إن ما دفعني لكتابة هذه السطور هو وجودي في وجدة تزامنا مع الزيارة الملكية لعاصمة المغرب الشرقي، وبدافع الفضول لجس نبض الشارع فيما يخص هذا الحراك الأسبوعي الذي تشهده البلاد، كانت تسترق آذاني الحوارات في مرافق عديدة بالمدينة وأمكنتها العمومية، بالجوطية الموجودة قرب سوق مليلية وساحة سيدي عبد الوهاب وباب الغربي وساحة 9يوليوز والحديقة العمومية قرب البريد المركزي...،فلا حديث إلا عن هذه الزيارة التي أصبحت تقليدا وظاهرة ينتظرها الوجديون وسكان المنطقة الشرقية كل سنة. (( هاذ المسؤولين خاصهم غير الحكان ،المدينة رجعت واعرة يا ريث يجيها سيدنا كل سيمنة))بهذه الكلمات العفوية خاطبني أحد الجالسين قربي في مقهى الأرسنال الموجودة بشارع محمد الخامس وبطبيعة الحال استجبت لحواره الذي لمست فيه نبض الشعب الذي لا ينضب ،فأجبته بجواب استنكاري ينتظر جوابا ((وجدة ديما زوينة أخويا)) لكنه قاطعني بالنفي فقال: ((قبل ما يجي بشهر وهما خدامين الليل مع النهار راه حشمنا فبلاصتهم،الفرابي ولا كيضوي و الطرقان بحال راك فنيويورك كلشي هاهو قدامنا غزال،لكن غير يمشي يرجعوا يضربوها بنعسا...الله ينعل اللي ما يحشم... ولكن فوجاه سيدنا الله ينصروا ما عندنا مانديرو، راه بقات عندنا الثقة غير فيه))...
ما يسترعي الإنتباه هو الدعاء في كل مكان وعلى كل لسان للملك علانية بدون حرج وبدون إملاء أو ضغط ممارس من جهة معينة،هو حب تلقائي اكتسبه الملك كما تقول الساكنة نظرا لتواضعه وزهده عن أبهته وتكسيره لمقولة الجنرال ليوطي في ما يخص المغرب الغير النافع،فكل من يحط الرحال بهذه المدينة يلاحظ تغييرا جذريا في مورفولوجيتها والفرق الشاسع بين العهد البائد وبين هاته السنوات التي تعيش فيها وجدة طفرة عمرانية واجتماعية واقتصادية لا ينكرها إلا جاحد،أو مضلل به ...وأنا أسجل هذه الإنطباعات كنت أعرف مسبقا أنني سأجدني أمام بعض الإستثناءات عند نقل ذلك كتابيا ،ممن اختارالتحجر وأعطى قيمة مضافة لأحزاب مهترئةK أصبحت حديث الخاص والعام في الشوارع المغربية،إن ما سجلته لا يتعدى ذاتيتي الضيقة التي تتماشى وانطباعات الشارع في كليته...
((....راه بقات لينا الثقة غير فسيدنا))،هذه الجملة بالرغم من بساطتها وعفويتها جعلتني أرتمي تلقائيا تحت رحمة استنتاجين عريضين ، الأول هو علاقة تنبني على الشك الديكارتي وفقدان الثقة للشعب بالأحزاب أما الإستنتاج الثاني يتعلق بتجذر المؤسسة الملكية في الذاكرة المعاصرة عند الشباب المغربي إلى درجة أن الملك محمد السادس يستحيي كل شخص أن يتحدث عنه بسوء نظرا للسمعة الطيبة التي يتمتع بها في جميع هذا الوطن الحبيب...وتذكرت أيضا هذا المخاض الذي يشهده المغرب والمطالب التي تبدو لاشعبية ولا ديمقراطية قياسا بتطلعات الشباب وقناعاتهم ومبادئهم المبنية على التجربة ومسائلة التاريخ...وحوارتهم المهمة جدا ،التي نراها متطايرة في الشوارع ومتناثرة عبر وسائط العالم الإفتراضي في الجرائد الإلكترونية من مقالات وتعليقات وبقنوات ومواقع التواصل الإجتماعي....
تذكرت أيضا حركة20 فبراير بتناقضاتها المطلبية الصارخة فشتان بين مطالب اليسار الراديكالي وبين مطالب حركة العدل والإحسان..لكن وعملا بالقاعدة السياسية التي تدعو للتحالف مع الشيطان، توحدت هذه الأطياف لإنجاح أيديولوجياتها من وراء أجسام الشعب....لكن لهذه الإنطباعات المسجلة في الجهة الشرقية والإستقبال الشعبي في جميع المدن رسالة واضحة للإستثناء المغربي القادم من الشرق ، و خروج طلبة وطالبات جامعة محمد الأول مع جموع المواطنين دليلا آخر على على التحام هذا المكون مع المؤسسة الملكية ...مدينة جرادة أيضا التي لها باع كبير في الإحتجاجات والعصيان المدني لكونها مدينة منجمية ،عاشت تحت وطأة الحكرة لسنوات عديدة بدأت تتطلع إلى المستقبل نظرا لاستفادتها من مسلسل التنمية البشرية وبدأت هادئة في خضم الحراك، بل خرجت بشرائحها و نزلت جميع قبائلها بنواحي المدينة مهللة للموكب الملكي ...
(( فوجاه سيدنا ماعندنا مانديرو))، ما نلاحظه من هذه الكلمات هو غبن حقيقي تعايش مع المواطنين لعقود من الزمن وبالضبط منذ الإستقلال، لكن الوعي الجماهيري المغربي المتقدم يجعل المغاربة يتوجسون من هذه التكتلات التي تصب في كل خرجة الزيت في النار لإشعال الفتنة،لأنهم يعرفون مكامن الداء...هو وعي كذلك بالدور السلبي الذي يلعبه المواطن المسؤول نفسه داخل أروقة المقاطعات والبلديات والعمالات والولايات ودور الضرائب والمخافر وبمختلف الإدارات....فعن أي ثورة نتحدث ؟هل نثور على أنفسنا؟طبعا هذا هو البند الذي نتطلع إليه جميعا في تعديل الدستور المرتقب...يجب على كل مواطن عادي ومواطن مسؤول أن يتحلى بدرجة كافية من الشجاعة والصدق لمحاربة النرجسية المغربية ومحاربة الرشوة وقتل مبدأ العمل بالوسائط الشوفينية....
إننا لسنا ضد الحركة الفبرارية ولكن ننتقد فيها روح الإلتزام والإتزان ،لأننا نتوق لمطالب أخلاقية بالدرجة الأولى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)) فبها تستقيم أحوال الشعوب ..وقال الشاعر إنما الأمم الأخلاق مابقيت فإن ذهبت أخلاقهم ذهبوا لقد صب المتتبعين للشأن الوطني جام غضبهم وهم يرون حبا فوق السطوح حينما ضبطت كاميرا أحد النشطاء عنصرين من حركة 20فبراير يتبادلان القبل بشراهة..وألسنتهم المتناغمة في هذه القبل الطويلة تقول للعالم وبمباركة من الإخوة في الجماعة سجل أنا حركة للتحرر من الهوية والرقابة..نهجا على خطى حلفائهم في مالي وكيف كيف ...وسجل المتتبعون حضورا لعبدالله الطايع الكاتب الذي أصابنا بالاختناق وهو يعلن شذوذه للصحف الهولندية...و سجلوا أيضا بكثير من التذمر الشاب أسامة الخليفي بأناقة غير معهودة رفقة وفد صهيوني...هل هي مؤامرة صريحة تندرج ضمن أجندة مخططات الصهيونية العالمية وإلا كيف نفسر استقبال النجم الفبرايري لأعداء الإسلام؟
إن استثناءنا في الشرق المغربي ينبني على هذه المقاربة أيضا لأن الأغلبية الساحقة ليست إلا مجتمعات شرقية تحافظ على الهوية والدين والتقاليد .... [email protected]