باعتباره استراتيجية طموحة لتنمية القطاع الفلاحي، تم إطلاق مخطط المغرب الأخضر سنة 2008، الذي تمكن خلال الخمس السنوات الأولى من تفعيله، من النهوض بالفلاحة المغربية والمساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للمملكة . والواقع أن هذا المخطط خلق دينامية لا مثيل لها في القطاع الفلاحي بحيث مكن المغرب من أن يكون ثالث مصدر للمنتجات الفلاحية الغذائية في منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط، واحتلاله الرتبة الرابعة كأكبر مصدر لهذه المنتجات بالقارة الإفريقية.
وبحسب قطاع الفلاحة، فان حياة ومداخيل الفلاحين عرفت تحسنا ملموسا تميز بتخفيض نسبة الساكنة التي تعاني من سوء التغذية، إذ انتقلت هذه النسبة من 1ر7 في المائة سنة 1990 إلى 9ر4 في المائة خلال 2015 ، بالاضافة الى الاختفاء شبه الكامل لنسبة الساكنة التي تعاني من الجوع في المناطق القروية ، بحيث تراجعت هذه النسبة بأربع نقاط لتمثل اليوم 5ر0 في المائة من الساكنة القروية مقابل 6ر4 في المائة سنة 1990 .
وعلى بعد خمس سنوات من انتهائه ، يبدأ مخطط المغرب الأخضر اليوم مرحلة جديدة تهدف إلى استمرارية دينامية قوية ونفس جديد للفلاحة الوطنية.
ولعل الحرص على استراتيجية هذا المخطط سيمكن المغرب من أن يؤسس بشكل دائم لفلاحة مستقبلية ترتكز على خمس معايير رئيسية ستسمح بنجاح الفلاحة المستقبلية والمساهمة بالتالي في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للمملكة.
وتتمثل هذه المعايير في جودة الأداء، والنزعة الإنسانية والإدماجية، والتنافسية الدولية، والاستمرارية وحماية البيئة، وتأسيس فلاحة تضامنية للوفرة الغذائية بأجود المنتجات.
ومن شأن هذه الركائز الخمسة أن تجعل من فلاحة المستقبل فلاحة قادرة على أن تلعب دور المحرك والدعامة الأساسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية للمملكة.
وينضاف للنتائج المحققة سواء على مستوى معدل النمو السنوي أو الناتج الداخلي الخام، ما حققه أيضا هذا المخطط من جاذبية جديدة لهذا القطاع الذي أصبح منبعا للتنمية والاستثمار بفضل تضاعف الاستثمار الفلاحي ب 7ر1 في المائة ما بين 2008 و2014 ، وارتفاع حجم الصادرات الفلاحية الغذائية بنسبة 34 في المائة منذ 2008 ، إضافة إلى مساهمة هذا المخطط في تثبيت علامة المغرب الأخضر في مجال التصدير مما مكن المغرب حاليا من تبوء مرتبة أول مصدر عالمي ل "الكبار" والفاصوليا الخضراء وزيوت الأركان، وثالث مصدر عالمي لمعلبات الزيتون ورابع مصدرعالمي للكليمونتين والطماطم.
كما نجحت الفلاحة الوطنية بفضل مجهودات هذا المخطط في التخفيض من تبعيتها وهشاشتها أمام التقلبات المناخية، وذلك عبر الرفع من الزراعات ذات القيمة المضافة العالية بنسبة 37 في المائة، إضافة إلى قيمة مضافة فلاحية مثالية بارتفاع قدره 3500 درهم للهكتار فيما يتعلق بالمساحات المسقية .
وشكلت سنة 2014 سنة مفصلية في إنجاز هذا المخطط وبناء فلاحة المستقبل، وذلك بإطلاق مبادرات كبرى تتعلق بعصرنة القطاع الفلاحي بهدف تهيئ فلاحة الغد .
وقد سمحت هذه السنة المفصلية بتعزيز تدبير الموارد المائية والسقي من خلال تخصيص ما لا يقل عن 7ر2 مليار درهم كاستثمار للحفاظ على الفرشة المائية ل "اشتوكة أيت باها"، وكذا تحسين تتبع مسار المنتجات الفلاحية وجودتها وضمانها (ثلاثة مليون رأس من أبقار وإبل يستفيدون من تتبع كامل لمسارهم )، فضلا عن متابعة المجهودات والالتزام لفائدة فلاحة تضامنية نشيطة ومستدامة بحيث تم تأطير 20 ألف فلاح صغير خلال سنة 2014 .
وستنكب المناظرة الثامنة للفلاحة، التي افتتحت اليوم الاثنين بمكناس تحت شعار "ابتكار فلاحة المستقبل .. مشروع للجميع"، على مستقبل الفلاحة المغربية والوسائل العملية التي يمكن أن تجعل منها قاطرة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية للمملكة، كما ستسمح بتقييم حصيلة مخطط المغرب الأخضر ودرجة تقدمه .
ومن أجل مناقشة هذه الإشكاليات ومختلف الوسائل لدعم واستمرارية الدينامية الفلاحية الوطنية مع استحضار دائم لآخر الابتكارات التكنولوجية العالمية، سوف تنظم مائدتين مستديرتين على هامش هذه المناظرة بمشاركة عدد كبير من المسؤولين والفاعلين والخبراء الدوليين ومهنيي القطاع.
وستجيب المائدة الأولى عن سؤال " ما هي فلاحة المستقبل" ، فيما ستناقش المائدة الثانية موضوع "فلاحة المستقبل: أهم العوامل التي تضمن النجاح" والتي سيشارك فيها فاعلون وطنيون ودوليون يمثلون مختلف سلسلة القيم الفلاحية .
ويسعى هذا الموعد السنوي، الذي ينظم تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، إلى أن يكون فضاء للقاء من مستوى رفيع بالنسبة لصناع القرار في قطاع الفلاحة المحليين والدوليين ، وذلك من أجل تبادل وجهات النظر حول آفاق الفلاحة وما تعرفه من تحديات كبرى مرتبطة بحماية السكان والمجالات وتوازن هذا الكوكب .
ومن بين أهداف هذه الدورة العودة إلى تجارب الأمم الفلاحية الكبرى التي نجحت من جعل الفلاحة قطاع مستقبل اقتصادياتها وتوحيد أجيالها الشابة والقادة حول هذا القطاع .
كما سيتم تدارس مختلف الإمكانيات التي يمكن أن يمثلها التعاون الفلاحي من أجل خلق فلاحة مستقبلية عصرية ذات جاذبية وتنافسية شاملة في وقت يتموقع فيه المغرب باعتباره بوابة حقيقية نحو إفريقيا.