تأتي المبادرة الملكية السامية بإقامة مستشفى عسكري ميداني في العاصمة المالية باماكو، وكذا إرسال مساعدة إنسانية إلى الشعب المالي الشقيق، لتنضاف إلى المبادرات التضامنية الإنسانية للمملكة، والنابعة من وعيها بمركزية القضايا الأساسية لساكنة القارة السمراء، ولاسيما تلك المتعلقة بتحسين ظروف عيشها. وتندرج التعليمات التي أعطاها جلالة الملك محمد السادس والمتعلقة أيضا بإيفاد بعثة طبية متخصصة إلى العاصمة المالية، وإرسال دعم لوجيستي وإنساني على متن وسائل النقل الجوي التابعة للقوات المسلحة الملكية عبر عدة رحلات متوالية، في إطار التضامن الفعال للمملكة إزاء البلدان الإفريقية الشقيقة، وخاصة مع مالي التي تربطها بالمغرب علاقات عريقة ومتميزة. وستتضمن هذه المساعدة إقامة مستشفى عسكري ميداني مفتوح في وجه كل السكان، ومزود بعدة وحدات متخصصة، وكذا كمية هامة من الأدوية موجهة إلى مجموع سكان مالي بمن فيهم سكان الشمال. فالمغرب، القوي ببعده الإفريقي، لم يتوان أبدا عن تقديم المساعدة للدول المحتاجة، أو تلك التي تعاني ظروفا طبيعية ومناخية قاسية، أو ترزح تحت ويلات التقلبات السياسية، من منطلق التزامه إزاء هذه البلدان وتضامنه معها ومد يد المساعدة لها للخروج من الأزمات التي تتخبط فيها. وتعكس هذه المبادرة مدى ارتباط المغرب بهويته الإفريقية، وانخراطه في الجهود الرامية إلى تنمية وتطوير بلدان القارة، كما تجسد تشبثه بالروابط التاريخية والحضارية التي تجمعه بها، وهي الروابط التي يتوخى تطويرها للرقي بها إلى مستويات أفضل، بما يتيح له أن يكون رائدا في الربط بين شمال إفريقيا وجنوبها، وبوابة لدول القارة نحو أوربا وباقي العالم. فمنذ اعتلائه العرش، جعل جلالة الملك من التعاون الإفريقي أحد الركائز الأساسية لتنمية هذه البلدان، وتطوير الاقتصاد الوطني من خلال الانفتاح على دول الجنوب. وقد تعزز هذا التوجه الاستراتيجي بقوة في الدستور الجديد للمملكة الذي يعطي للبعد الإفريقي مكانة مهمة في علاقات المغرب بمحيطه. وإلى جانب المساعدات الإنسانية الغذائية والطبية، تتنوع مبادرات المغرب التي تدعمها وتؤطرها زيارات جلالة الملك إلى بلدان إفريقية عدة بين ما هو اقتصادي عبر إقامة مشاريع استثمارية وإرساء دعائم شراكة قوية في مجالات الفلاحة والتعليم والصحة والمواصلات، وما هو سياسي حيث يساهم في كثير من جهود إحلال السلام في العديد من الدول التي تمزقها الحروب، من خلال المشاركة في عمليات حفظ السلام بإشراف الأممالمتحدة، في بعض بؤر التوتر في القارة الإفريقية. ومن شأن هذه المبادرات الملكية إعطاء دينامية جديدة للعلاقات المغربية الإفريقية التي أصبحت نموذجا رائعا للتعاون جنوب-جنوب، يعد بمزيد من الإشعاع الإقليمي والمبادرات الفعالية ومتعددة الأشكال من أجل إفريقيا جديدة تطمح لتوحيد جهودها لتحقيق التنمية والاندماج. ومن المؤكد أن هذه المساعدة التي سارعت المملكة لإرسالها للشقيقة مالي لن تكون الأخيرة للمغرب العازم على التخفيف من معاناة أشقائه بالقارة السمراء، وخاصة تلك التي تزيد من محنتها الكوارث الطبيعية والتقلبات المناخية، فالكثير من الدول جنوب الصحراء لن تنسى أبدا اليد البيضاء التي تمدها المملكة لتجاوز أزماتها العصيبة.