يشكل مسرح "محمد السادس" بوجدة الذي أشرف صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله على تدشينه امس الجمعة، نواة أولى للجيل من المسارح الكبرى ذات المواصفات الاحترافية العالية التي من شأنها مواكبة الدينامية الثقافية والفنية للجهة الشرقية، والإسهام في تعزيز بنيتها التحتية الثقافية وتطوير القطاع المسرحي بها. ويعد هذا المسرح حلقة في سلسلة مسارح من نفس المواصفات التي من المنتظر أن ترى النور مستقبلا بعدد من مدن المملكة، من قبيل المسرح الكبير للرباط والمسرح الكبير للدار البيضاء والمركب الثقافي لفاس، والمركب الفني لطنجة، وذلك في إطار استراتيجية النهوض بالقطاع المسرحي وتكريس دور البنى الثقافية في تحقيق التنمية.
وتكتسي هذه المعلمة الثقافية والفنية أهمية بالغة باعتبارها ستشكل فضاء ملائما لاحتضان الإبداع وأنشطة الفرق المسرحية الشابة، ومن ثم إعطاء دفعة قوية للحركية الفنية والمسرحية والثقافية بالجهة الشرقية، وتكريس إشعاعها الفني، خاصة وأنها أنجبت أسماء لامعة كانت لها بصمتها البارزة في تطوير أبي الفنون بالمملكة. ويعكس تدشين جلالة الملك لهذا الصرح الفني العناية الموصولة التي ما فتئ جلالته يوليها للنهوض بالشأن الثقافي الذي يعد رافدا أساسيا من روافد التنمية الشاملة، وكذا الدعم المتواصل لجلالته للإبداع الفني بمختلف أشكال وأنواعه والذي تزخر بها مختلف جهات المملكة، بما يمكن من الإسهام في تعزيز تنميتها المحلية.
كما يعكس هذا المشروع تجسيدا عمليا لمضامين الدستور الجديد الذي بوأ الثقافة مكانة متميزة، من خلال تأكيده على التزام المملكة بتوسيع وتنويع علاقات الصداقة، والمبادلات الإنسانية والثقافية مع كل بلدان العالم، وتنصيصه على دعم السلطات العمومية بالوسائل الملائمة، تنمية الإبداع الثقافي والفني، وتوسيع وتعميم مشاركة الشباب في العملية الثقافية، وكذا على إحداث مجلس وطني للغات والثقافة المغربية، مهمته، على وجه الخصوص، حماية مختلف التعبيرات الثقافية المغربية باعتبارها تراثا أصيلا وإبداعا معاصرا.
وبالفعل، فإن من شأن مسرح "محمد السادس" بوجدة تقريب الثقافة من المواطن، والارتقاء بالوعي الفني لدى الساكنة بمكانة الفن والمسرح في تثمين الذوق الفني وصقل المواهب الشابة، باعتبار المسرح ليس مجرد فضاء للفرجة والترفيه، وإنما أداة فعالة لبناء الشخصية المتزنة والقويمة ووسيلة فعالة للتثقيف والتهذيب الاجتماعي.
كما سيمكن هذا المركز من تعزيز الجهود التي تبذلها وزارة الثقافة للنهوض بالقطاع المسرحي بالمملكة من خلال العمل على توفير البنيات التحتية الكافية لممارسة العمل المسرحي في ظروف ملائمة، وذلك عبر إحداث مسرح في كل إقليم يستجيب للمواصفات المهنية الحديثة مع تعيين الأطر والكفاءات المناسبة، والاهتمام بالتربية والتكوين لضمان الجمهور الواعي والملم، وتعزيز الإصلاح البيداغوجي والإداري للمعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، مع الانفتاح على المهنيين لتقديم تجاربهم وخلق نفس جديد، بالإضافة إلى وضع مخطط لإحداث معاهد مماثلة ببعض مناطق المملكة مع تمكينها من الوسائل البيداغوجية والبشرية والتقنية والمادية.
وتسعى الوزارة من خلال هذه الجهود إلى إصلاح أوضاع المشهد المسرحي المغربي بما يجعل منه قطاعا مسهما في المنظومة الاقتصادية، باعتباره ينطوي على مؤهلات كبرى لإغناء النسيج الاقتصادي الوطني، كما يمكنه أيضا خلق عدد مهم من مناصب الشغل في عدد من التخصصات الفنية والتقنية، بالإضافة إلى إعطاء دينامية لبعض القطاعات المرتبطة به كالسينما و التلفزيون، فضلا عن دوره التربوي و التثقيفي والتنموي داخل المجتمع.