ما يجري اليوم في تركيا من استقالات وزراء في حكومة العدالة والتنمية، على خلفية محاكمات انصاره الضالعين في عمليات "تبييض أموال" و"تهريب ذهب" و"قضايا فساد". يستدعي تسليط الضوء على ما يجري في باقي دول العالم التي تتربع فيها الاحزاب الاسلامية على السلطة، ومن تم فإن الأمر يستدعينا في المغرب بالدرجة الاولى بالنظر إلى التقارب الايديولوجي ووحدة المرجعية الدينية لدى حزب ال" AKP " التركي ((Adalet ve Kalkinma Partisi، و نسخته المغربية ال" PJD" (حزب العدالة والتنمية. هذا التشابه في المرجعيات المذهبية والفكرية يماثله تماثل في السلوكيات والممارسات السياسية، بحيث إن كل بناء الحزبين يقوم على نصرة الإخوان وعملية الدوباج" واستقدام المريدين والتابعين من دوائر رجال الأعمال والمال الذين لهم سوابق قضائية إن في الفساد أو في أمور غير قانونية، وذلك لمنحهم شهادة العزوبية(المفبركة) وتقديمهم للانتخابات باسم الحزب. حالة حزب العدالة والتنمية لا تختلف عن حزب اردوغان الذي هز الفساد أركان حكومة وتسبب في استقالة 3 وزراء في يوم واحد، وهو ما دفع احد هؤلاء إلى دعوة رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان إلى تقديم استقالته.
فبعد وزيري الداخلية والاقتصاد أعلن وزير البيئة والتمدن التركي أردوغان بيرقدار استقالته ودعا رئيس الوزراء الذي تهز حكومته فضيحة مالية ليحذو حذوه.
وتأتي هذه الفضيحة ستة أشهر فقط من التظاهرات غير المسبوقة التي تحدت حزب العدالة والتنمية في يونيو الماضي، حيث وجد أردوغان، الذي يحكم تركيا بلا شريك منذ 11 عاما، نفسه أمام عاصفة سياسية عنيفة، قد تعصف بمستقبله ومستقبل حزب العدالة والتنمية بتركيا. سلوك وزراء اردوغان لا يقابل نفس السلوك لدى قياديي العدالة والتنمية هنا بالمغرب، إذ ان كثرة الفضائح والقضايا التي تورط فيها بعض المنتمين للحزب لم تفضي إلا إلى تقوية عوده والغلو في العناد وتحدي الشعب المغربي الذي بدأ يفقد أعصابه بعد اقل من عامين من حكم إخوان بنكيران. فضائح أبناء الوزراء في تركيا قد لا تصل على ما يقوم به أبناء وزراء العدالة والتنمية بالمغرب وأفراد قبيلتهم "العدالوية"، إلا أن ذلك ليس مبررا لعدم تقديم الاستقالة والدفع بمحاكمة المتورطين في هكذا أفعال ولو كانت تدخلا بسيطا لتشغيل احد أبناء المسؤولين، لأن ذلك يدخل في إطار استغلال النفوذ التي يعاقب عليها القانون. حملة اسطنبول ضد عمليات "تبييض أموال"، و"تهريب ذهب"، و"قضايا فساد"، والتي طالت عددا من رجال الأعمال المعروفين، وموظفين حكوميين بارزين، وأبناء وزراء من بينهم نجلا وزيري الداخلية والاقتصاد اللذين استقالا على خلفية تلك الأحداث ليحدو حدوهما بعد ذلك وزير البيئة أردوغان بيراقدار. أما حملات الفساد التي طالت بعض رموز العدالة والتنمية بالمغرب فلم تسفر على استقالات في صفوف الحزب بل إن بعض رموزها تم تمتيعهم بشواهد حسن السيرة كأمثال عبد المولى الذي استقطبه الحزب بالرغم من المتابعات القضائية التي طالته في قضايا فساد متعددة. هذا الإجراء طال بلكورة احد أعمدة الحزب بمدينة مكناس الذي لاتزال فضيحة العقارات وشركة زوجته تفوح رائحته منذ اندلاعها أيام كان عمدة لمدينة الإسماعيلية. كما أن الحزب يأوي في صفوفه بعض البارونات الذين يتعاطون لتجارة المخدرات ويحاولون التستر تحد الدين الإسلامية وباسم يافطة الحزب للتهرب من الملاحقات، وباستثناء بعض الاعتقالات كتلك التي طالت بارونا بنواحي بلقصيري فإن الحزب يحرص اشد الحرص على حماية أتباعه وذلك بإصدار بلاغات أو بيانات تشكك في الأخبار المتداولة حول هؤلاء ويتهم كل من أشار بأصبعه على ذمة الحزب بالسوء بكونه "تمساحا" وعفريتا" إلى غير ذلك من المصطلحات التي تنتمي إلى قاموس كتب الحيوان وكليلة ودمنة. فضائح حزب العدالة والتنمية لا تنتهي عند المخدرات واستغلال النفوذ بل تتعداها لتطال عالم المال والاقتصاد، حيث ان الحزب تورط في عملية لمحاولة الاتفاق على نقابة الباطرونا المغربية وذلك بخلق نقابة تابعة له وتخويلها الحق في تنظيم لقاء مع رجال أعمال أتراك في إطار زيارة أردوغان بحر هذه السنة للمغرب. وقد منيت هذه العملية بالفشل الذريع وتمت إعادة الاعتبار للباطرونا المغربية، التي تمثل بحق معظم النسيج الاقتصادي المغربي، وذلك عبر اشراكها في المشاورات والاتفاقات التي تم ابرامها في المجال الاقتصادي ومجال الاستثمار بين المغرب وباقي الدول، بعد فضيحة ممثلي الاعمال "العدالويين" الذين حاولوا تتريك(نسبة إلى تركيا) أو لنقل "عثمنة"(من العثمانيين) الاقتصاد المغربي، بعد إن حاول الحزب "عثمنة" السياسية المغربية. هذه بعض الأمور التي طالت ممارسات حزب العدالة والتنمية، دون التطرق إلى ما آلت إليه سياسته في مجال ضرب القوة الشرائية للمواطنين والإجهاز على مكتسبات العمال والموظفين وتعطيل الحوار الاجتماعي مع المركزيات والسياسات التقشفية الموازية لعملية الاستدانة المكثفة من المؤسسات المالية الدولية. وهي أمور إن حاول بنكيران وحزبه التماهي مع حزب اوردوغان، كما يفعلون دائما، قمينة بدفع كل وزرائه للاستقالة وخوض غمار استحقاقات سابقة لأوانها ليرى الشعب ماذا بهم فاعل.
للإشارة فقط فإن حزب العدالة والتنمية التركي شكل 4 حكومات منذ توليه السلطة عام 2002، وكان أول تعديل جرى من أجل رئيس الوزراء الحالي، رجب طيب أردوغان، عقب رفع الحظر السياسي عنه، ودخوله البرلمان إثر إعادة تنظيم الانتخابات في ولاية سيرت، حيث استلم رئاسة الوزراء من عبد الله غُل، في 14 مارس عام 2003، فيما تولى عبد الله غل حقيبة الخارجية، ومنصب نائب رئيس الوزراء في ذلك الحين، فضلا عن تعديل طال حقيبتين. أما التعديل الوزاري الثاني فكان في 2 يوليوز عام 2005، وشمل حقائب، المرأة والأسرة، والزراعة وشؤون الريف، والأشغال العامة والإسكان. وبعد انتخابات 22 يوليو 2007، شهدت الحكومة تعديلا وزاريا في 2 مايو عام 2009 ، حيث خرجت 8 أسماء من التشكيلة الوزارية، فيما جرى تغيير حقائب 7 وزراء، أما التعديل، الثالث فطال 4 حقائب في الحكومة التي شكلها الحزب بعد انتخابات 2011. فهل سيتعلم حزب العدالة والتنمية من نظيره التركي بعضا من مبادئ الممارسة السياسية التي تقتضي الاستقالة في حال تورط احد الأعضاء أو المقربين من الحزب في فضائح أو أعمال مخلة بالقانون؟.