مباشرة بعد الإعلان عن أسماء الفائزين بالجائزة الوطنية الكبرى للصحافة في مختلف الأصناف برسم دورتها الثالثة عشر، خلال حفل أقيم يوم 19 نونبر الجاري بسلا، عبّر صحافيو الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة بكل من قناة تمازيغت والإذاعة الامازيغية عن استيائهم وتذمرهم من نتائج الدورة فيما يخص صنف الإنتاج الصحفي الأمازيغي. واعتبر الصحفيون ان اقتسام الجائزة مناصفة بين الصحافيتين مليكة ام هاني عن برنامجها الاذاعي "كان يا مكان" وسليمة اليعقوبي بالقناة الأمازيغية عن برنامج حول مغاربة هولندا، يعد حيفا في حق الامازيغية وضربا لمقتضيات الفصل الخامس من الدستور الذي اعترف بالامازيغية لغة رسمية إلى جانب العربية، كما أن ذلك يعتبر تناقضا لما أعلنت عنه الحكومة في بلاغ لها عقب مصادقتها، يوم 19 سبتمبر 2013 ، على مشروع مرسوم 718-13-2 بتغيير وتتميم المرسوم رقم 729-03-2 الصادر في 18 من ربيع الآخر 1425 (7 يونيو 2004) بإحداث الجائزة الوطنية الكبرى للصحافة، الذي نص على الرفع من قيمة الغلاف المالي للجائزة الوطنية للصحافة، وخلق أصناف جديدة للجائزة تتضمن جائزة الإنتاج الصحفي الحساني والإنتاج الصحفي الأمازيغي، حيث جاء في ذات البلاغ أن هذا "المشروع يأتي في إطار تفعيل مضامين الدستور خاصة الفصل 26 منه الذي ينص على دعم السلطات العمومية بالوسائل الملائمة لتنمية الإبداع الثقافي والفني والبحث العلمي، وكذا تنزيل المبادئ الدستورية المتعلقة بالتعددية اللغوية والفكرية والثقافية، ومسايرة التطورات التكنولوجيا الحديثة."
وطالب الصحفيون والصحفيات بضرورة رفع الحيف عن الامازيغية من خلال السماح للصحفيين الامازيغيين بالاشتراك في جميع الاصناف التي حددها المرسوم المحدث للجائزة كما تم تتميمه، إذ لا يعقل ان تخصص جائزة واحدة للإنتاج الامازيغي بجميع أصنافه، حيث يتم التباري حولها بين مختلف أنواع الصحافة، مكتوبة وسمعية بصرية والكترونية، كما لو أن الصحافة باللغة الامازيغية تختلف عن باقي الاصناف الصحافية الاخرى والحال ان الفرق لا يكمن إلا في اللغة المستعملة .
هذا الحيف الذي تعاني منه الامازيغية يتبدى جليا من خلال السماح للصحفيين بالفرنسية والعربية بالتباري في كافة الاصناف الصحفية (الإذاعة والتلفزة والوكالة والصحافة المكتوبة والالكترونية) فيما يكتفي الصحافي الامازيغي بالتباري حول جائزة واحدة مخصصة للإنتاج الصحفي الأمازيغي، بكل أصنافه..
إحداث جائزة واحدة مخصصة للإنتاج الصحفي الأمازيغي بكل أصنافه، رغم استناده إلى مبدأ التمييز الايجابي، إلا انه يطرح عدة إشكالات سواء بالنسبة للجنة تحكيم الجائزة او المرشحين المتبارين حول هذه الاخيرة.
هذا الوضع يجعل لجنة التحكيم امام إشكالية صعبة تتمثل في المقارنة بين أعمال تنتمي إلى اصناف صحفية مختلفة (إذاعة، تلفزة، صحافة ورقية، الكترونية، الوكالة) وهو ما يجعل الاختيار مستحيلا لان لكل صنف من هذه الاصناف له خصوصياته وآليات اشتغاله وبالتالي فإن المقارنة يجب ان تكون بين أعمال ومواد تنتمي لنفس الصنف (ونفس الجنس الصحفي حتى) لتكون المنافسة متكافئة ونتائج المقارنة والاختيار منصفة.
أما بخصوص المترشحين فإن إبقاء الوضع كما هو عليه يعتبر إجحافا في حقهم إذ ان ذلك يقصيهم من التباري حول جوائز الاصناف الصحفية التي يشتغلون في إطارها(بغض النظر عن اللغات المعتمدة في ذلك) ويجبرهم كلهم على التباري والاكتفاء بالترشح لنيل جائزة واحدة، مع ما يستتبع ذلك من نتائج غير منصفة لان المقارنة لا تكون إلا بين أشياء تنتمي إلى نفس الجنس أو النوع ، وإلا فإن النتائج ستكون خاطئة ما دامت المقدمات خاطئة..
وبخصوص الحيف الذي تعاني منه الامازيغية بهذا الخصوص وجب التذكير بأن الجائزة المخصصة للانتاج الامازيغي منذ إحداثها، تم تقسيمها مناصفة لثلاث دورات متتالية، وهو ما يرى فيه الصحافيون الامازيغيون احتقارا للامازيغية وللمرشحين المتوجين بتلك الجوائز، فضلا عن ان ذلك يعتبر خرقا للنظام الداخلي للجائزة الوطنية الكبرى للصحافة التي ينص عل أن الجائزة لا يمكن ان تمنح مناصفة أكثر من مرتين في أحد الاصناف حيث جاء في مادته 4 ( الباب الاول) انه "يمكن للجنة التحكيم ان تمنح مرتين فقط إحدى الجوائز مناصفة. وفي هذه الحالة يجري اقتسام المكافأة المالية بالتساوي بين الفائزين، ويخصص لكل فائز مجسم أو تذكار، وإشهاد خاص بالجائزة."
وكان على اللجنة ان تتفادى على الاقل خرق أحد بنود النظام الداخلي للجائزة من خلال منح الجائزة هذه السنة لمرشح واحد رغم ان شروط ومعايير التباري الموضوعي ليست متوفرة بين مواد وأعمال تنتمي إلى أصناف صحفية مختلفة يصعب الاختيار بينها..فضلا عن ان ممثل المعهد الامازيغي الذي يعهد إليه بالنظر في هذه الاعمال، غالبا ما يكون بعيدا كل البعد عن المحال الصحفي وليس له دراية بمبادئ المهنة وهو ما يطرح بالحاح ضرورة إعادة النظر في تشكيل اللجنة التي يجب ان تقتصر على أهل المهنة والذين لهم علاقة بالقطاع، وهناك العديد من المهنيين الذينلهم تجربة محترمة في مجال الصحافة والاعلام والذين يجيدون الخديث والكتابة بالامازيغية يفترض الاستعانة بهم في هذا المجال بدل الاعتماد كل سنة على "موظفين" أو باحثين في "إيركام" يتم انتدابهم في الغالب الاعم لاختيار بعض الاسماء بعيدا عن المعايير المهنية ومبادئ مهنة المتاعب التي لا تختلف من صنف لآخر ولا تتغير بتغير اللغة سواء كان امازيغية أو عربية أو فرنسية أوصينية..
هذا التعامل مع الامازيغية، الذي يتنافى مع ما جاء في مقتضيات الدستور بخصوص طابعها الرسمي وضرورة الاهتمام بها، لوحظ منذ إحداث جائزة للإنتاج الامازيغي العام الماضي، حيث اعلنت لجنة تحكيم الدورة 11 للجائزة عن منحها مناصفة لكل من الصحافيين إبراهيم بنحمو من وكالة الأنباء المغربية، عن مقال حول "تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية" مكتوب بحروف تيفيناغ، وعبد الله الطالب علي من الإذاعة الأمازيغية عن برنامج بعنوان "وضح كلامك".
وكان على لجنة تحكيم الدورة 11، أن تمنح الجائزة لعبد الله الطالب علي من الإذاعة الأمازيغية مادامت المادة التي تقدم بها صحافي وكالة المغرب العربي للأنباء لم تكن لتصل إلى النهائيات لو قدمت في إطار صنف الوكالة لأنها لم تأت بشيء جديد، إلا أن أصحاب القرار بالمعهد الملكي للثقافة الامازيغية كان لهم رأي آخر فعمل ممثلهم داخل لجنة تحكيم الجائزة الكبرى للصحافة على إقحامه مع الطالب علي ليقتسم معه مبلغ الجائزة، لا لشيء سوى أن المقال كان مكتوبا بحروف تيفيناغ، وقد منح ذات المعهد(إيركام) جائزة الإعلام و الاتصال عن صنف الصحافة برسم سنة 2013 لنفس الصحفي المكلف بترجمة اخبار وكالة المغرب العربي للأنباء إلى "الامازيغية".
أما بخصوص الدورة 12، سنة 2014، فقد سبق لنا أن كتبنا حول ما شابها من اختلالات بخصوص الجائزة ككل وكذا الجائزة الوطنية للصحافة الخاصة بالإنتاج الامازيغي التي فازت بها حادة اوعبو مناصفة مع عبد الله بوشطارت، حيث أوردنا في مقال حول الموضوع بعض الخروقات التي شابت العملية، حسب ما أفادنا به بعض الصحفيين العاملين بالإذاعة الأمازيغية لدار لبريهي، ومنها ان برنامج "كنوز"، الذي تقدمه حادة اوعبو والذي فاز بالجائزة، قديم وتم انجازه في 2012..
كما ان البرنامج، تقول ذات المصادر، غير موجود نهائيا في القِمطْر مما يعني انه تم "اختلاسه" وإجراء تعديلات عليه وتقديمه كمادة محيّنة، والحال انه غير ذلك، حيث كانت الصحافية في حالة مرض قبل ان تشد الرحال إلى الديار المقدسة لأداء مناسك الحج..
وكان عنصر المفاجأة باديا على "الحاجة" حادة، اثناء تسلّم الجائزة، حيث لم تهضم كل هذا الخير العميم الذي عمّها مرة واحدة(الحج والفوز بالجائزة)، فيما اختار زميلها عبد الله بوشطارت تقديم انتقادات للجنة التحكيم التي اختارت منح الجائزة مناصفة بينه وبين حادة اوعبو، وهو ما اعتبره تهميشا للامازيغية، بالإضافة إلى تخصيص جائزة واحدة للإنتاج الامازيغي بجميع أصنافه، حيث يتم التباري حولها بين مختلف أنواع الصحافة، مكتوبة وسمعية بصرية والكترونية..
ورأى الصحافيون الغاضبون في الاذاعة الامازيغية، آنذاك، ان برنامج "الحاجة" حادة لم يحترم المعايير التي تنص عليها المادتين 44 و45 من القانون الداخلي للجائزة، حيث تنص الاولى(المادة 44) على ضرورة تقديم الأعمال المرشحة في كافة الأصناف بصيغتها الأصلية كما تم نشرها او بثها وكل تعديل يطالها يجعل ترشحها لاغيا، فيما تنص المادة 45 من ذات القانون على ان تترشح "فقط" الأعمال التي جرى نشرها او بثها خلال الفترة الممتدة من 20 شتنبر من السنة المنصرمة إلى 20 اكتوبر من السنة الجارية..
هذه بعض الملاحظات التي استقيناها من الصحفيين الغاضبين العاملين بكل من الاذاعة الامازيغية وقناة تامازيغيت، وهي ملاحظات مشروعة تكشف عن مدى احتقار الامازيغية واستمرار التعامل معها بمنطق المنّ والصدقة، رغم ما اقره الدستور بشأنها ورغم كل الخطابات الرسمية التي تلوكها الحكومة بكل مكوناتها حول انصاف الامازيغية واحترام التعدد اللغوي والثقافي وهلم شعارات يفندها الواقع والدليل على ذلك هو ما وقع بخصوص الجائزة الكبرى للصحافة المخصصة للإنتاج الامازيغي..