة دولة البغدادي ومن بينهم جنيد حسين، الخبير البريطاني في الإعلاميات. وأكد مدير إف بي آي جيمس كوني أن أدوات الدعاية التي تقوم بها داعش تعتبر أهدافا عسكرية. وعبر عن تفاؤله بأن تساهم الضربات العسكرية في تقليص نشاط الإرهابيين على المواقع الاجتماعية.
وأجرت الواشنطن بوست حوارات مع سبع سجناء مغاربة بترخيص من السلطات المختصة. وقالت عن أبو هاجر أنه مغربي يمتلك صوتا خفيضا ملتحي وضعيف البنية، قال بأنه كان ناشطا في الدوائر الإعلامية للجهاديين لمدة عقد كامل قبل أن يدخل إلى سوريا في 2013. لقد بدأ في المساهمة في الملتقيات الالكترونية الإسلامية بعد غزو العراق سنة 2003، كما قال، تم أصبح مديرا لموقع إلكتروني اسمه "الشموخ"، مع منحه سلطة استقطاب أشخاص آخرين ومراقبة أعضاء آخرين.
وتتوفر داعش، التي تشكلت قبل سنتين بعد انشقاق عن تنظيم القاعدة، على جهاز مكلف بالتقييم وتكوين العناصر الجديدة. ولقد تم اختيار أبو هاجر مباشرة بعد دخوله إلى سوريا ضمن مجموعة الإعلام لداعش. وقضى شهران في التكوين العسكري قبل قبوله في برنامج خاص حيث تم تكوينه لمدة شهر على الوسائل الإعلامية.
وانصب هذا البرنامج حول طريقة التصوير التلفزي ومعالجة الصور وكيفية الحصول على صوت جيد أثناء الحوارات. وبعد انتهاء الدروس تم منحه آلة تصوير "كانون" وسمارتفون سامسونغ كلاكسي وتم تعيينه في وحدة الإعلام بالرقة.
وينحدر أبو هاجر، البالغ من العمر حوالي 30 سنة، من عائلة فقيرة. الآن حيث يوجد في السجن فإن زوجته وأبناءه عادوا إلى حيث كانوا يسكنون قبل الذهاب إلى بؤر التوتر، في دوار من البراريك بالقرب من أحد المعامل نواحي الرباط.
وفي سوريا كانوا يتوفرون على فيلا بحديقة، وكان أبو هاجر يتوفر على سيارة تويوتا رباعية الدفع، حتى يتمكن من الوصول إلى اماكن العمل البعيدة. وكان يحصل على راتب يقدر ب700 دولار شهريا. وسبع مرات راتب أي مقاتل عادي بالإضافة إلى الثياب والتجهيزات. كما تم إعفاؤه من ضرائب داعش.
وقال أبو هاجر أنه التقى رهينة واحدا من الغرب، هو جون كانتيل، مراسل حربي بريطاني الذي تم اختطافه سنة 2012 بسوريا. وأضاف أنه هو من صور كانتيل في الموصل سنة 2014. وقال أبو هاجر أشياء تتناقض مع أسر كانتيل حيث قال إنه كان يتحرك بحرية.
ويحكي أبو هاجر عن قضية إعدام الجنود السوريين، حيث أشار إلى انه بعد الوصول إلى الموقع، تم الاجتماع من أجل تنظيم العمل حتى تكون أهداف مختلفة لكل مصور.
إن التناقضات التي تعرفها الآلة الدعائية لداعش يمكن أن تظهر بنيتها واستراتيجيتها غير متناسقة، فالتنظيم يمارس رقابة صارمة على انتاجات الفيديو والرسائل، لكن يرتكز على الفوضى في الأنترنيت والوسائط الاجتماعية.
وينقسم الخطاب الإعلامي لداعش إلى قسمين واحد موجه للتأثير على الرأي العام الغربي، ويتضمن عمليات الذبح والحرق ومشاهد أخرى. وفي القسم الثاني مجموعة من الصور والفيديوهات التي تبين أن الدولة الإسلامية يمكن أن تكون وجهة للسكن. فيديوهات تبين تكوين أسواق شعبية وشرطة إسلامية تتجول بالسيارات.
وقد تم تكليف مصلحة الإعلام بهذا المشروع، والتي كانت تعمل بشكل جيد قبل إعلان الخلافة من قبل البغدادي. مسؤولو الاستعلامات الأمريكية قالوا بأنهم كان لديهم تبصر بالقدرة على مراقبة الاستراتيجية الدعائية للدولة الإسلامية، ويشتبه في تسييرها من قبل أبو محمد العدناني، الناطق الرسمي باسم الخلافة.
في محمية للدولة الإسلامية بالقرب من حلب، تشكل المقر العام لمصلحة الإعلام من منزل من طابقين في حق سكني، يقول أحد المنشقين، أن الموقع تحت حماية حراس مسلحين ووحدهم الذين يمتلكون ترخيصا من الأمير الجهوي مسموح لهم بالدخول إليه. كل طابق موضب بكاميرات وحواسيب وتجهيزات أخرى، يقول أبو عبد الله البالغ من العمر 37، الذي يقوم بزيارات غير منتظمة للموقع كجهاز لأمن اللوجيستيك. ولوج الأنترنيت يتم عبر خدمة بدون كابل عبر تركيا.
المنزل المذكور يتم استعماله كمقر لتحرير مجلة دابق، المجلة الرقمية التابعة لداعش، ويشتغل البعض في الفرقان، الجناح الإعلامي للتنظيم الإرهابي، التي تهتم بالفيديوهات. ويوجد 100 عنصر في الوحدة الإعلامية، وبعضهم، حسب أبو عبد الله كانوا قراصنة أنترنيت وبعضهم مهندسون.
وأنتجت داعش فيديوهات كثيرة تتضمن مشاهد مروعة موجهة للغرب، لكن تم إنتاجها بطريقة احترافية. غير أن أحد المنشقين قال إن اللقاءات الداخلية يتم تصويرها كذلك بالطريقة ذاتها.
منذ عقدين كانت العلامة المهيمنة للإسلام الجهادي هي القاعدة. لكن الدولة الإسلامية ملأت الفضاء خلال سنتين من تأسيسها. فبيانات القاعدة كانت دائما تتم عن طريق قادتها وخصوصا أسامة بن لادن. لكن الدعاية لدى داعش تركز على المقاتلين وظهور أبو بكر البغدادي ومساعدوه الكبار قليل جدا.
وتجاوزا لطريقة القراءة المستعملة من قبل القاعدة فإن أشرطة داعش سينمائية. فالتنظيم خائف على صورته مثل إحدى الشركات. وفق ما قال مسؤول أمريكي في المخابرات. فالقاعدة بشكل عام لها صبر كبير في نشر أشرطتها. ففرعها باليمن نادرا ما يصدر أعدادا جديدة من مجلته "إلهام" الصادرة بالانجليزية. لكن حجم إصدارات الدولة الإسلامية واسعة جدا مقارنة مع باقي التنظيمات الإرهابية. فقد أنتج التنظيم مئات الأشرطة في عشرات اللغات، وخارج برامج الراديو اليومية فإن هناك مليونين من المعجبين في تويتر.
يقول أبو هاجر وإثنين من المنشقين إن امريكيا في نهاية عقده الثالث أبيض البشرة أسود الشعر كان اللاعب الأساسي في العديد من الفيديوهات الشهيرة للدولة الإسلامية. فالأمريكي، حسب أبو هاجر، هو القوة التي تقف وراء وثائقي من 55 دقيقة تحت عنوان "نيران الحرب" الذي تم بثه نهاية سنة 2014. وقد استهدف الشريط أن يخلق نوعا من الأسطورة حول أصول ومرجعية الدولة الإسلامية بالخلافة الإسلامية التاريخية.
يقول أبو هريرة، الذي أمضى شهورا في القتال بالعراق، بدأ البحث في الأنترنيت بحثا عن الدولة الإسلامية بعد أن أصبح التنظيم يشغل الصفحات الأولى قرر أن يغادر عمله في مقاولة للنظافة بالدارالبيضاء، مباشرة بعد مشاهدته لأشرطة الفيديو.