خلف الإعلان عن نتائج أشغال الدورة العادية للمجلس الأعلى للقضاء، المعلن عنها يوم الاحد الماضي، استياء وسط عدد من القضاة في غياب معايير شفافة وواضحة لضبط عملية اشتغال المجلس، سواء في إطار توزيع المسؤوليات على القاضيات والقضاة، أو الانتقالات، أو تمديد سن التقاعد ورفضه للبعض الآخر، خاصة في سياق دستور 2011، ومطالب الجمعيات المهنية المتعلقة بالشفافية والوضوح في التعاطي مع الشأن المهني من خلال نشر المعايير والنتائج ليطلع عليها عموم المهتمين. وعليه فإن الساحة الإعلامية تفرز مجموعة من التساؤلات من قبيل: ما هي خلفيات التمادي في الاشتغال خارج منطق وفلسفة الدستور الجديد؟ ولماذا لا يفتح نقاش حقيقي للإجابة مثلا عن "ميراث" بعض المسؤولين لمناصبهم منذ سنوات طوال؟ واستفادة قضاة جدد من الانتقال الذي لم يشمل العاملين في أفواج قديمة؟ وإلى متى يظل المجلس يشتغل وفق آلياته القديمة، وكم من الدورات التي يتعين عليه عقدها وفق ما هو مسطر في القانون الداخلي والواقع العملي؟ وهل إصلاح هذا الورش، الذي لا يتطلب - في هذه الحالة بالذات - تكاليف مادية، وإنما إرادة سياسية لا غير، أم أن ذلك رهين بما سمي "الإصلاح الشامل والعميق لمنظومة العدالة"، الذي ما زلنا ننتظر ولادته، التي نتمنى أن تكون طبيعية وليست قيصرية، وإن كانت جملة من المؤشرات لا تبشر بذلك، بدءا من إلغاء المناظرة الوطنية والاكتفاء بيوم تواصلي، وعدم الجواب عن ما قدمته بعض الجمعيات المهنية للقضاة، وعدم منح الميثاق لأعضاء في الهيئة العليا للحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة، دون الحديث عمن يعتبرون أنفسهم مقصيين أو لا يعنيهم هذا الحوار أصلا، وهم فاعلون أساسيون في ترجمة بنوده وله انعكاس على مهنهم.
في انتظار الإجابة على مثل هذه الاسئلة نقدم وجهة نظر لرئيس "المنتدى المغربي للقضاة الباحثين"، الأستاذ رشيد مشقاقة، والتي تحتاج فعلا إلى أجوبة، وأجوبة حقيقة ، لكونها بقيت معلقة منذ سنوات خلت:
" يرى المنتدى المغربي للقضاة الباحثين على ضوء نتائج أشغال دورة المجلس الأعلى للقضاء الأخيرة أنه لم يلمس أي جديد يُميز هذه الدورة عن سابقاتها خاصة في ظل دستور 2011. ونشاطر نادي القضاة نفس الرأي في العديد من الارتسامات التي أبداها في هذا الشأن. ونوجز ملاحظاتنا في النقاط الثلاث:
- أولا: طالبنا، سواء في اقتراحاتنا المقدمة لوزير العدل في إطار الإصلاح الشامل والعميق لمنظومة العدالة، أو في جميع مداخلاتنا عبر الندوات أو وسائل الإعلام، بوضع معايير شفافة وموضوعية ومُعلنة في كل ما يتعلق بالوضعية المهنية للقاضي، تعيينا و ترقية، وإلحاقا بمحكمة النقض وإسنادا للمسؤولية. .. إلخ.
إذن لا نجد صدى لمطالبنا، وقد اتصل بنا بعد إعلان نتائج أشغال المجلس أعلاه عدة قضاة يسألون عن الكيفية التي تمت بها معالجة وضعيات القضاة في جميع جوانبها.
- ثانيا: أكدنا غير ما مرة أن عمل القاضي سواء في الرئاسة أو النيابة العامة ينبغي أن يؤخذ بعين الاعتبار أثناء ترقيته أو نقله أو عمله بمحكمة أعلى...
وهنا نلاحظ أنه في غياب أي معيار موحد يعتمد القضاة والقاضيات على وسائلهم الخاصة، إما بطريق تقديم الطلبات أو الاستعطافات مما يُغير من الهرم القضائي، حيث يمكننا أن نجد قاضيا حديث العهد بمحكمة الاستئناف أو يشتغل بالإدارة المركزية أو بالنيابة العامة مستشارا بمحكمة النقض، حيث لا يقضي بمحكمة الاستئناف مثلا 4 أو5 سنوات.
إن هذا الوضع من شأنه أن لا يحفظ لمحكمة القانون دورها في مراقبة التطبيق السليم للقانون.
كما لا يمكن بتاتا، ومن باب المستحيل أن يكون دور إيجابي لمن اشتغل بالإدارة المركزية أو بالمحكمة الابتدائية وانتقل رأسا للعمل بمحكمة النقض، فلا بد من احترام الأقدمية والفعالية وحسن السيرة والتجربة، ولا يصح القول بأن من لم يُقبل طلبه للعمل بمحكمة النقض رغم أقدميته أن تمة عائق ما في ملفه الإداري. إن فتح هذا الباب قد يؤدي إلى عدة مراجعات.
- ثالثا: أكدنا مرارا أنه لا بد من تغيير جوهري في اسنادا لمسؤوليات لا لرغبة قضاة المنتدى المغربي في توليها فأغلبهم زاهدون فيها، لكن نرى مسؤولا قضائيا ذو تجربة واسعة في الفكر وخلق متميز هي أمنيتنا، كما أن بقاء عدة مسؤولين منذ 3 عقود تقريبا في مناصبهم لا يخدم بتاتا الإصلاح العميق والشامل لمنظومة العدالة المتحدث عنه.
إن أهم محور لفتنا إليه الانتباه هو الخيار بين أمرين: إما الإسراع في وقت وجيز بإخراج القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية وللتنظيم القضائي، وللوضعية المهنية للقضاة، وهو أمر لم يتحقق لغاية كتابة هذه السطور، وقد يتأخر إلى أجل غير مسمى أو العمل على توقيف أشغال المجلس الأعلى للقضاء بطريقتها التقليدية التي تعود إلى ما قبل الدستور، حتى يتم اصدار تلك القوانين.
إن كلا الأمرين لم يتحققا، وهو ما خلق نوعا من الاحباط واليأس لدى العديد من القضاة والقاضيات.
وهنا لابد من تسجيل ملاحظة هامة، وهي أنه غير ما مرة أكدنا أن وزير العدل والحريات الحالي يملك من الجرأة والشجاعة ما يمكنه أن يؤثر إيجابيا لمصلحة القضاة في شأنهم الوظيفي، إلا أننا لم نلمس ذلك خاصة بعد إعلان نتائج المجلس الأعلى للقضاء التي طال انتظارها. إن سؤال المنتدى المغربي للقضاة هو: ما هو المانع، وهل هناك عائق ما لا يريد للإرادة الملكية السامية في باب إصلاح القضاء أن توتي أكلها عبر مضامين دستور شهد له رجال القانون بالفعالية، خصوصا في الباب الخاص بالسلطة القضائية.