الانفجار الكبير لم يحدث"، هذا ما يقوله الفيزيائي الهولندي إريك فرلنده، الذي توصل إلى نظرية جديدة حول نشأة الكون. فهل نحن أمام إينشتاين جديد؟ "نظرية الانفجار الكبير هي واحدة من الافكار غير المنطقية التي تقدم بها العلماء"، يقول فرلنده الأستاذ في جامعة أمستردام: "إذ كيف يمكن أن ينشأ شيء من العدم؟ النظرية تقول إنه لم يكن هناك وجود لأي شيء، ثم تبدل الأمر بعد الانفجار".
وجدتها.. وجدتها
لكن ما الذي حدث؟ هذا ما توصل إليه فرلنده قبل ست سنوات على شرفة مقهى أثناء عطلته في فرنسا. بداعي الملل، جلس يحلل ويدرس الأمر، وفجأة لمعت الفكرة في رأسه: "إدراك طبيعة الجاذبية قلبت النظرية الفيزيائية رأسا على عقب". أدرك فرلنده على الفور أن هذه نظرية جديدة تماما. "كانت لحظة أوريكا (وجدتها) بالنسبة لي".
تعتبر الفيزياء الحديثة أن الكون بدأ مع الانفجار الكبير، ونشأ من العدم. منذ هذا الانفجار، والكون في حالة تمدد. وحدها الجاذبية، تعمل كقوة مضادة، تدفع الكتل والأجسام للتحرك والانجذاب نحو بعضها البعض.
العديد من الفيزيائيين يعتقدون أن نموذج الانفجار الكبير يمكنهم من فهم الخطوط العريضة لنشأة الكون. ولكن فرلنده يشدد على وجود العديد من المشاكل الضخمة. المشكلة الكبرى هي ما يسمى المادة المظلمة والطاقة المظلمة: "ما يمكننا إدراكه لا يتعدى 3 إلى 4 % من الكون بشكل عام. أما الباقي فيتكون من المادة المظلمة والطاقة المظلمة، ولا يمكننا رؤيتهما. يمكننا، فقط، رؤية الآثار التي تنتج عنهما، مثل الجاذبية وما تمارسه من ضغط، ونتيجة ذلك، نعلم أنها موجودة".
وجود قبل الوجود
نظرية فرلنده الجديدة تعطي المجال للمادة المظلمة والطاقة. فهو يعتبر أن الكون الذي نراه لم ينشأ نتيجة الانفجار، بل نشأ من شيء كان موجودا بالفعل. نشأ من المادة المظلمة والطاقة، انبثق مثل رغوة على أمواج بحر مظلم: "في النموذج الذي قدمته، أنطلق من فرضية أنه كان هناك دائما شيء ما موجود. انبثقت منه المادة كما نعرفها الآن، ويمكن لها أن تختفي فيه مجددا. هذه عملية لا تنتهي أبدا".
ولوصف الواقع الكامن، يقول فرلنده إننا "بحاجة للغة جديدة". الفيزياء الحالية تعتبر أن الكون يشبه مسرحا مكونا من المكان والزمان، تتحرك فيه الجسيمات تحت تأثير قوى. لكن المساحة والوقت والمادة والطاقة هي جميعها كناية عن مفاهيم نستمدها من خبرتنا اليومية. "المزيد من الأشخاص بدأ يدرك أننا بحاجة إلى تبديل هذه المفاهيم، والاستعاضة عنها باعتبار أن الكون هو نوع من مخازن المعلومات".
لا زمان ولا مكان
عالم آخر يكمن أمامنا، حيث لا وجود للمكان والزمان، ولا يمكن ملاحظته. هل علينا بالتالي أن نتحدث عن الميتافيزيقيا؟ "نعم بالتأكيد"، يقول فرلنده، يوجد الكثير في الكون مما لا يمكننا إدراكه: "لكن الزمان يغير ما يمكن إدراكه بالإضافة إلى ما لا يمكن إدراكه على السواء". عندما وصفنا الذرات في بادئ الأمر قال الناس حينها: "هذه روايات مختلقة لذرات لا يمكن رؤيتها. لكن الآن وجدنا الأساليب التي تمكننا من ملاحظة الذرات. آمل أن يحصل ذلك أيضا مع هذه النظرية الجديدة. علينا أولا أن نحددها بشكل واضح ومن ثم نجد طرقا لاختبارها".
اختراقات
ينخر فرلنده بنظريته هذه واحدة من عقائد الفيزياء. لكنه في المقابل، يؤخذ على محمل الجد من قبل نظرائه. في عام 2011 نال جائزة سبينوزا، وهي أعلى جائزة علمية هولندية. كما يعتقد البعض أنه خلال 20 عاما سيصبح مشهورا مثل آينشتاين. إلا أنه يشكك بهذا الأمر، ويقول: "هناك نظرية جديدة، وهذا أمر مؤكد. لكن قد يستغرق الأمر 10 سنوات لقبولها، كما أنني لست الوحيد الذي يعمل في هذا الاتجاه. أحيانا هناك اختراقات، ولكن في النهاية هناك الكثير من العمل الشاق الذي يجب القيام به".