أعطت زيارة صاحب الجلالة الملك محمد السادس إلى مالي، شحنة قوية و غير مسبوقة، للعلاقات المتعددة الأشكال بين المغرب و مالي، و ذلك بفضل الاتفاقيات الموقعة و المشاريع التي أعطيت انطلاقتها أو تم تدشينها من طرف جلالة الملك. فقد شكلت هذه الزيارة، الطويلة نسبيا من حيث مدتها (ستة أيام)، والمكثفة من حيث برنامجها، لحظة للتلاقي و التبادل بين شعبين يجمعهما تاريخ عريق و روابط بشرية خصبة، و مصالح اقتصادية متينة. و لا شك أن الزيارة الملكية إلى مالي بلغت أوجها بالتوقيع على سبعة عشر اتفاقية ثنائية شملت مجالات متنوعة كتربية الماشية و النقل الجوي و التجارة و الصحة والاتصالات و الطاقة و التكوين المهني و التمويلات الصغرى و السكن الاجتماعي. و بفضل هذه الاتفاقيات، انفتحت أمام البلدين آفاق رحبة جديدة للتعاون الكثيف و المتنوع ستعود بالنفع على الجانبين اللذين يتطلعان إلى الارتقاء بعلاقاتهما المتنوعة إلى مستوى شراكة دائمة. و حسب وزير الإدارة الترابية المالي، السيد موسى سينكو كوليبالي، فإن هذه الاتفاقيات، التي تهم مجالات متعددة، ستعطي، لامحالة، زخما جديدا للتعاون بين البلدين، و خاصة في المجال الاقتصادي. و حسب الأطراف الموقعة، فإن هذه الاتفاقيات تبرهن على انخراط قوي للقطاعين العام و الخاص في الدينامية التي أعطاها صاحب الجلالة و الرئيس المالي، للعلاقات الثنائية. كما يتعلق الأمر، أيضا، بالنسبة للفاعلين العموميين و الخواص، في المغرب كما في مالي، بالانتقال إلى مرحلة جديدة من التعاون تحت شعار رابح - رابح بين البلدين. و قد أكد البيان المشترك، الذي صدر في ختام هذه الزيارة الملكية، على " الطابع المثالي" للتعاون بين البلدين، و هو توصيف صحيح إلى حد كبير، ذلك أن المشاورات الحكومية متواصلة بانتظام، و هو ما تشهد عليه الزيارات المكثفة المتبادلة بين مسؤولي البلدين من كافة المستويات. و تجد هذه العلاقات، الكثيفة و المتعددة الأشكال، تفسيرها في " الاستعداد " التلقائي الذي أبانت عنه الرباط لمواكبة باماكو في تنفيذ مخطط الإقلاع المستدام في مالي، و هو المخطط الذي دعمته المجموعة الدولية خلال مؤتمر بروكسيل ( 15 ماي 2013)، الذي يعتبر المغرب عضوا في لجنته للمتابعة. و في هذا الإطار التضامني، و ضع المغرب رهن إشارة السلطات المالية، خبرته في مجال التنمية الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية، خاصة و أن هذا البلد الإفريقي خرج للتو من أزمة خطيرة، على المستويين السياسي و الأمني. و قد أبرز الرئيس المالي توجه المغرب حين تحدث عن " رؤية " جلالة الملك المتعلقة بالتنمية البشرية في إفريقيا وبازدهارها، و كذا جهود جلالته من أجل تطوير تعاون جنوب- جنوب، متضامن و فعال. و فضلا عن الدعم في مجال إعادة الإعمار و التنمية الاقتصادية، فإن المغرب عازم على مواكبة هذا البلد في المحافظة على تراثه الثقافي و في تكوين الأئمة، الذي يأتون إلى المغرب للنهل من تعاليم الدين الإسلامي الوسطي، السمح و المنفتح. و إذا كان من عنوان تنضوي تحته كل المشاريع التي أعطى انطلاقتها أو دشنها جلالة الملك و الرئيس المالي، خلال الزيارة الملكية إلى باماكو، فهو : الالتزام الفعلي والتضامن الفعال لجلالة الملك لفائدة الشعب المالي. و هذا ما يبرهن عليه، على الخصوص، و ضع الحجر الأساس لبناء مصحة الرعاية لما قبل و بعد الولادة في باماكو، و تدشين الشطر المالي لأسلاك الألياف البصرية الرابط بين المغرب و موريتانيا و مالي و بوركينا فاصو و النيجر، و الهبة التي منحتها مؤسسة محمد السادس للتنمية المستدامة المتعلقة بتحسين تنمية تربية الماشية في مالي. و إذا كانت العلاقات المغربية المالية مفعمة بالثقة التي تمتد جذورها عميقا في التاريخ، فإنها، أيضا، مشبعة بالتضامن المتبادل نحو مستقبل مزدهر تتواصل فيه روابط الأخوة و الصداقة و الاحترام المتبادل.