اقتحمت النساء المغربيات بشكل لافت في الفترة الأخيرة مهنا كانت فيما قبل حكرا على الرجال، تتعلق بأجهزة السلطات المحلية التابعة لوزارة الداخلية، وذلك بصفتهن "قائدات" حيث يعملن على الإشراف على النظام العام والأمن والمحافظة عليهما في مقاطعات المدن. ونالت هذه التجربة، التي سعت إلى تأنيث مهن السلطة، الكثير من الإشادة والرضا من طرف فئات عديدة من المجتمع باعتبارها تجسيدا لمبدأ المساواة بين الجنسين في تبوأ المناصب.
بالمقابل، يرى البعض الآخر في ممارسة شابات في مقتبل العمر لمهنة "القائد" صعوبة بالغة لما يتطلبه هذا المنصب من جهد ومتابعة ميدانية تشق حتى على رجال السلطة من ذوي الخبرة.
كفاءة وتفاني
خديجة الفيلالي، سعيدة منصر، ومونية بلفقيه...وأخريات شابات في عمر الزهور اخترن ولوج مهن كانت في ما مضى تعتبر مهنا ذكورية بامتياز، تلك التي تخص العمل ك"قائد" يشرف على تسيير أحياء بكاملها أمنيا وإداريا في مقاطعات حضرية وقروية.
خديجة مثلا تم تعيينها قبل أشهر في ملحقة إدارية بمدينة تاونات بعد أن أكملت دراستها القانونية بتفوق بجامعة محمد بن عبد الله بفاس، وحصلت على شهادة الدراسات الجامعية المعمقة، ومن ثم التحقت بالمعهد الملكي للإدارة الترابية في مدينة القنيطرة حيث تابعت تكوينها للتخرج وتبوأ منصب "قائدة"، بعد أن كان من قبل محظورا على الجنس اللطيف الترشح لمباريات هذه المدرسة المتخصصة في تخريج رجال الأمن و السلطة.
وبالنسبة للقايدة سعيدة منصر فقد ثابرت في دراستها القانونية في الجامعة وحددت لنفسها هدف العمل في جهاز السلطة المحلية والمساهمة في تطبيق القانون وإحقاق الحق من خلال وظيفتها، فالتحقت بدورها بمعهد الإدارة الترابية بالقنيطرة، وكانت من بين أوائل الشابات المتعلمات اللواتي تابعن تكوينهن في هذه المدرسة، وبعد ذلك تخرجت لتنتظر تعيينها في إحدى المقاطعات الحضرية بفاس.
وتباشر سعيدة عملها الجديد بطموح كبير، وهي تتوق إلى تطبيق ما تعلمته نظريا من تكريس مبادئ القانون دون تمييز بين المواطنين، وتخرج إلى الميدان بنفسها للنظر في مشاكل سكان المنطقة التي تسير شؤونها، وتحاول حل معضلات الأحياء التي تتبع مجال اختصاصها ونفوذها بالرغم من العديد من التحديات والعراقيل التي تنتظر تدخلاتها.
واستقبل العديد من سكان هذه المناطق السكانية التي تشتغل فيها النساء قائدات بكثير من الحفاوة والتعامل معهن باحترام كبير، فيما استقبل البعض الآخر هذا الوضع باستغراب واندهاش لما يتطلبه هذا المنصب من خصوصيات وسلوكيات سلطوية.
حفاوة وتشكيك
وبالنسبة لمن رأوا في تجربة تأنيث مهن السلطة وولوج فتيات لوظيفة القائد أمرا يستحق الإشادة، فإن النساء اللواتي نجحن في بلوغ منصب قايدة هن أكثر من زملائهم الرجال قدرة ومواظبة في الحضور، وأكثر تفانيا في العمل.
ويضيف المدافعون عن هذه التجربة بالمغرب أن المرأة القائدة تعمل بجد مقارنة مع غيرها، وتحاول قدر الإمكان إبراز كفاءاتها الذاتية والموضوعية، فضلا عن كون ولوجهن لهذه المهن ليس سوى إحقاقا لمبادئ المساواة بين الجنسين في تولي المناصب بكافة أصنافها وتشعباتها.
بالمقابل، يستند المشككون في قدرة القائدات على النجاح في مهنهن على عامل صعوبة المهام الملقاة على عاتقهن، لأنهن يواجهن يوميا مشاكل عويصة تحتاج إلى جهد ونزول إلى الميدان، من قبيل مشاكل التعمير والسكن غير اللائق وأيضا المشاكل التي يخلقها الباعة المتجولون في الأحياء بوتيرة يومية.
ويرى البعض أن القايدة لا يمكنها مسايرة الإيقاع الحياتي الصعب والعنيف أحيانا في بعض الأحياء الشعبية الآهلة بالسكان والتي توجد في هوامش المدن الكبرى، فضلا عن عوامل فسيولوجية تعيق حركيتها واستمرارية عملها مثل الحمل والولادة..الخ
جمال الخنوسي، الإعلامي الذي أنجز ملفا صحفيا قبل بضعة أسابيع حول مهنة القايدات بالمغرب في جريدة الصباح، دافع بحرارة عن هذه التجربة، باعتبار أن الجميع نساء ورجالا لهم الحق في المشاركة في الحياة المدنية للتأثير على صانعي القرار بشكل إيجابي، بَيْدَ أن عدوهما الحقيقي هو العقليات المتحجرة.
هذه العقليات المتحجرة، يردف خنوسي، لا ترى في المرأة سوى ربة بيت أو مربية أطفال تبدأ مهمتها في المطبخ وتنتهي في غرفة النوم، كما أنها تعتبر إمكانيات المرأة قاصرة عن تولي مناصب قيادية بسبب التقاليد الاجتماعية والموروثات الثقافية..