بناءا على البيان الأخير للمجلس الوطني لحزب الاستقلال بتاريخ 11 ماي2013 القاضي بالانسحاب من مكونات الأغلبية الحكومية بسبب عدم استجابة رئيس الحكومة لمطالب الحزب والمعبر عليها داخل بيان للجنة المركزية لحزب الاستقلال،دعا المجلس الوطني اللجنة التنفيذية للحزب إلى تنفيذ قرار الانسحاب عبر رفع مذ كرة إلى الملك في الموضوع استنادا إلى نص الفصل 42 من الدستور المغربي الذي يعطي الحق للملك الحق في صيانة المؤسسات الدستورية . و إذا كانت علاقة الملك بالحكومة من الناحية الدستورية محددة بنصوص صريحة داخل الدستور المغربي فإنه لا وجود لأي نص دستوري صريح يتحدث عن ضرورة إقحام الملك داخل الصراعات التي تقع بين مكونات الأغلبية الحكومية وبالتالي فاستناد حزب الاستقلال على الفصل 42 حول قراره بالانسحاب من الحكومة التي يقودها حزب العدالة والتنمية من قرار بالانسحاب إلى مقترح الانسحاب يتوقف تفعيله على رأي الملك فما مدى صحة هذا الاستناد الدستوري.
لقد كان من الصواب الدستوري لجوء الحز ب إلى تفعيل قراره بالاستناد إلى مقتضيات الفصل47 من الدستوري وذلك بتفعيل قرار الانسحاب عبر تقديم وزراء حزب الاستقلال استقالاتهم إلى رئيس الحكومة الذي يقدمها بدوره إلى الملك لاعفاءهم من مهامهم والبحث عن حليف أو حلفاء جدد من المعارضة أو تشكيل حكومة وحدة وطنية أو إعفاء الحكومة بكاملها أو الذهاب لانتخابات سابقة لأوانها.
إن التأخر والتردد في التنزيل الديمقراطي للدستور وكذا عدم المبادرة في هذا التنزيل لا يخدم المصلحة العليا للمغرب التي تجمع عليها كل المكونات السياسية بقدر ما تؤدي إلى التأخر في تحقيق دولة الحق والقانون . وكان من بين الآثار السلبية التي خلقها قرار المجلس الوطني لحزب الاستقلال القاضي بالانسحاب من الحكومة, مزايدات سياسية عبر تصريحات رسمية وغير رسمية بين مكونات الأغلبية الحكومية يجمعها الاختباء وراء الملك كما هو الشأن بالنسبة للتصريح الأخير للسيد رئيس الحكومة أمام ممثليه داخل الجماعات المحلية عندما قال سنخرج من الحكومة إذا طلب الملك منا ذلك.علما أن الملك لما عين ألامين العام لحزب العدالة والتنمية رئيسا للحكومة فهو فعل ذلك التزاما بالدستور الجديد الذي فرض عليه تعيين رئيس للحكومة من الحزب المتصدر لنتائج الانتخابات التشريعية.
كما ان حزب الاستقلال عندما لجأ إلى الملك بمقتضى الفصل 42 من الدستور فهو بذلك ارتكب خطاءا سياسيا أصلحه الملك بعدم التدخل وبالتالي فأي خلاف بين مكونات الأغلبية من شأنه أن يفضي وبشكل ديمقراطي ،"كما كان الأمر بالنسبة لقرار المجلس الوطني لحزب الاستقلال القاضي بانسحاب وزراء الحزب من الحكومة" إلى الانسحاب من الأغلبية الحكومية يجب تأسيسه على مقتضيات الفصل 47 من الدستور المغربي الذي جاءت فقرته الأخيرة واضحة عندما نصت غلى أن الوزراء بالمغرب يقدمون استقالاتهم إلى رئيس الحكومة الذي يرفعها إلى الملك وهو ما تم تفعيله في الواقع عندما قدم وزراء حزب الاستقلال -باستثناء وزير واحد -استقالاتهم إلى رئيس الحكومة الذي رفعها إلى الملك الذي قبلها وهو ما مثل دعوة ملكية صريحة إلى كل المؤسسات المعنية بالتنزيل الديمقراطي للدستور إلى عدم الاختباء وراء الملك عندما يتعلق الأمر بضرورة تحمل المسؤولية في التفعيل السليم للمقتضيات الدستورية، لان تكتيكات الحراك السلمي بالمغرب لم تعد تسمح بالتردد والارتباك ورمي الكرة داخل المؤسسة الملكية التي حسمت الأمر عندما رفعت شعار بيني وبينكم الدستور .
من هنا أصبح مفروضا على النسخة الثانية من الحكومة المغربية التي يتحمل مسؤوليتها حزب العدالة والتنمية أن تمارس الشجاعة السياسية في الاقتداء بهذا الشعار وتكريسه كسنة ضرورية داخل الممارسات السياسية المستقبلية بين كل المكونات السياسية التي يجب أن تكون ديمقراطية في الممارسة والتكوين .وربما يسجل التاريخ لحزب العدالة والتنمية مساهمة ايجابية في الوصول إلى ملكية برلمانية -باعتبارها أقصى المطالب التي يجمع عليها الحراك الاجتماعي بالمغرب- ظهرت أولى بوادر القبول باعتمادها ولكن بشكل تدريجي يحدد تاريخه بالزمن الذي سيصل فيه المغرب إلى تحقيق المعادلة السياسية التي تشتمل على المكونات الديمقراطية الآتية:
حكومة قوية ومسؤولة وبرلمان مراقب وملتزم بوظيفته وقضاء مستقل ونزيه وإعلام حر وصادق شريطة أن يشتغل كل مكون بشكل مسؤول وقانوني وأخلاقي وفي إطار الالتزام المطلق بالاحترام التام لاختصاصات الآخر تحقيقا لشرط استقلال السلط فيما بينها .
و لتحقيق هذا تصبح النسخة الثانية من حكومة حزب العدالة والتنمية أو الحكومة المقبلة ملزمة بالتطبيق السليم للمقتضيات الدستورية وترميم الأخطاء الفتاكة التي ترتكب في حق الدستور المغربي من خلال القوانين التنظيمية التي تحاول بعض التأويلات اللادستورية إخراجها من إطارها الدستوري بمباركة صمت وتصرفات الحكومة الحالية.
إن النظرة المستقبلية للمغرب في ظل الظروف الدولية والإقليمية والوطنية تفرض التركيز على دمقرطة المؤسسات الدستورية القائمة وإخراج ما تبقى منها إلى الوجود مع الالتزام المطلق من طرف كل المعنيين بالتفعيل الحكيم والسليم والسريع للدستور لان مثل هذه الفرصة قد لا تعوض للأجيال القادمة التي قد تعيش داخل المعادلة السياسية الديمقراطية أعلاه وتحت غطاء الملكية البرلمانية التي تعززت بوادرها مؤخرا من خلال منهجية المؤسسة الملكية في معالجة مشكلة العفو الملكي على الاسباني مغتصب الأطفال المغاربة.
*أستاذ جامعي رئيس اللجنة العلمية للمعهد المغربي للحكامة