في هذا الحوار، يشرح حفيظ اليونسي، الأستاذ الباحث في القانون الدستوري والعلوم السياسية بكلية الحقوق جامعة ابن زهر اكادير، دلالة الاستقبال الملكي الأخير الذي خص به الملك محمد السادس حميد شباط، الأمين العام لحزب الاستقلال، وعلاقة تلك الخطوة بالتحكيم الملكي الذي كان يطلبه هذا الأخير طوال المدة الماضية، مع تأثيرها على قرار حزب الميزان بالانسحاب من الحكومة من عدمه. اليونسي استعرض أيضا في حواره مع «المساء»، أهم السيناريوهات الدستورية المحتملة، في حال نفذ حزب الاستقلال تهديده بالانسحاب من الحكومة، في ضوء الواقع الدستوري والسياسي للمغرب، والذي سيتيح استمرار الحكومة الحالية بتعديل جزئي، أو الذهاب إلى انتخابات تشريعية مبكرة تفرز أغلبية حكومية جديدة. - هل يمكن إدخال الاستقبال الملكي الأخير لشباط ضمن التحكيم الملكي الذي كان يطالب به هذا الأخير؟ في البداية لا بد من الإشارة إلى أن مسألة التحكيم الملكي الواردة في الفصل 42 من دستور 2011، حددت حالات اللجوء إليها، خصوصا في حالة الخلاف بين مؤسسات الدولة، وبالاستناد إلى منطوق المادة والى روح الدستور، التي تتمحور حول جعل الوثيقة الدستورية عماد بناء نظام ديمقراطي بما هو نظام مؤسسات، يتم فيه إعمال القانون، فالنازلة السياسية التي بين أيدينا، أي قرار حزب مشارك في حكومة الانسحاب منها، ليست بداع دستوري لإعمال التحكيم الملكي، لأن قرار الانسحاب إلى حدود الساعة هو قرار حزبي موقوف التنفيذ، يعكس خلافا بين حزبين مشكلين للحكومة، وهو أمر لا يقوم سببا لإعمال التحكيم الملكي، وإلا فإننا سنكون أمام تأويل واسع ومتعسف للفصل 42 الواضح المبنى والمعنى. أما ما يتعلق بالاستقبال الملكي للأمين العام لحزب الاستقلال، فبين أيدينا بلاغ الديوان الملكي تحدث عن استقبال وتقديم مذكرة، وليس شيئا آخر، بينما أكد أمين عام حزب الاستقلال على الفصل 42، في تصريحه للصحافة بعد الاستقبال الملكي. - شباط شدد في تصريحاته على أن حزبه عازم على الانسحاب من الحكومة، فلماذا تم إقحام المؤسسة الملكية في الأزمة منذ البداية؟ وما موقع التحكيم الملكي من مثل هذا التصريح؟ في حقيقة الأمر المتتبع لسلوك وخطاب الفاعل السياسي منذ خطاب 9 مارس، مرورا بالدستور الجديد وتشكيل الحكومة، وانتهاء بالخلاف الحالي الذي أدخل البلاد في انتظارية قاتلة، يستنتج أننا إزاء نخبة حزبية محافظة واتكالية، غير قادرة على تنزيل ديمقراطي للدستور، ومنطق اشتغالها يجمع بين المعقول واللامعقول، فعمليا قرار الانسحاب هو في حكم الموقوف التنفيذ، لأن وزراء حزب الاستقلال يزاولون مهامهم بشكل اعتيادي، أما إقحام المؤسسة الملكية فهو يترجم ما قلته سابقا، إضافة إلى اقتناع جزء من هذه النخبة بتصور الملك/الأب، وهو تصور في اعتقادي مضاد لروح الدستور الذي حدد مجال اشتغال واختصاص كل مؤسسة على حدة، وبكل وضوح فهو يعكس عدم استقلالية القرار الحزبي، وأيضا تقليص هامش المفاجأة في المشهد السياسي، من خلال التحكم في مدخلاته ومخرجاته، وهو أمر يفرغ الفصل 7 من الدستور من محتواه الحقيقي، ويمكن أن يوسع من هامش اللامنظور في تدبير الخلافات السياسية، بما يؤدي إلى الإضرار وربما توقف عملية الانتقال الديمقراطي أو تشويه معالم مخرجاتها. لأن المفروض هو حل الخلاف بين المكونات الحكومية من خلال الآليات التي اعتمدت أثناء تشكيل الحكومة، وتجميد هذه الآليات مسؤولية جميع مكونات الحكومة. لكن وجب التنبيه إلى أن عدم الاستقرار المؤسساتي سينعكس سلبا على تنزيل الدستور، وربما يكرس أعرافا أو يفسح المجال لقراءات تفرغه من محتواه الديمقراطي. - بناء على مقتضيات الدستور، كيف تتوقع أن يكون رد الفعل الملكي على مذكرة حزب الاستقلال؟ أظن أنه بناء على منطوق الفصل 42، فليس هناك داع دستوري لمسألة التحكيم الملكي، هو خلاف بين حزبين سياسيين وليس بين مؤسستين دستوريتين، وفي حالة تأثر سير المؤسسات الدستورية يمكن للملك أن يتدخل، ويمكن لهذا التدخل أن يأخذ أشكالا مختلفة، لكن هل هذا تحكيم؟ أنا شخصيا لا أعتقد ذلك. أظن أنه يمكن تصريف التدخل الملكي من خلال آليات أخرى، من قبيل التعديل الحكومي مثلا. لكن هنا لا بد من الإشارة إلى طبيعة التدخل الملكي، سواء كان تحكيما أو غيره، لأنه سيكون له ما بعده على مستوى الانتقال الديمقراطي، ومدى وجود رغبة حقيقية في إنجاحه هذه المرة، خصوصا موقع ودور الملكية في المرحلة المقبلة. - ما هي السيناريوهات المحتملة لما بعد انسحاب حزب الاستقلال إذا ما حصل بالفعل؟ لا بد من التمييز في إطار الحديث عن السيناريوهات المحتملة لما بعد انسحاب حزب الاستقلال إن تم، بين الممكنات الدستورية والاختيارات السياسية، فيما يتعلق بالممكنات الدستورية، فالأكيد أن المسألة منظمة دستوريا بما يعني أن المغرب لن يعيش في جميع الحالات فراغا دستوريا أو مؤسساتيا، فانسحاب وزراء الحزب يعني دستوريا تقديمهم للاستقالة من الحكومة، مما يعني أن رئيس الحكومة مطالب وفق مقتضيات الفصل 88 الذي يربط تنصيب الحكومة بثقة البرلمان، بالبحث عن أغلبية جديدة. هذه الأغلبية قد يكون حزب الاستقلال جزءا منها إذا دخل في تفاوض مع رئيس الحكومة لكن من موقع جديد، وقد تكون الأغلبية مع أحزاب جديدة، في حالة الفشل في تشكيل هذه الأغلبية، هنا الدستور يحدد المبادرة في ثلاث مؤسسات دستورية: أولا: منح الدستور للملك صلاحيات واسعة في العلاقة مع استمرار الحكومة في مهامها من عدمه، فالفصل 51 يبين أن الملك يمكنه حل مجلسي البرلمان بعد استشارة رئيس المحكمة الدستورية وإخبار رئيس الحكومة ورئيسي مجلسي النواب والمستشارين، وينتج عن هذا الحل التوجه نحو انتخابات جديدة. ثانيا: لرئيس الحكومة أن يعمل مقتضيات الفصل 104، التي تعطيه حق حل مجلس النواب، بعد استشارة الملك ورئيس المجلس، ورئيس المحكمة الدستورية، وفي الحقيقة يطرح سؤال حول هذه الاستشارة نظريا هل هي استشارة معلمة أم ملزمة، بمعنى مدى وجود إرادة منفردة في مسألة الحل لرئيس الحكومة. على أي، الحل يتم بمرسوم يتخذ في المجلس الوزاري الذي يرأسه الملك ، ويقدم رئيس الحكومة تصريحا أمام مجلس النواب يوضح دوافع قرار الحل وأهدافه، وتقديم هذا التصريح ليس له تأثير يذكر على قرار الحل، لأن الدستور لم يتحدث عن مناقشة أو التصويت على التصريح. في هذه الحالة المغرب سيتجه نحو انتخابات نيابية مبكرة تفرز خريطة سياسية جديدة، يمكن أن تعكس نفس الترتيب الحزبي من حيث النتائج. تجدر الإشارة هنا إلى أن لرئيس الحكومة إمكانية إعمال الفصل 103 من خلال ربط استمرار الحكومة في مهامها بتصويت يمنح الثقة، وسحبها هنا مرتبط بتصويت الأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس النواب، مما يؤدي إلى الاستقالة الجماعية للحكومة. ثالثا: البرلمان من خلال تفعيل مقتضيات الفصل 105 الذي يحيل على التصويت على ملتمس الرقابة، الذي ينبغي أن يوقع من طرف خمسة أعضاء مجلس النواب، مع ضرورة التصويت عليه بأغلبية مطلقة، ونتيجة ذلك هو الاستقالة الجماعية للحكومة، هنا الملك يعين رئيس الحكومة من الحزب الأول الذي تصدر الانتخابات النيابية، ويمكن أن يكون رئيس الحكومة المستقيل نفسه، أو شخص آخر من نفس الحزب، ولا يمكن الحديث هنا عن عرف دستوري في أن رئيس الحكومة هو رئيس الحزب، لأن التوازنات السياسية في البلاد هي المحدد هنا، ورئيس الحكومة في هذه الحالة مطالب بتشكيل أغلبية حكومية. هذا هو الممكن الدستوري، أما الاختيارات السياسية، فأظن أن طبيعة الفعل السياسي بالمغرب الذي ينزع نحو المحافظة، والوضع الإقليمي المضطرب، والواقع الاقتصادي والاجتماعي للبلاد، والتحديات والتطورات الجديدة للنزاع حول الصحراء، كلها معطيات قد تؤدي إلى البحث عن حلول خارج الممكن الدستوري، وبطبيعة الحال سيكون دور الملك في هذا الاتجاه مؤثرا، أي الحفاظ على نفس الأغلبية الحكومية الجديدة، لكن بمنطق اشتغال جديد، قد يكون التعديل الحكومي أحد تجلياته. - ما هي الأحزاب التي ترى بأنها الأقرب إلى تعويض «الاستقلال» في الحكومة في حال نفذ قراره بالانسحاب منها؟ وهل يمكن توقع الذهاب إلى انتخابات تشريعية سابقة لأوانها؟ كما أسلفت سابقا فسيناريو أغلبية جديدة ممكن، لكن هذا أمر مرتبط بمدى استقلالية القرار الحزبي، فالمعلن عنه من تصريحات يتجه في الواقع إلى عدم رغبة أي حزب في الالتحاق بالأغلبية الحكومية، باستثناء حزب الاتحاد الدستوري الذي يعد موقفه غامضا وغير واضح، أما التحاق حزب الأصالة والمعاصرة وحزب التجمع الوطني للأحرار بالحكومة، فأعتقد أنه سيزيد من عبثية المشهد السياسي، على الأقل في هذه المرحلة، وإن كان كل شيء ممكنا. أعتقد أن ما يقع في المغرب اليوم هو تمرين ديمقراطي كما صرح الأمين العام لحزب الاستقلال، ما نتمناه أن تكون نتيجة هذا التمرين في صالح بناء نظام حكم ديمقراطي ومؤسساتي، وليس العكس.